الطريق إلى القدس أم إلى إسرائيل؟

يبدو أن حزب إيران في لبنان رسم استراتيجة “مكتملة” لتحرير فلسطين، بالتآزر والتضامن والممانعة (ولا ننسى المقاومة) مع نظام آل الأسدين، ثم مع روسيا بوتين (حليفة اسرائيل حتى القدس). لكن استراتيجية إيران عبر حُزُيبها معقدة ووعرة وطويلة، تتطلب عمليات تشريحية وتجميلية ودموية لتدرك “حلها النهائي” (في القدس). ولهذا، لا بد من تعبيد الطرق والمطارات قبل ذلك لضمان الانتصار “الالهي” على “العدو الصهيوني” الذي يحتل فلسطين (وشبعا) وهل يفوتنا الجولان، وذلك بسياسة الإبادة الشاملة.

لم يكن مخطئاً السيد حسن نصرالله عندما قال “نعم! طريق فلسطين تمر بالقلمون وإدلب، وحلب وحمص وبعدد من المدن السورية… (لم يذكر الجولان!) متأثراً بمقولة زميله أبو اياد: “طريق فلسطين تمر بجونية” وقبله آخرون “طريق فلسطين تمر بالدامور” (هجّروا أهلها) أو بأي منطقة يستهدفونها في لبنان. لا! قال ذلك عندما كان عدوانه على سوريا وشعبها في أوجه. (طبعاً سنتناسى ما افتتح به دخوله إلى بلاد الشام” لحماية مقام السيدة زينب” ثم “حماية اللبنانيين داخل الحدود السورية» ثم «لإنقاذ حليفه في المقاومة بشار الأسد”.

كان هناك مع “داعش” يتوازنان في تجنب كل منهما لمحاربة الآخر. ثم وعندما شرفنا هذا الأخير للدفاع عن الأسد أيضاً، من الموقع المضاد، آتته الخبرية للسيد حسن على سجادة عجمية تشبه بساط الريح: “الارهاب” سنحارب “الارهاب أولوية”! صار المشوار أطول. والمشوار الأطول افتتحه حزب ايران في 7 أيار لتقصير الطريق «قادومية إلى فلسطين» ولكي «يختبر» قوى العدو الاسرائيلي افتعل حرباً غبية معه في 2006، والنتيجة اعلان اتفاق بوقف النار في مزارع شبعا شبيه بما عقده المناضل حافظ الأسد مع اسرائيل عام 1974 لقاء تسليم الجولان إلى الأبد، بكل راحة ضمير وممانعة وطنية… وصمود وتصد!

من بيروت إذاً بدأ الفاتح من ايار السيد حسن طريقه إلى فلسطين. لكن سبق الفضل وسلك درب إيران على خط أعمق في قلب الأرض الفلسطينية ليساند “حماس”. ومن هنا بالذات جاءت قاصمة لإسرائيل: تقسيم المقاومة الفلسطينية (بعد موت عرفات) إلى دولتين، ليسهل بهذا التقسيم “سحق” اسرائيل الموحدة!

فاثنتان ضد واحدة: دويلتان متحاربتان ضد جيش واحد. رائع! أولم تكن هذه المحاولات لخدمة اسرائيل، أبداً! بل كانت لإقامة التوازن الاستراتيجي من خلال “حماس” معها! كل ذلك بالتدريج: من لبنان (المقسم عبر كانتون الحزب المذهبي) إلى فلسطين المقسمة فإلى سوريا! المشتتة، لكن دائرة الاستراتيجية المُحكمة للوصول إلى اسرائيل ما زالت ناقصة: يجب تطويل الطريق بحروب مضنية مع الدول العربية السنية: منها في اليمن. (وفلسطين هنا تمر بصنعاء وعدن…) ثم الخليج: خلايا ارهابية في الكويت، وفي الإمارات، لتدميرها لتمهد الطريق إلى فلسطين (ففلسطين حسن نصرالله تمر أيضاً في الكويت)، من دون أن ننسى نضال المقاومة في مصر أيضاً، فمصر عبد الناصر يجب أيضاً، تخريبها، وتفكيك بنيتها (اذاً فطريق فلسطين سالكة آمنة من مصر)… تبقى السعودية، دولة كبرى، لها الموقع والثقل والأرجحية الإسلامية العربية. فلنُشيطنها ونخوّنها ونلعنها ونحرّض فئة من شعبها عليها تحريضاً مذهبياً ونؤلب العالم عليها.. ونخترقها بالمتفجرات، والاعتداءات سواء الحدودية أو الداخلية. انها والله رحلة “يوليسية” لإيران وحزبها وقتلتها وحرسها الإجرامي وجواسيسها!

