دكاكين طبية وفوضى صحيّة في صيدا..

نشرت مجلة "شؤون جنوبية" تحقيقًا مفصلاً يشرح واقع مستوصفات صيدا المتعاونة مع وزارة الصحة التي تستمر في ظروف صعبة. ويستفيد منها أهالي صيدا والجوار. مع أن بعضهم وصفها "بالدكاكين"، هنا جولة إنسانية مفيدة..

مركز الرعاية

تفتقر مدينة صيدا لمستوصف أو مركز صحي عام يقدم الرعاية الصحية الأولية لسكان المدينة، فيما تنشط مستوصفات أهلية تشرف عليها هيئات على علاقة بأطراف سياسية محلية أو وطنية. من جهة أخرى لم تعد بلدية صيدا تتحدث عن محاولة إعادة تجهيز مستوصف لوزارة الصحة كان من المقرر إنشاؤه في بناية البربير – ساحة النجمة بتمويل من دولة اليونان.

على الصعيد الرسمي نجد مركز الرعاية الاجتماعية الذي أسسته وزارة الشؤون الاجتماعية عام 1964 بالتعاون مع اتحاد نقابات العمال والمستخدمين في الجنوب. قال مدير المركز د. حسين بديع: يؤمن المركز خدمات اجتماعية صحية وبيئية وقد صنف منذ حوالى الثمانية أشهر كمركز رعاية صحية أولية من قبل وزارة الصحة.

اسست وزارة الشؤون الاجتماعية المستوصف سنة 1964 لتأمين خدمات اجتماعية صحية وبيئية وصُنِّف منذ حوالي الثمانية اشهر بمركز رعاية صحية اولية من قبل وزارة الصحة.

وأضاف: يؤمن مركز الرعاية الصحية أدوية للأمراض المزمنة من خلال جميعة الشبان المسيحية  YMCA. وإن ما يميز مركز الرعاية أن رسوم المركز مدروسة واقل كلفة من باقي المراكز أو المستوصفات. ويحضّر المركز حالياً مشروعاً خدماتياً صحياً جديداً للعائلات الفقيرة من خلال منحها بطاقات تضمن لها تأمين كل الخدمات اللازمة، وتوزع هذه البطاقات بناء على كشف تقوم به وزارة الشؤون الاجتماعية للتأكد من حالة وضعها الاجتماعي.

فهل ما تقدمه المؤسسات الرسمية كاف لتأمين الخدمات الصحية الأولية في مدينة يسكنها نحو ربع مليون إنسان؟ لكن بالمقابل تنشط مستوصفات أهلية التي تواجه عوائق وتحديات كثيرة.

قال مدير مستوصف جمعية النجدة الشعبية اللبنانية وليد حشيشو: نشأت الجمعية عام 1974 في مدينة النبطية تلبية لحاجات الناس الصحية نظراً لغياب الدولة في تلك الأيام ونتيجة القصف الإسرائيلي مما استدعى وجود مستوصف. وتأسست عام 1979 في صيدا ومنها إلى كل المحافظات.

وأضاف حشيشو: الجمعية تعنى بالشأن الإجتماعي مثل حملات النظافة ورش المبيدات ومساعدة المهجرين واللاجئين والشأن الصحي من خلال المستوصفات التي تقدم خدمات شبه مجانية.

ولا تتلقى الجمعية دعما من الدولة، بل تستند إلى تقديمات من المجتمع المحلي والمنظمات غير الحكومية الدولية مثل النجدة الشعبية الفرنسية.

مستوصف النجدة

ومستوصف النجدة من اقدم المستوصفات التي نشأت في مدينة صيدا، ويتم التعاون بين المستوصفات تحت عنوان التكامل للوصول لأكبر عدد من المواطنين وخدمتهم بشكل جيد. اما التنسيق مع وزارة الصحة فيتم أثناء الحملات الوطنية وتأمين اللقاحات وبعض الادوية واللوازم البسيطة كل ستة أشهر أو كل سنة في حال وجود أي حالة طارئة والتبليغ الفوري في حال وجود أوبئة مثلاً.

يستقبل المستوصف حوالي 1100 حالة شهرياً في مختلف الإختصاصات والأقسام. أما ابرز العوائق فهي  مادية حيث أنه لا يوجد ممول رئيس للمستوصف بالإضافة إلى غياب القانون الذي ينظم عمل المستوصفات.

