الحريري وأوهام السلطة

يملأ تيار المستقبل أوقات الفراغ وأيام الانتظار الطويلة بوهم أنّه صاحب قرار في هذا الشأن. ويساعده حزب الله على التوهم أكثر عبر إطلاقه مقولة أنّ السعودية هي من يعطل انتخاب الرئيس عبر منع تيار المستقبل من انتخاب المرشح ميشال عون.

كلّ محاولات الخروج من الفراغ الرئاسي اصطدمت برفض حزب الله إعطاء الضوء الأخضر لإجراء انتخابات رئاسية. وعندما نقول حزب الله هنا فالمقصود حزب الله الذي يشكل الذراع الإيرانية في لبنان وسورية و”حيث يجب” بالإضافة الى بقية الحلفاء ولا سيما التيار الوطني الحر وحركة أمل وتوابعهم من قوى 8 آذار، إذ أنّ قضية استراتيجية لمحور المقاومة بمستوى الإتيان بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في لبنان، لا تحتاج إلى كثير من الجهد من قبل ممثل ولي الفقيه في لبنان وقائد المقاومة. وسقف مطاليبه القيام ببذل بعض الجهد والعطايا للمؤلفة قلوبهم، من أجل توفير الاكثرية لمرشح المقاومة. لاسيما أنّه أمكن لهذا المرشح اختراق جبهة الخصوم وضمن تأييد حزب القوات اللبنانية له. ومن دون أن ننسى وليد بك الذي أطلق أكثر من إشارة لصاحب القرار بأنّه مستعد لتأييد الجنرال عون.
أمّا تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري، فمهما كان موقفهما من الترشيح، ثمّة إقرار من قبلهما بحضور جلسة انتخاب الرئيس والمشاركة في العملية الإنتخابية وتأمين النصاب. لكن الإنهماك بهذا النقاش المتصل بالنصاب وباختيار المرشح، هو من قبيل كلام خارج الموضوع. فلا المشكلة عند تيار المستقبل ولا هي أيضاً عند العماد ميشال عون، ولا حتى النائب سليمان فرنجية الذي يمكن أن يبلغ به مستوى الوفاء للمقاومة وقائدها حدّ التنازل عن الترشح، لكنّه قالها بالفم الملآن أنّ السيد نصرالله لن يطلب منه ذلك. و”لن يطلب ذلك” لها تفسيران. إمّا ان السيد لا يريد أن يكون بموقع من يطلب من فرنجية أكثر مما يجب، أو أنّ نصرالله يدرك أنّ ترشيح فرنجية واستمراره في الترشح يلبي شروط استمرار الفراغ الرئاسي، وهو الهدف المطلوب في المرحلة الحالية والآتية إلى أن يأذن الله ورسوله ونائب الإمام في طهران.

إقرأ ايضاً: الجلسة 43 للرئاسة: «المستقبل» أسقط عون بـ 23 صوتاً…ومرشح ثالث!
في المقابل يبدو بعض تيار المستقبل مأخوذاً بمقولة أنّه هو من يقرر الإتيان بأيّ من مرشحي حزب الله لرئاسة الجمهورية. سواء كان عون أو فرنجية. ويملأ تيار المستقبل أوقات الفراغ وأيام الانتظار الطويلة بوهم أنّه صاحب قرار في هذا الشأن. ويساعده حزب الله على التوهم أكثر عبر اطلاقه مقولة أنّ السعودية هي من يعطل انتخاب الرئيس عبر منع تيار المستقبل من انتخاب المرشح ميشال عون. هذه المقولة التي لا يملّ الحزب من تكرارها يكاد تيار المستقبل يصدقها وينام على حرير أوهامها. هذا ربما حال بعض البسطاء. لكن البعض الآخر بات مقتنعاً أنّ فرص بقاء هذا التيار داخل السلطة، وأن يبقى الناطق باسم السنة، تكمن في ألاّ يتمرد على قواعد وشروط دولة حزب الله. لا بل إنّ البعض يحترف التمرين اليومي على آلية الولاء الذكي لدولة “المقاومة”، لا سيما أنّ هذه الدولة تحتاج إلى سماسرة في أكثر من اتجاه. وهي التي تهب أو تمنع المال العام المنظور وغير المنظور. والشهيات عالية وبلا حدود على المال والسلطة الحرام.

الفراغ
الفراغ الرئاسي لم يزد من حجم الفساد ووتيرته في معظم الإدارات العامة إن لم يكن كلها وأكثر… بل إنّ القضية الوطنية، أي سيادة الدولة والعبور نحوها، لم تعد غاية. السلطة هي الهدف وهي الغاية. لكن حتى الذين لا هدف لهم في الحياة إلاّ السلطة، فيهم من الأغبياء الذين يعتقدون أنّ السلطة ومكاسبها يمكن أن تُمنح وتُعطى، وآخرين موضوعيين – ولا نقول أذكياء – يدركون أنّ نيل السلطة ومكاسبها يتطلب قضية وطنية تشكل الضامن والحامي والطاقة وتوفر استمرارية البقاء فيها.

إقرأ أيضاً: هل نضجت معادلة عون لرئاسة الجمهورية مقابل عودة الحريري إلى السراي؟
الفراغ الرئاسي مستمر بقوة عدم وجود قضية وطنية تشكل مركز استقطاب وجذب. وليس بقوة تعطيل حزب الله فحسب. الفراغ الرئاسي وسيلة تطويع وتمرين لخصوم دولة حزب الله في السلطة على سبل الطاعة والولاء. ذلك أنّ هناك مفاضلة بين أمرين اختار خصوم حزب الله في السلطة الأسوأ بينهما: أي القبول بدخول السلطة ضمن شروط دولة حزب الله. سماها الرئيس سعد الحريري يوماً “ربط نزاع” وكان هذا قناع وهمي للدخول في طاعة الحزب. على أنّ الطاعة غلبت ربط النزاع في القضايا الكبرى، وهذا ما زاد في إغراء الحزب وحلفائه بالمزيد من تطويع “تلامذته النجباء” والتفنن في إهانة اللبنانيين في عقولهم. إذ لم يكتف بأنّ أقرّ له معظم النواب بحقه في أن يختار الرئيس بل بلغ به الأمر أن يقول لهم: عليكم أن تتبنوا ترشيح العماد عون حصراً ويجب أن تنتخبوه وعلامات الرضا والقبول في محياكم وربما يتطلب الأمر أن تدفعوا ثمن الفراغ الرئاسي طيلة عامين وأكثر. وسيخرج النائب نواف الموسوي على الأرجح بعد ذلك في البرلمان مخاطباً: الم نقل لكم منذ البداية “انتخبوا عون”؟ فلماذا هذا التسويف وتعطيل استحقاقات دستورية وتعطيل المؤسسات ومصالح الناس كل هذه السنين؟ سامحكم الله..

السابق
مهرجانات الأرز: دبكة ستريدا ونثر جبران وختامها كركلا
التالي
بالفيديو: قصف بالفوسفور الأبيض على الراموسة