تركيا بعد إسرائيل… في الحلف الأميركي- الإيراني

علي الأمين
البديل عن التسويات سيبقى الإستنزاف المحكوم بخطوط حمراء قررتها واشنطن وموسكو. لذا اقتنع نصرالله على ما يبدو أنّ أقصى ما يمكن أن يحصّله في سورية هو أن يكون جندياً في ولاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

كأنني بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه السبت ينعى سلطة الرئيس بشار الأسد. ثمة اقرار من قبل السيد نصرالله اخيرا باستحالة انتصار مشروع الاسد. فشرط بقاء الاسد هو الانتصار الكامل على المعارضة. وكانت معركة حلب الاخيرة، وفك الحصار عن فصائل المعارضة، هي الرسالة الميدانية لاستحالة تحقيق هذا الانتصار. والانعطافة التركية تجاه موسكو وطهران هي الرسالة السياسية التي جعلت السيد نصرالله يقرّ بأن الخيارات المتاحة في الازمة السورية هي الاستنزاف والقتال من دون انتصار، او الدخول في تسوية تفترض في مبدئها الاقرار بتنحي الاسد. وهذا ما كان اصلا تسرب من التفاهم الاميركي – الروسي قبل معارك فك الحصار عن حلب.

ولعل ابرز ما تضمنه خطاب نصرالله انه لم يأت على ذكر معركة حلب التي كان وصفها قبل اسبوعين بأنها معركة ستقلب المعادلات الدولية والاقليمية. وبعد ذلك مخاطبته تنظيمي “داعش” و”النصرة” (فتح الشام) وغيرهم من المقاتلين من معارضي نظام الاسد، دون ان يصفهم بالتكفيريين او الحركات الارهابية او ما الى ذلك من اوصاف كان منها انها تنظيمات اخطر من اسرائيل، على ما قاله في اكثر من خطاب سابق. ولا يخفى على المتابع ان وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، الذي زار تركيا قبل يوم من خطاب نصرالله، قد اعلن بوضوح ان ايران تطمح لأن تبني علاقة جديدة مع تنظيم الاخوان المسلمين بواسطة تركية. وهذا الاعلان هو الذي دفع نصرالله الى توجيه هذه النصيحة لتنظيمي داعش والنصرة، اذ قال فيها: “إذا عندكم حقاً ما زال هناك شيء من الإسلام، هناك شيء من الحب للنبي، هناك شيء من العلاقة بالقرآن، أوقفوا هذا القتال لمصلحة أميركا في المنطقة، أوقفوا هذا القتال، ألقوا هذا السلاح، نتكلم بمصالحات، نتكلم بتسويات، ربما يكون هذا الكلام فيه مبالغة، نعم أنا أدعو اليوم كل أولئك الذين لا زالوا يحملون السلاح، ونحن نأسف عليهم ونأسى لهم… هذا ما ندعو اليه اليوم أمام كل المعارك الموجودة في المنطقة. العلماء الحكماء العقلاء الفهيمون، الناس الحريصون على هذه الأمة، الذي يستطيع أن يقول كلمة، الذي يستطيع أن يجري اتصالاً، الذي يقدر أن يبذل جهداً، يجب أن تتوافر كل الجهود لوأد هذه الفتنة القائمة في الأمة وفي المنطقة”.

إقرأ أيضاً: نصرالله يدعو إلى المصالحة في سوريا…ولكن ماذا عن القصير؟

هذا التوجه للتنظيمين ليست غايته استرضاء التنظيمين اللذين لن يتساهلا في مسألة المواجهة مع حزب الله، لكن هو خطاب الى الجمهور السنيّ لاظهار ان حزب الله على استعداد حتى للتفاهم مع داعش، ومحاولة تمهيد الطريق لاعادة ترميم العلاقة مع الاخوان المسلمين، باعتبار ان هذا الفصيل الاسلامي هو الوحيد الذي يمكن لايران، وحزب الله ضمنا، ان يعيدا من خلاله بناء العلاقة مع الوعي العربي السنّي، بعدما احدثت الازمة السورية والازمة العراقية قطيعة بين ايران والسنّة العرب. وفيما المواجهة مستعرة مع السعودية ليس امام ايران سوى طريق الاخوان المسلمين لاحداث اختراق، لكن في المقابل ماذا ستقدم ايران في مقابل هذه العلاقة؟

نصر الله

هذا التوجه الايراني ليس بالضرورة ان يلقى ترحيبا من جماعة الاخوان، وبالتالي لا بد لايران ان تقدم اغراءات على هذا الصعيد. والأرجح ان هناك صعوبات جمّة ستواجه هذا الخيار. فتراكم العداء الذي رسخ على مستوى المجتمع في سورية والعراق وفي اليمن ضد ايران، يجعل ايران امام تنازلات اقلها التخلي عن بشار الاسد. فرمزية العداء بين جماعة الاخوان والاسد لا تحتمل فكرة بقاء الاسد في السلطة فيما لو جرت الصفقة بين ايران و”الاخوان” عبر تركيا.

إقرأ أيضاً: وصمت نصر الله الذي تلقى هزيمة في حلب

البديل عن التسويات سيبقى الاستنزاف المحكوم بخطوط حمراء قررتها واشنطن وموسكو. لذا اقتنع نصرالله على ما يبدو ان اقصى ما يمكن ان يحصّله في سورية هو ان يكون جنديا في ولاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعدما تحولت ايران نفسها الى قوة تحتمي بالقرار الروسي وحساباته الاقليمية والمحكوم بالتفاهم مع واشنطن وبالوكالة عنها الى حدّ كبير. من هنا يحاول نصرالله أن يطرق هذه المرة ابواب خصوم الاسد. ليس تنظيم داعش، بل منظومة “الاخوان المسلمون”، في محاولة للتخفيف من ارتدادات الحرب السورية على موقع حزب الله ودوره. رحلة البحث عن شرعية سنيّة هي ما بدأه نصرالله اليوم في العراء العربي الذي يعانيه. تركيا باب محتمل لتحقيق اختراق على هذا الصعيد، لكن يبقى دون الوصول الى هذا الهدف مقدمات قد تتطلب – اذا كانت التسوية جدية – ان يدفع حزب الله اثمانا تخفف من عوائقها وتسمح بسيرها وهي اثمان تدفع من الحساب الايراني. اثمان ليس اقلها تغيير وجه حزب الله ودوره وهذا ما يريد ان يتفاداه نصرالله.. ولكن كيف؟

وروسيا لا تزيد عن كونها وكيلا لتفاهمها مع اميركا ولعب دور في التقارب الايراني – الاسرائيلي وكل تقارب تركي- ايراني يأكل من الصحن العربي.

هل تذكرون الشرق الأوسط الأميركي الجديد؟ معادلة إيران وتركيا وإسرائيل بوجه المحيط العربي؟ برعاية أميركية؟

تذكروا هذا الشرق.

السابق
من هدد رئيس بلدية عرسال بالـ«تصفية»
التالي
حزب الله ينعي أحد عناصره الذين سقطوا في معارك حلب