من جهته قال مدير “مستوصف الحسين” حسن أبو زيد: أسسته جمعية الإمام الحسين عام 1992 لتقديم خدمات صحية شبه مجانية ويضم عيادات، تصوير اشعة، مختبر وآلات لتخطيط القلب والأعصاب.

وأضاف أبو زيد: إن مستوصف الحسين يواجه عوائق مادية من حيث التمويل وجمع التبرعات ما يعيقه عن تقديم خدمات مجانية بالكامل للمحتاجين. اما بخصوص موضوع الرقابة من قبل وزارة الصحة فهو شبه اداري يتم من خلال دراسة الجداول التي تعبأ بأعداد زائري المستوصف وتفاصيل حالاتهم المرضية، في حين تقوم  الوزارة بحملات التفتيش بشكل متقطع. وبما يخص المساعدات التي تقدمها وزارة الصحة فهي تؤمن عددا من الادوية للمستوصفات التي يتم إعطائها للمرضى بأسعار شبه مجانية. هذا ويتم اعطاء اللقاحات لاطفال المدارس ضمن حملات مجانية حيث يقوم عدد من ممرضي المستوصف بالتطوع في هذه الحملات، ومكافأةَ لجهودهم بدأت الوزارة بإعطاء مبالغ تشجيعية.

يسعى ابو زيد في الوقت الحالي لتطوير المستوصف من خلال العمل على تأمين او ادخار مبالغ مادية تسمح له بشراء معدات طبية متطورة تساعد على تحسين مستوى الخدمات الصحية للمرضى.

مركز الحريري الصحي

وأشارت مديرة المركز الصحي للشهيد رفيق الحريري هلا حبلي إلى أن مؤسسة رفيق الحريري للخدمات الصحية والاجتماعية اصبح اسمها مديرية الصحة الاجتماعية (عين الحلوة/ صيدا القديمة) عام 2003،  تغير الإسم بعد أن صار لديه 32 مركزاً في جميع المحافظات اللبنانية، وكلمة “مديرية” تشمل معنى اكبر من “مستوصف” لانها مؤسسة كبيرة، الممول الاكبر والاساسي لها هم ال الحريري، يشمل المركز كل الخدمات الصحية ويتضمن قسم تمريض واستقبال المرضى وتحضيرهم، تعدّ الممرضة ملفاً للمريض الذي يتضمن كل المعلومات الصحية عنه وطبيعة مرضه ومن ثم يتحول الملف الى الطبيب المختص الذي يعمل نحو ست ساعات يومياً، وأصبح المركز عبارة عن مستشفى مصغر ولكن من دون قسم طوارئ.

وأضافت حبلي: كما يوجد قسم للتغذية تشرف عليه اختصاصية في التغذية وتعطي محاضرات لجميع الفئات العمرية من كبار، مراهقين وأطفال حول الصحة الغذائية وطرق الحفاظ عليها. إضافة إلى عدة أقسام أخرى مثل أشعة وصيدلية وأطباء متخصصين بالأمراض النسائية. أما المختبر فهو مرخص قانونياً من قبل وزارة الصحة، وجميع الموظفين حائزين على شهادات جامعية.

كما أوضحت حبلي: يتم تأمين الدواء عن طريق وزارة الصحة وجمعية الشبان المسيحية بأسعار مدروسة. أما رسوم المركز فهي مناسبة لذوي الدخل المحدود والمعاينة العامة 8000 ل.ل ومعاينة الطبيب الاختصاصي 13000.

وأضافت حبلي بأن هناك مشروعاً جديداً بالتعاون مع جمعية المؤاساة يسعى لاستقطاب العائلات الأكثر فقراً من صيدا وضواحيها بهدف مساعدتها في العلاج والتوعية على “ضرورة إجراء الفحوصات، وأوقات أخذ الأدوية ونوعيتها”.

أما عن الأكثر استفادة من خدمات المركز الصحية، قالت حبلي: أهالي صيدا القديمة وبعض أهالي الجنوب وأضافت “نسعى دائماً لكي نتواصل مع جمعيات ونؤمن للمرضى خدمات شبة مجانية من فحوصات وأدوية ومحاضرات”.

