«ثلاثية الحوار» في لبنان غارقة بنقاشٍ كتساؤل «البيضة أو الدجاجة» أولاً؟

دخل السياسيون والزعماء اللبنانيون أمس إلى الجولة الجديدة من الحوار، التي تستمرّ على مدى ثلاثة أيام متوالية في مقرّ رئيس مجلس النواب نبيه بري وبرئاسته، على وقع نعي نتائجها مسبقاً من غالبية القوى السياسية الأمر الذي طرح تساؤلات واسعة عن جدوى انعقادها ما دامت الأجواء تعكس هذا المستوى العالي من الانسداد السياسي.

لكن تحركاتٍ سياسية ناشطة جرت أول من امس بين مقرّات عدد من الزعامات، ولا سيما بين بري وزعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط و»حزب الله» وأحيطت بكتمانٍ، وهي بدت في سباقٍ مع الوقت من اجل منْع وصول طاولة الحوار في جولتها الجديدة إلى الإخفاق الكامل، على وقع تحذير بري من انه سيكون له موقف من مسار الحوار برمّته في حال تكريس الفشل بعد الأيام الثلاثة المحددة لمناقشة تسويةٍ على قاعدة «السلة المتكاملة» التي تشمل رئاسة الجمهورية، قانون الانتخاب، الحكومة المقبلة، رئاسةً وتوازنات وآليات عمل وبياناً وزارياً.

وأكدت مصادر معنية بالحوار والمشاورات السياسية الجارية في كواليسه لـ «الراي» ان المعطيات التي رافقتْ المتحاورين الى حين دخولهم الى اليوم الاول من الحوار امس، كانت تعكس مناخاتٍ شديدة التشاؤم في إمكان التوصل الى أيّ تَقارُب في مواقف القوى السياسية من شأنه إحداث اختراق في ملفيْن أساسييْن هما انتخابات رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب.

ومع معرفة جميع الأفرقاء باستحالة التوصل الى اختراق في الأزمة الرئاسية، تركّزت اللقاءات والمساعي التي سبقت انطلاقة الحوار في يومه الاول على البحث الجدي في إمكان إحداث مفاجأة سارة غير متوقعة في ملف قانون الانتخاب، أقلّه لجهة الخروج بنتيجة ايجابية على المستوى المبدئي تكفل استمرار الحوار اولاً ولا تُحدِث صدمة سياسية ونفسية محبِطة لدى الرأي العام الداخلي ثانياً.

وأضافت المصادر ان هذا الهدف على صعوبته بدا قابلاً للأخذ والرد. وعكست مروحة الاتصالات التي أجريت قبيل انعقاد الجولة الحوارية استشعاراً لدى القوى السياسية بخطورة الخروج من دون أي نتائج ايجابية ولو ان الأجواء الإعلامية والسياسية السائدة لا تترك مجالاً لتوقعات مضخّمة لدى احد.

وأشارت المصادر عينها الى انه ينبغي ترقُّب اليومين الاولين من الحوار للحكم على فرصة إحداث خرق في ملف قانون الانتخاب الذي سيكون الأكثر إثارة للجدل وخصوصاً ان الجميع باتوا في أجواء معادلة تحتّم التصدي لهذا الاستحقاق قبل فوات الأوان. فاذا كانت معطيات ملف الفراغ الرئاسي وانتخاب الرئيس الجديد في معظمها خارجية، فلا شيء يحول دون التوصل الى تَوافُق على قانون الانتخاب وفق صيغة مختلطة بين النظامين الأكثري والنسبي بعدما توافر نوعٌ من التوافق العام على اعتماد هذه الصيغة التي تحظى باتفاق بين «المستقبل» و»القوات اللبنانية» و»الحزب التقدمي الاشتراكي».

