في الذكرى العاشرة لـ«حرب تموز 2006».. أين هو حزب الله اليوم؟

في الثاني عشر من يوليو (تموز) من العام 2006، خرج الأمين العام لحزب الله اللبناني في مؤتمر صحفي ليعلن عن أسر الحزب لجنديين إسرائيليين في عملية نوعية يهدف من ورائها لإجراء عملية تبادل مع الجانب الإسرائيلي وتحرير عدد من الأسرى اللبنانيين والعرب في السجون الإسرائيليين، لتندلع واحدة من أشرس حروب المنطقة، والتي دامت 33 يومًا، وأظهر فيها حزب الله قدرة كبيرة على الصمود ورد العدوان الإسرائيلي.

أمور كثيرة تغيرت بعد مرور 10 سنوات كاملة على ذكرى اندلاع هذه الحرب، حزب الله غارق في «المستنقع» الذي فرضته الحرب السورية، والتهديدات الإسرائيلية بشن حرب جديدة يستغل فيها وضعية الحزب الحالية تتعاظم، كما أن صورة حزب الله تضررت لدى قسم كبير من الرأي العام العربي، بغض النظر عن الأسباب الحقيقية لهذا التضرر.

ليطرح هنا السؤال الجوهري: إلى أين يسير حزب الله اليوم؟
حرب لبنان 2006.. المفاجآت
دبابة إسرائيلية مدمرة إبان حرب لبنان 2006

نفذت قوات خاصة من حزب الله اللبناني عملية نوعية يوم 12 يوليو (تموز) من العام 2006، بتمكنها من أسر جنديين إسرائيليين، فاخترقت القوات الإسرائيلية الحدود اللبنانية مع الأراضي المحتلة لتستقبلها عبوة ناسفة دمرت دبابة وقتلت 8 جنود، لتبدأ فعليًّا حرب لبنان الثانية التي استمرت 33 يومًا، شن خلالها سلاح الجو الإسرائيلي غارات عنيفة على مواقع مدنية وعسكرية لبنانية، خاصة ما يفترض أنها تابعة أو متعاطفة مع حزب الله، مما أجبر عددًا كبيرًا من سكان الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية لبيروت على النزوح إلى العاصمة أو الشمال، أو حتى إلى سوريا، فيما رد الحزب بقصف العمق الإسرائيلي بصواريخ متطورة وصلت إلى حيفا وما بعد حيفا، في مفاجأة حقيقية للمتتبعين، كما هدد نصر الله يومها بقصف تل أبيب إن فكرت إسرائيل بشن غارات على العاصمة اللبنانية بيروت، وضربت قوات حزب الله في الأيام الأولى للحرب بارجة إسرائيلية متمركزة أمام الشواطئ البيروتية، في مفاجأة أخرى أثبتت امتلاك الحزب لصواريخ مضادة للسفن، وأيضًا استعداده الجيد لحرب توقع اندلاعها يومًا ما منذ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان شهر مايو (أيار) 2000.

قرر الجيش الإسرائيلي الدخول بريًّا إلى جنوب لبنان، في محاولة لإجبار الحزب على التراجع إلى ما وراء نهر الليطاني والتخفيف من ضرر صواريخه التي ضربت العمق الإسرائيلي، فكان أمام مفاجأة أخرى تمثلت بصواريخ مضادة للدروع تصدت للدبابات والمدرعات الإسرائيلية، وتكتيكات حربية في حرب العصابات لم يتعود عليها الإسرائيليون الذين أقر عدد كبير من جنودهم بأنهم حاربوا الأشباح في لبنان.

انتهت الحرب بانسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان بعد صدور القرار الدولي 1701، دون تحقيق أي هدف من أهدافه المعلنة، فلا هو تمكن من تدمير القدرات العسكرية لحزب الله، ولا أعاد الأسيرين، ولا تمكن من إيقاف خطر الصواريخ أو على الأقل إبعادها، وهي التي استمرت في الانهمار على الأراضي المحتلة حتى آخر يوم من الحرب، مما شجع حزب الله على القول بأنه خرج منتصرًا من هذه الحرب الضارية.