أما عن المشاكل التي تواجه المركز فقالت حبلي أن تلاعب بعض المستوصفات في الأدوية من خلال عدم وضع ختم على الدواء لتحديد أنه أخذ بسعر شبه مجاني، مما يسمح بالتالي للمواطن بالتلاعب على الضمان الاجتماعي عبر الاستحصال على بدل مادي منه، الأمر الذي يدفع معظم المرضى بالتوجه إلى تلك المستوصفات.

يعمل المركز ضمن شروط القانون التي تنظم عمله ويتم الاشراف عليه ودعمه ماديا في العديد من الأجهزة من قبل وزارة الصحة مثل معدات برادات على الطاقة، لقاحات، وألات للصور الصوتية الحديثة. وأشارت حبلي إلى أن الوزارة تقوم بحملات تفتيش دائمة للتأكد من أساليب التعقيم والنظافة، اضافة الى قيام المركز بإرسال تقرير شهري عن أسماء وحالات المرضى التي استقبلناها لها.

ومن العوائق الخارجية التي يواجهها المركز، ذكرت حبلي الانتماءات السياسية للمرضى فهم لا يتوجهون الى اي مستوصف تابع لطرف يعاكس انتمائهم السياسي. وأضافت أنه يتم تطوير المستوصف بشكل دائم عبر تحديث الألات ومتابعة المحاضرات للتعرف على كل جديد في الشأن الصحي.

مؤسسة الشهيد سعد

من جهته قال المنسق الإداري والصحي في مؤسسة الشهيد معروف سعد أحمد قاسم: تأسست المستوصفات والمراكز الصحية عام 1981 بعد اغتيال الشهيد معروف سعد، وهي ثلاث: مستوصف الشهيدة ناتاشا سعد في صيدا القديمة، مركز الرعاية الصحية الأولية في عين الحلوة ومستوصف الشهيد معروف سعد في حي الوسطاني. وبحسب قاسم فإن المستوصفان ومركز الرعاية الصحية الأولية يهدفون إلى خدمة المجتمع من خلال رفع الغبن عن المريض الفقير الذي لا يستطيع الذهاب إلى العيادات الخاصة، بالإضافة إلى تطوير المجتمع من خلال تقديم التوعية الصحية اللازمة عن طريق تنظيم ندوات وقيام مرشدة اجتماعية بزيارات إلى البيوت لإعطاء الناس إرشادات عن كيفية الوقاية من أمراض معينة والتعامل معها في حال إصابة أحدٍ منهم بها.

وتحدث قاسم عن البرامج التي تقوم بها المؤسسة في مجال الرعاية الصحية معددا: برنامج الرعاية الصحية الأولية للنازحين السوريين، برنامج الصحة المدرسية الذي يقوم على كشف صحي للأولاد في المدارس الصحية وبرنامج تأمين أدوية الأمراض المزمنة الذي يتم بالتعاون مع جمعية الشبان المسيحية. هذا وقّدر عدد المستفيدين من الخدمات الصحية التي يقدمها مركز الرعاية الصحية الاولية بحوالي 2400 مريض، 600 في مستوصف حي الوسطاني و650 في مستوصف صيدا القديمة.

وعن العوائق التي تواجه هذه المستوصفات، أوضح قاسم هناك نقص الموارد المالية إضافة إلى التجاذبات السياسية التي تؤثر على اختيار توجه المريض إلى المستوصف الموافق لسياسته وحزبه وحتى تؤثر في قرارات وزارة الصحة التي تطبق على جهات وتتغاضى عن جهات أخرى.

وأضاف قاسم: إن العلاقة مع وزارة الصحة قائمة على التواصل فيما بينها وبين هذه المستوصفات بشكل إداري من خلال استمارات الرصد الوبائي التي تعبأ وترسل إلى الوزارة شهريا في حين تقتصر الرقابة على حملات كشف تقوم بها الاخيرة كل فترة. وأوضح قاسم الإختلاف بين مركز الرعاية الصحية في عين الحلوة والمستوصفان الآخران، حيث تؤمّن الوزارة الأدوية لمركز الرعاية كل ثلاثة أشهر بالإضافة إلى المعدات اللازمة في حين تقوم المؤسسة بتأمين الأدوية والمعدات للمستوصفان من مواردها المالية الخاصة. وعن الأدوية التي تؤمنها الوزارة لهم بين الحين والأخر، قال بأنها تختلف عن تلك المتوافرة في السوق من حيث مذاقها ووصف طرق تعبئتها بالبدائية والتي كانت تستخدم عام 1984.

