السعودية ناخب إيرانيّ

الكاتب والصحافي راشد الفايد

أخرج “الاتفاق النووي” “الشيطان الأكبر” من أدبيات السياسة الخارجية (والداخلية) الإيرانية، ولحس نظام الملالي، بتؤدة، كل مفرداته ضد واشنطن، والمتراكمة منذ ولادة جمهورية الخميني.
لاحقا، صار الكلام على اسرائيل مضبوطا بالقطارة تحت السقف الروسي، بحيث تحافظ قلّته على زعم العداء، وتختفي كثرته كي لا تزعج “حليف الحليف”، بعدما مدّت موسكو مسارب الودّ بين طهران وتل أبيب ونظام الأسد، ورسمت الخطوط الحمر الضابطة.
في غياب العداء مع “الشيطانين”، من يبقى لأهل النظام الإيراني كي يعلقوا على مشجبه أزماتهم في الداخل ومع الخارج؟ ففي الداخل يأكل النظام بعضه بعضا، ويتبارى أهله على استرضاء الوليّ الفقيه، وآخرهم قاسم سليماني الذي يبدو أنه موضع تشكيك اضطره، أمس، إلى تأكيد إخلاصه وولائه لخامنئي، ردا على “الجبهة المعادية التي تهدف إلى إثارة التفرقة”.

إقرأ ايضًا: محاكمة الشيخ قاسم تسبب هجوما دوليًا على البحرين
أما في الخارج، وإذ يعرف أهل النظام أن وزن الخصم السياسي يحدد وزنهم وطموحهم، فإنهم يجدون في استعداء المملكة العربية السعودية ما يعلي شأنهم، وشأن دولتهم. فكيف إذا كان فيه استرضاء لحلم الوليّ بسرقة قيادة العالم الإسلامي، والتقرب منه للوصول إلى الرئاسة؟
لا تجافي مقالة وزير الخارجية محمد جواد ظريف في “نيويورك تايمز” هذا الإطار. ولأجل ذلك، لا يتورع عن التعامي عن تاريخ بلاده مع الإرهاب. ولبنان نموذج لا يكذّب: من تفجير مقري قوات المارينز الأميركية والقوات الفرنسية في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي لتعطيل الحل الدولي للأزمة اللبنانية، ومسلسل خطف الأجانب، بيد “حزب الله”، إلى جانب التفجيرات المتعددة في بعض الدول، وتبييض الأموال.
لم يكن ذلك إلا بهدف احتلال إيران، بالإرهاب، موقعا على الخريطة الإقليمية، طوّرته بالتدخل العدواني في العراق، فتواطأت مع واشنطن لاحتلاله، ثم انقلبت عليها، وفي سوريا، حيث تدعم نظام الديكتاتور الأسد، وفي لبنان حيث يقضم الحزب، حليفها، سلطة الدولة، وفي اليمن التي بذر فيها الشقاق ليستكمل تهديد أمن الجزيرة العربية. برغم ذلك، يتهم ظريف الرياض بما يليق بطهران: نشر الفوضى في العالم العربي لإضعافها”.
أوقح ما في المقالة، اتهام ظريف المملكة بالوقوف وراء هجمات 11 أيلول 2001، فيما لم تمر أشهر على حكم أصدرته محكمة أميركية كبّدت فيه طهران ما يناهز 11 مليار دولار “بتهمة مساعدة الإرهابيين الذين نفذوا الهجمات”، بينما فشلت كل الدعاوى في إثبات علاقة السعودية بها.
يقدم ظريف في هذه المقالة أوراق اعتماده إلى خامنئي كمرشح للرئاسة، بعدما تضاءلت فرص الرئيس الحالي حسن روحاني، ولا يظهر في صفحة المرشحين المحتملين سوى الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي لا يرحب به لدى الحاكم الأعلى.
إختار ظريف حضن الشيطان الأكبر لإعلان ترشحه، مقِراً ضمنا بأهمية رضا واشنطن، العدو السابق، لكنه أيضا، حوّل السعودية ناخبا رئيسيا.

السابق
المعارضة السورية أمام «واقعية» الصفقة الأميركية – الروسية
التالي
بالصور: هاجم الشرطة بالساطور.. لهذا السبب!