النار السورية إذ تأكل «شيعة لبنان»!

بعيداً عن القتل والقتلى، بعيداً عن الأسر والأسرى، بعيداً عن وجع المصابين وعويل الجرحى، يراقب أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله حُسن سير المعارك في سوريا. يقلّب الرجل شاشة التلفاز متنقلاً بين "المنار" و"العالم" و"الإخبارية السورية" و"سما"، ولا بأس ببعض القنوات الناطقة بالفارسية، فالرجل يجيد ولا شك ما هو أكثر من لغة القوم.

بعد الجولة الخاطفة على قنوات “المقاومة” و”الممانعة” يبتسم نصرالله كعادته ابتسامة صفراء، مخاطباً مرافقه الشخصي: “ما قلتلك الأمور تمام، وعال العال بحلب، أصلاً ما في شي بحلب”.

اقرأ أيضاً: وزعنا الحلوى إكراماً لكسر حصار حلب: إرهابيون ونفتخر!

سرعان ما يتلقَّى “أبو هادي” اتصالاً من أحد ضباط الارتباط الميدانيين، يصارح الجندي “سيده” بالإشارة إلى أن الأمور ليست على ما يرام في حلب، بخلاف ما كان يظن الأخير.

يتغيّر لون وجهه، وعلى مضض يأخذ جهاز التحكم، يقلّب شاشة التلفاز مجدداً، يمر هذه المرة مروراً عابراً على “الجزيرة” و”العربية” التي تنطق بالعبرية على ما تقول أدبيات الحزب ليدرك أن “الإرهابيين” و”التكفيريين” تمكّنوا بالفعل من فكّ وكسر الحصار الخانق والمطبق على “الشهباء”.

وهنا يبدأ سيلُ الأخبار والأنباء التي لا يحبذ نصرالله ومعاونوه سماعها عن مقتل وإصابة العشرات من “رجال الله”، بعد شرب كوب من العصير البارد، يحاول نصرالله جاهداً “لملمة” نفسه المبعثرة كأشلاء مقاتليه، قبل أن يجري اتصالاً عاجلاً بالسيد القائد في قم: “نعم سيدي القائد، لا تقلق، فالإرهابيون حتى وإن تقدموا قليلاً، فإنهم لن يتمكنوا أبداً من الصمود في المناطق التي سيطروا عليها، وها نحن نعد العدة لهجوم مضاد بهدف استعادة ما خسرناه خلال الأيام والساعات القليلة الماضية، سنصدرُ الآن وعلى الفور أوامرنا بإرسال المزيد من القوات والشباب إلى سوريا لهزيمة المشروع الإرهابي والتكفيري”.

ينال السيّد اللبناني من السيّد الإيراني جرعة ثناء وتقدير معطوفة على تلويح بحفنة دولارات إضافية كمكافأة على حسن أدائه وطاعته العمياء للمرشد الأعلى.

وبالفعل، يسارع نصرالله، وكما قبل وبعد كل معركة في سوريا إلى إصدار الأوامر بإرسال المزيد من الشيعة الجنوبيين والبقاعيين إلى أرض الميدان خدمة لإيران ومشروعها النووي – الدموي، ومفاوضاتها مع “الشيطان الأكبر” و”الأصغر” وحتى “الأوسط”.

حلب

وبناء على الأوامر المدجّجة بشتى أنواع الفتاوى عن “حماية” المقامات والمقدسات، يسلكُ الجنوبيون الذين يحتفلون في هذه الأيام بالذكرى السنوية العاشرة لحرب تموز، طريقاً أخرى لا تشبه درب القدس البهية، ولكنهم سرعان ما يعودون تحت جنح الظلام جثثاً هامدة في توابيت صفراء.

المشهدية المؤلمة والسوداء تؤكد أن ثمة هرطقة دينية وربما دنيوية تجعل “السيد” منفصلاً تماماً عن حقيقة ما يفعله ويرتكبه بحق شيعة لبنان، ولكنك أنتِ أيتها الأم الثكلى والمكلومة بولدك، وأنتَ أيها الوالد المفجوع بفلذة كبدك، وأنتِ أيتها الأرملة الغارقة في أحزانها ودموعها، وأنتَ أيها الابن اليتم المثخن بالحرمان، كيف تسمحون بمصادرة قراركم وتخدير أوجاعكم واغتصاب حبات الفرح في ضوء عيونكم؟!

اقرأ أيضاً: معركة حلب في الميزان: قبضة أمنية في لبنان وقلق كردي

على مدار الأعوام الخمسة الماضية أكلت النار السورية آلاف الشباب الشيعة اللبنانيين، ولكن توقفها عن هضم وابتلاع المزيد منهم مرهون برفع أبناء هذه الطائفة الصوت عالياً ضد مغامرة ومقامرة “حزب الله” قبل فوات الأوان، خوفا من أن لا يبقى “شيعة” … ولا من يشيّعون!

 

السابق
مديحة يسري في العناية الفائقة
التالي
مياومو الكهرباء: مجلس الخدمة ارجأ مباريات السبت