وعن المطالبة بقانون ينظم عمل المستوصفات قال قاسم بأنه لا حاجة له فالقرارات والشروط التي يجب أن تلتزم بها المستوصفات والمراكز الصحية كافية. وأكمل حديثه بأن المطالبة تتم من قبل المستوصفات كي تشملها وزارة الصحة بنفس المستوى التي تقوم به تجاه مراكز الرعاية الصحية الأولية التابعة لها، مشيرا إلى أن تصنيف المستوصفات على أنها مراكز رعاية صحية أولية يتم بناءا على مواصفاتها، نوعية خدماتها إضافة إلى الإعتبارات السياسية. وختم بالتأكيد على أن الصحة مسؤولية الدولة وأن المؤسسات الأهلية ليست بديلة للدولة.

د. حشيشو

بعد هذه الجولة على المستوصفات والمراكز الصحيّة كان لا بد من التوجه الى الناشط الصحي والعضو في نقابة الاطباء الدكتور عبد الحميد حشيشو للاستفسار منه حول امكانية وضع قانون للمستوصفات من قبل الحكومة اللبنانية.

قال حشيشو أن المستوصفات نشأت في فترة غياب الدولة حيث كان هناك نقص في الرعاية الصحية والإجتماعية. ولكن وبالرغم من عودة نشاط الدولة ومؤسساتها عام 1992، لم تنظم عمل هذه المستوصفات حتى الآن رغم المطالبة الدائمة بذلك.

إقرأ أيضاً: أدوية جنيسة وعمليات وهميّة لاقتسام الجبنة..صحّة الوزارة للتجارة

وأشاد حشيشو بدور المستوصفات مؤكدا أنه لولا جهدها لكان الوضع كارثياً فقد أمّنت التغطية اللازمة في مجال الرعاية الصحية الأولية. وعن نوعية الخدمات التي تقدمها المستوصفات في مدينة صيدا، قال حشيشو أنها تختلف على الرغم من التنسيق الذي تعتمده كل المستوصفات ومراكز الرعاية الصحية الأولية فيما بينها، نظراً لتفاوت الإمكانيات المالية لكل مستوصف. وأضاف أن هناك مراكز صحية متكاملة في حين وصف بعضها بــــ”الدكاكين”.

المراقبة معدومة

وتحدث حشيشو عن المراقبة شبه المعدومة التي تقوم بها وزارة الصحة على المستوصفات وقال بانها إن وجدت فهي لا تتم بشكل دقيق. أما عن دور الدولة في إقرار قانون يهدف إلى تنظيم عمل المستوصفات أكد حشيشو على تقصير الدولة في هذا الشق إذ إن هناك فوضى في العمل وعلى الأخيرة وضع سياسة خاصة بالمستوصفات كي لا تتبعثر الجهود. وأوضح أن التقاعس في إقرار هذا القانون يعود إلى أسباب سياسية حيث أن بعض المستوصفات ينتمي إلى أحزاب سياسية، واصفا هذا التقصير بأنه “نوع من الحماية الذاتية للأحزاب” خاصة وأن المستفيدين من هذه الخدمات الصحية باتوا “من ضمن السياسة الإنتخابية”.

إقرأ أيضاً: 58 عاماً على إنشاء الضمان الاجتماعي..أمبراطورية خاوية

إذاً المستوصفات هي ما يلجأ إليه المواطنون ذوي الدخل المتوسط والمحدود في هذه الأيام فهي أملهم الوحيد للعلاج في حال المرض. وبالرغم من كل الضغوطات التي تعاني منها المستوصفات بسبب غياب القانون الذي يحميها وضعف التمويل إلا أنها تسعى دائماً للحفاظ على الخدمات الصحية وتطويرها من أجل المصلحة العامة، فما هو السبب الفعلي الذي يحول دون إقرار قانون ينظم عملها؟ أما آن الأوان للبت في قضية المستوصفات التي تقوم بتحمل العبء الأكبر في ظل دولة التي تفتقر إلى وجود خطط صحية فعالة؟

السابق
اقتصاد حزب يختنق.. ومعه اقتصادنا!
التالي
صحف اسرائيل: حزب الله مأزوم اقتصاديا وسورياً وفقد ما يزيد على 1500 قتيل و 7000 جريح