الطريق المقدسة

فالطريق “المقدسة” إلى القدس يجب ان تدمر في ممرها كل شيء عربي اسلامي، لتتفرغ بعدها الدولة الفارسية لمحاربة “العدو الغاشم” الذي صرح العديد من قياداتها بأنهم “سيمحون اسرائيل من الوجود” لكن عليهم أولاً ان يمحوا العرب والعروبة ودولهم وشعوبهم. فالأولوية هنا! وهذا هو حسن نصرالله وفي عزّ انخراط حزبه الفارسي في سوريا يصرخ “اسرائيل ليست الأولوية بالنسبة الينا، بل الارهاب” ويقصد مجازاً العرب والسّنة.

وأميركا

ولكي تُبارك هذه الاستراتيجية الطموح تحتاج إيران إلى من احتاجت إليه في العراق ابان الغزو البوشي له: أميركا. ووراءها اسرائيل، ثم روسيا بوتين. وكما فعل بوش الابن عندما أفرغ جنونه وخلع أول رئيس عربي سني منذ ألف عام هو صدام حسين، وسلّم الرافدين إلى الملالي. بلاد كاملة استولت عليها. وهنا كأنما نجحت اولوياتها: بات العراق “ولاية” إيرانية من دون أن ينسوا لبنان “أيضاً ولاية إيرانية” وخصوصاً سوريا “ولاية إيرانية”. وكادوا يقولون “اليمن ولاية إيرانية” لولا تدخل المملكة وسحق محاولتهم الانقلابية عبر الحوثيين.

نظام الفقيه

والمُريح عند نظام ولاية الفقيه، ان كل الأهداف والعمليات والخطط (والأيديولوجيا) التي استخدمها العدو الاسرائيلي بتحويل العالم العربي دويلات مذهبية متناحرة… تبناها بحرفيتها وبعمومياتها… وبعقولها الارهابية! حتى قيل «ايران نجحت في تخريب العرب حيث عجزت اسرائيل». إذاً مخططات ايران اسرائيلية! ولا نظنها توارد أفكار، أو سرقة مخطوطات، أو مصادفات، بقدر ما هي اتفاقيات، ولقاء رؤى، وتشابك أصفاد وتبادل معلومات… وتنسيق.

لكن أين فلسطين في كل ذلك؟ «بالحفظ والصون» وهي بلبال الدولة الفارسية (التي هزمها العرب مرتين «القادسية» ثم العراق).

انتصارات إيران على إسرائيل

إن «انتصارات» إيران المدوية على إسرائيل قد رحرحت موقعها المتقدم لتتهم العرب بأنهم لم يفعلوا شيئاً لفلسطين. وهي فعلت! وقد ذكرنا بعض إنجازاتها. وها هو السيد حسن نصرالله يصرخ «وماذا فعل العرب لفلسطين منذ 70 عاماً؟»، عال! فقد نسي «الأخ الأكبر» للكانتون الفارسي في قلب لبنان، حرب 1967 التي تآمر فيها العالم كله ضد الفلسطينيين والعرب، وتناسى أن عبدالناصر، هذه القامة الكبيرة، دفع ثمن التزامه تحرير فلسطين. بل ونسي السيد حسن أن عبدالناصر حارب مع الجيش المصري في الأربعينات إسرائيل. أكثر: نسي «السيد» حرب 1973، وانتصار مصر على إسرائيل، وتحرير أرضها المحتلة، في ما أسمتها إسرائيل «حرب الغفران»، وكانت المرة الأولى التي تحطّم فيها أسطورة «الجيش العبري الذي لا يُقهر”.