شهد الموقف العربي انقسامًا واضحًا إبان الحرب، بين موقف رسمي سعودي ومصري رفض ما قام به الحزب، واعتبره مغامرة غير مسؤولة جرّت الخراب على لبنان، محملًا المسؤولية الكاملة لحزب الله في ما جرى، وموقف شعبي كان في معظمه مؤيدًا لمقاومة الحزب للعدوان الإسرائيلي ولخطابات أمينه العام حسن نصر الله (مع استثناءات صدرت أحيانًا من مؤسسات دينية معينة اعتبرت أن شيعية الحزب سبب كافٍ لعدم جواز مساندته في معركته).

الحرب السورية.. الصدمة
حزب الله حليف أساسي للنظام السوري

حل عام 2011 حاملًا معه رياح تغيير شديدة في عدد كبير من الأقطار العربية، فيما سمي آنذاك بالربيع العربي، والتي أحدثت انقلابًا عنيفًا مس أيضًا سوريا، فخرجت المظاهرات المطالبة بالإطاحة بنظام بشار الأسد، وسرعان ما انزلقت المواجهات إلى العسكرة، واندلعت الاشتباكات المسلحة في مختلف أنحاء البلاد بين قوات الجيش السوري ومسلحي المعارضة بكامل أطيافها، الجيش الحر، ثم جبهة النصرة وأحرار الشام و«تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» وغيرها فيما بعد.

أكد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في مرات عديدة اعترافه بالدور السوري الرئيسي في تقديم الدعم والمساندة والتدريب والتسليح لحزب الله، وعن مشاركة سوريا في ما اعتبره انتصارًا للحزب في معركته مع إسرائيل، معتبرًا أن وقوف الحزب إلى جانب سوريا في وجه «المؤامرة» ضروري ومؤكد.

بدأ تدخل حزب الله في سوريا بشكل محدود وغير معلن، خاصة في محيط بعض المراقد والأضرحة لحمايتها، لعل أبرزها مقام السيدة زينب قرب دمشق، لكن اشتداد المعارك والضغط على الجيش السوري أجبر الحزب على الدفع بقواتٍ أكبر في الداخل السوري والإعلان عن مشاركته في الحرب بشكل رسمي، وعلل نصر الله هذا التدخل بحماية لبنان من خطر «الجماعات التكفيرية» التي قالت بعضها صراحة أن هدفها التالي هو تدمير حزب الله، وأيضا مساندة سوريا في حرب تحولت شيئا فشيئا إلى حرب محاور تدخل فيها الجميع، وذهب أبعد من ذلك بالقول إنه إن اقتضى الأمر سيذهب بنفسه للقتال في سوريا، في رد مباشر وصريح على أصوات لبنانية انتقدت هذا التدخل واعتبرته مضرًّا بلبنان واستقرار المنطقة المشتعلة أصلًا.

حزب الله اليوم.. موعد مع المجهول؟
تزايد عدد قتلى حزب الله في سوريا

تحل اليوم إذن الذكرى العاشرة لحرب لبنان 2006، وحزب الله غارق فيما يحدث في سوريا، بعدما أصبح طرفًا أساسيًّا في محور يضم إيران والجيش السوري وقوات الدعم الروسية تخوض جميعها ما يمكن اعتبارها حربًا عالمية مصغرة في سوريا، وشارك في معارك مفصلية في حمص والقصير والغوطة وحلب وغيرها، وسط تهديدات إسرائيلية بشن حرب أخرى أطول وأصعب على لبنان، في استغلال لوضعية الحزب الحالية، وهنا تنقسم الآراء.