إقرأ أيضاً: حوار بلا أهداف… وميشال عون ورقة إضافية بيد حزب الله

وأكدت المصادر ان ما قد يدفع ايضاً في هذا الاتجاه ان التحركات والمواقف الأخيرة في الملف الرئاسي أعادت الأزمة برمّتها الى المربع الاول، ومهما كابر الفريق الذي لا يزال يصرّ على التبشير بقرب انتخاب زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، فإن كل المعطيات الجدية تستبعد اي تحرك عملي في شأن الاستحقاق الرئاسي. ولذا سيكون على القوى السياسية ان تكشف أوراقها بالنسبة الى قانون الانتخاب في هذه الجولة الحوارية لان الجميع يدركون ان العد العكسي للانتخابات النيابية سيبدأ في الأشهر القليلة المقبلة وشبح قانون الستين الساري المفعول راهناً يظلل هذا المناخ بما يفرض قطع الطريق عليه بالتوصل الى توافق على قانون جديد.

وعكستْ مداولات اليوم الاول من «ثلاثية الحوار» الصعوبات الفعلية التي تعترض بلوغه اي حلّ، وهو ما عبّر عنه موقفان ثابتان على طريقة ايهما قبل «البيضة او الدجاجة»، الأول لبرّي و»حزب الله» بأن «السلّة اولا» والثاني لرئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة بأن انتخاب رئيس يأتي اولاً باعتباره المدخل لحلّ سائر المسائل العالقة اي يُنتخب الرئيس ثم تُبحث المواضيع الأخرى. فيما برزت محاولة لجعل التفاهم على قانون الانتخاب على اساس الاقتراع النسبي «كاسة ألغام» امام الملف الرئاسي من خلال تقديم أفكار جديدة في هذا السياق سيتم درسها من مختلف الأفرقاء.

وفيما دار نقاش محتدم حول «السلة» بين السنيورة ورئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد الذي قال ان «لا رئيس بلا الاتفاق على السلّة»، حرص النائب جنبلاط بعد مغادرته طاولة الحوار على إطلاق موقفٍ وازَن بين التعبير عن المعوقات امام الحوار وبين الإبقاء على «خيْط» أمل، اذ اشار الى وجود عقبات وعراقيل، معلناً «الامور تحتاج الى القليل من الصبر و»بيمشي الحال»، واتفقنا مع الرئيس بري على استمرار الحوار».

على ان أبرز ما خلصت اليه جولة امس، جاء على لسان نائب «حزب الله» علي فياض الذي كشف انه جرى التأكيد على اتفاق الطائف وان «اي اتفاق مهما كانت طبيعته فإنه من الناحية التطبيقية يجب ان يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية» وذلك في محاولة لاحتواء اعتراض «المستقبل» على منطق السلّة الكاملة، ولافتاً الى «ان البعض ذهب بعيداً في الكلام عن اصلاحات دستورية مثل تشكيل مجلس شيوخ والبنود غير المطبقة من الطائف».

إقرأ أيضاً: برّي: لا رئاسة بلا «دوحة» لبناني

أما بري فرسم امام المتحاورين صورة قاتمة للوضع «الخطير والذي يفرض علينا الاتفاق»، داعيا إلى «ان نتفق على «دوحة لبنانية» تبدأ بالرئاسة»، وذلك بعدما كان رفع منسوب التحذير في تصريح صحافي من «ان لا غنى عن سلة التسوية، وإلا فإن أياً من المشكلات الراهنة لن يحل، والله يستر أين سنكون بعد شهرين او ثلاثة»، مذكراً بأنه «قبل الذهاب الى الدوحة العام 2008 كان ثمّة اتفاق على رئيس للجمهورية هو العماد ميشال سليمان، ومع ذلك لم يُنتخب الا بعد اقرار اتفاق الدوحة وما حدث تباعاً في 5 مايو ثم في 7 مايو (العملية العسكرية لحزب الله في بيروت والجبل). وكمنت المشكلة حينذاك في ما يتعدى الاتفاق على الرئيس فقط، وهو موضوع الحكومة وقانون الانتخاب (…) وحينها كان هناك اتفاق على رئيس توافقي وكنا نعرفه مع ذلك تأخر انتخابه 19 جلسة الى ما بعد الدوحة، واليوم ليس هناك اتفاق على مرشح، ما يجعل الامر اكثر تعقيداً ويوجب الخوض في السلة المتكاملة».

السابق
هكذا سوف ترد روسيا على إسقاط الطائرة…
التالي
بروجردي كرّس موقف طهران من «رئاسية لبنان»