لكن ماذا نفعل له بحليفه حافظ الأسد الذي سجّل «انتصاراً» مدوياً بهزيمته، وبقي الجولان في الأيدي الصهيونية. وها هو الابن (والابن سر أبيه) يكرّس احتلال إسرائيل الجولان، وتركها تهوّده، وتبني المستوطنات فيه، مكتفياً بشعارات «التصدي والصمود» و»الممانعة» ليكمل ما ارتكبه والده في اعتبار لبنان بديلاً من الجولان. رائع! ينتصر العرب على إسرائيل، ويخسر الأسد حليفه المقبل، ليشمت بهؤلاء، ويحالف هذا. أتواطؤ على الجولان؟ نعم! أتسليمه تسليم اليد؟ نعم! والبديل: إعلان حرب مشتركة إسرائيلية بعثية على لبنان (ونتذكر أن اتفاق وقف النار بين الأسد الأب وإسرائيل تم عام 1974، وحربهما المشتركة على لبنان بدأت بعد عام 1975)، فيا للمصادفة!

الأسدان

ولم يكتف الأسدان بجريمة تسليم الجولان وإبقائه نموذجاً للهدوء، بل الخطة الجهنمية أن تكون 1975 حرباً مزدوجة على لبنان، وعلى المقاومة الفلسطينية معاً: والاثنان بمثابة «فاتورة» معلنة لإسرائيل: تدمير لبنان والقضاء على وجود المقاومة الفلسطينية فيه. وهنا نستذكر بكثير من الحرارة إسقاط مخيم تل الزعتر بقرار سوري وواجهات مسيحية. ثم حرب المخيمات بقرار سوريا (إسرائيل) وواجهات شيعية، ثم حرب الشمال وصولاً إلى طرابلس، بقرار سوري وواجهة فلسطينية (أحمد جبريل). كل هذه الحروب البربرية على القضية المركزية، ما كانت لتقوم إلاّ من أجل محاربة العدو! (أليس كذلك يا سيد حسن؟). هذا ما لم يفعله اللبنانيون والعرب، وفعله حليفك حافظ الأسد. ولكي تكتمل دائرة القضاء على كل ما هو مقاومة، ها هي إسرائيل بنفسها هذه المرة، تغزو لبنان، لتطرد المقاومة الفلسطينية من الجنوب؛ ولكي يستولي حلفاؤها الجدد على قرار الحرب والسلم. أي لكي يحكما معاً بطبيعة المقاومة «الآتية» من إيران، لإحلال حزبها مكان المقاومة الفلسطينية. وهكذا يُزال العامل الفلسطيني من معادلة التحرير. وبمعنى أدق قطع الطريق على العمق العربي الإسلامي السني للمشاركة في الحرب ضد العدو.

انتقل إذاً قرار الحرب وغير الحرب من الأيدي العربية الفلسطينية (ذات الامتداد السني)، إلى الأيدي الإيرانية العلوية. وهكذا تبنى مستلزمات جعل الجنوب في هدوئه (بعد التحرير الملتبس بعلامات استفهام كثيرة)، كجبهة الجولان: حديقة هادئة تزقزق فيها العصافير، وادعة، بمباركة إيران، سوريا، والمحتل الصهيوني. هذا ما تجلى في الاتفاق الذي تمّ بين إيران وإسرائيل بعد حرب تموز 2006. لتتفرغ إيران للعرب الذين قطعت أواصرهم عن خط تماس مع العدو!…

وهكذا تفرّغ الحزب لمعركته ضد الكيانات العربية الإسلامية السنية: فإذا كانت المعركة مع العدو استظلت شعار «عروبة القضية» فإن هذه العروبة نفسها يراد لها أن تلقى مصير الجولان والجنوب: من هنا يحق للسيد حسن نصرالله أن يردد ما يقوله زعماء إيران: لم تعد إسرائيل من أولوياتنا. فوجهة البوصلة تغيّرت! لكنها تغيّرت كثيراً، لتتيح لإسرائيل استفراس الفلسطينيين. فإسرائيل ترتكب المجازر في غزة والضفة، وتبني المستوطنات، وتهجّر الأهالي (من سياسة حزب الله تهجير العرب السنّة من بلدانهم: العراق، سوريا، لبنان)، وحزب إيران يعلن الحرب على كل العرب. وحدهم الفلسطينيون يقاومون الزحف الصهيوني على ما تبقى من أرضهم، ووحدها إيران مع روسيا وأوباما تحارب العمق العربي لفلسطين حتى صارت معزولة بلا عمق ولا امتداد. وعلى غرار ما فعلت إسرائيل: كنتنة الوجود الفلسطيني عبر قطع الوشائج بين مناطقه، يقابله سعي إيران إلى تقسيم الأرض العربية إلى كانتونات.