إقرأ أيضاً: عقد على حرب تموز..اين اصبحت المقاومة ووجهتها؟

يقول البعض أن تدخل حزب الله في سوريا قد أضر به إلى حد كبير، فقد خسر عددًا كبيرًا من مقاتليه، الذين قضوا في جبهات مفتوحة مغايرة تمامًا لطبيعة الأرض اللبنانية التي يحفظها المقاتلون عن ظهر قلب، كما أن هذه المشاركة أجبرته على التخلي عن السرية التي عرف بها والتي كانت أحد أسباب نجاحه السابق، فالعمل في أرض تعج بعملاء تابعين لاستخبارات دولية جعل من قادته العسكريين صيدًا سهلًا للإسرائيليين، ففقد الحزب جهاد عماد مغنية ابن عماد مغنية القائد العسكري لحزب الله (الذي اغتيل في سوريا أيضًا لكن عام 2008)، وسمير القنطار أبرز محرري صفقة تبادل الأسرى مع الجانب الإسرائيلي، وعلاء البوسنة القيادي المعروف الذي شارك في حرب البوسنة بين عامي 1992 و 1995، ثم مصطفى بدر الدين القائد العسكري العام لحزب الله في أقسى ضربة يتلقاها الحزب في سوريا، كما أن تدخل الحزب في سوريا أضر بصورته لدى الكثيرين الذين اعتبروا أنه حاد عن خطه المقاوم لإسرائيل وإن كانت للحزب أسبابه، وذهب البعض أبعد من ذلك للقول بأن الحزب كشف عن وجهه الطائفي الحقيقي المعادي لأهل السنة، ولدواعي الإنصاف أيضًا، فإن هذا الكلام يأتي ضمن سياق معروف من الشحن الطائفي والإعلامي الذي تعيشه المنطقة وإن اختلفت أسبابه ودوافعه الحقيقية وربما أيضًا مصداقيته، توج مؤخرًا بإعلان جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية.
إقرأ أيضاً: 10 سنوات على حرب تموز: إسرائيل تريد بقاء سلاح حزب الله
من جهة أخرى يرى متابعون أن حزب الله راكم خبرات كبيرة في مشاركته بالحرب السورية، فقد قاتل في ظروف مختلفة عن المألوف بالنسبة له، واحتك بخبراء عسكريين سوريين وإيرانيين وروس بشكل مباشر، كما قاتل ضمن جيوش نظامية مغايرة لأسلوب حرب العصابات الذي يعتمد عليه، كما أشارت تقارير إلى أنه لم يتوقف عن تطوير بنيته العسكرية، سواء بالزيادة في عدد المقاتلين أو مضاعفة مخزونه من الصواريخ القصيرة والمتوسطة وبعيدة المدى، وأيضًا صواريخه المضادة للدروع ومحاولة تدارك النقص في مضادات الطائرات، نظرًا للتفوق الواضح لسلاح الجو الإسرائيلي في المواجهة المباشرة، مما يعني استعداده وجهوزيته لأي حرب مقبلة مع الجيش الإسرائيلي، كما أن هذه الحملة الإعلامية ضد الحزب في نظر هؤلاء لا تعدو كونها جزءًا من مخطط يهدف لشيطنة حزب الله وتشويه صورته إعلاميًّا كحزب مقاوم يقف في وجه مؤامرة تقودها إسرائيل وأطراف إقليمية بهدف استنزافه وتسهيل القضاء عليه فيما بعد.

وبين هذا وذاك، لا يستطيع أحد التنبؤ بمستقبل حزب الله، وهي مسألة لن تتضح نتائجها إلا بنهاية الحرب السورية (التي يبدو أنها مازالت طويلة) أو شن إسرائيل لحرب جديدة على لبنان، حربٌ ينقسم المراقبون بين القول إنها قادمة وموعدها ليس سوى مسألة وقت ليس إلا، أو الجزم بأن إسرائيل لن تشن حربًا مادام ندها الأبرز يستنزف في سوريا.

(ساسة بوست)

السابق
فنان لبناني ينجو من حادثة الدهس في مدينة نيس!
التالي
كيف علّق الشّهال على خروج ابنه زيد من السّجن؟