كل ذلك بالتوازي… والتوازن. إسرائيل تسعى إلى «الحل الأخير» بمنع قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، وإيران تسعى إلى الحل الأخير بتدمير كيانات الأمة العربية: أي إدراك الحل الأخير، بتكامل الهلالين الشيعي والعبري. ومن لا يعرف أن أدوات هذه الاستراتيجية التفكيكية هو «داعش« من هنا، و«حزب الله« والحرس الثوري من هناك. فـ»داعش«، في معظم عملياته الإرهابية في تدمر، واليوم في القامشلي، وفي باريس وأميركا وبريطانيا، يخدم نيات الأسد بالبقاء في السلطة، تدعمه في ذلك إيران. لكن أتكون إيران حقاً مع نظام الأسد؟ لا نظن ذلك: فالأسد مرحلة من مراحل التوسعية الفارسية، وهو مجرد ذريعة، في انتظار الظروف لتتمكن إيران من فرض حضورها «الأبدي» في سوريا… إما عبر تقسيمها (وهذا ما يفعله حزبها )، أو إبقاء الوضع متوتراً حتى تحين لحظة إفراغ سوريا من شعبها، وإحلال مجنسين إيرانيين (بعشرات الألوف)، ليكونوا جيشها الموازي في قلب بلاد الشام.

إقرأ أيضاً: نصرالله وبدعة «طريق القدس»!

كل هذا المشوار الطويل، الموصول بالدم والعنف والكراهية، ليس سوى الطريق لا إلى فلسطين بل إلى إسرائيل. ليس إلى «العدو» الفلسطيني العربي، بل إلى الحليف الإسرائيلي للقاء الغزوتين، من هنا إسرائيل ومن هناك إيران. لقاء الموجتين، والنهرين، في نقطة فاصلة وقاطعة ومتمازجة.

والملالي

وفي هذا الوقت الذي يعمل فيه الملالي لإراحة الصهاينة في تدمير فلسطين، وتدمير كل احتمال بناء دولة فلسطينية، ها هم أبناء فارس، وبفظاظة، ووقاحة، يتهمون العرب بأنهم تركوا فلسطين وحدها أمام بربرية حليفهم العدو الصهيوني. أكثر: كل إعلام الممانعة المقاومة يصبّ على مهاجمة العرب، ليس كمجموعة دول، بل كعِرق: سني عربي: كأنها حرب إبادة إعلامية تواكب حرب الإبادة الميدانية…

وتكفي العودة إلى هذه الصحف والتلفزيونات للتأكد من الأهداف الفارسية: العرب والسنة، ودولهم! ولا يميز هذا الإعلام المأجور بين الشعب العربي وأنظمته. يستخدمون عبارة «العرب»… ويصفونهم بالتخلّف، والتآمر، والعجز؛ فعدم التفريق بين الأنظمة والشعب معروفة أهدافه: أبلسة كل ما هو عربي، وحضاري، وسياسي، وثقافي، وديني عند هؤلاء… ويكفي مراجعة الإعلام الفارسي في لبنان، لنكشف أن الدولة اللبنانية مستهدفة أولاً وأخيراً، والدويلة المذهبية مباركة. شن هجوم يومي على الدولة (لا النظام) لتدميرها لمصلحة الكانتون الفارسي الآمن، المقاوم، الممانع، ليكون البديل الموضوعي منها. إنها اللعبة الانقلابية الخبيثة. وعندما يشارك الحزب وحليفه عون في الحكومة، فلكي يستنزفاها ويعطلاها من الداخل. تعطيل البنى من الخارج، وتهديمها من الداخل: فالاستيلاء على السلطة في لبنان، بالقوة، هو طبعاً يقصر الطريق إلى فلسطين!

إقرأ أيضاً: هل تمر طريق القدس عبر المناورات مع اسرائيل؟!

فيا لهذا الطريق المتشعب، المتوازي، الذي يسلكه حزب المرشد اللبناني حسن نصرالله… ليكون ممره الآمن إلى إسرائيل! لكن يبدو أن كل الطرق التي تسلكها إيران تضل عن إسرائيل… لتصيب العرب ودولهم وشعبهم!

فما أروع طريق فلسطين يا سيد حسن نصرالله!

(المستقبل)

السابق
بالفيديو.. مراسل الجزيرة يبكي حلب!
التالي
حين يتجسد الإبتذال بفيديو كليب رولا يموت