التوافق البلدي خدعة حزبية أم حقيقة؟ حومين الفوقا مثالاً

حومين الفوقا
كثيرة هي العناوين البراقة التي تتلطى خلفها الاحزاب والقوى السياسية من أجل تمرير أهدافها ورغباتها في القرى والبلدات الجنوبية للوصول الى مبتغاها في تمرير الاستحقاق البلدي بأقل ضرر ممكن، ومن دون الحاجة للجوء الى تنازلات قد تفرضها ظروف أي قرية أو مدينة.

التدخلات العائلية في القرى وكذلك الفاعليات الشخصية وأصحاب الشأن والوجاهات لهم تأثير كبير لا يمكن للأحزاب السياسية مهما كبرت أن تتخطاها بسهولة أو أن تقف بوجه توجهاتها، ولم تعد بعض الحيل الحزبية تنطلي على الناس أو المجموعات خارج الثنائي.

اقرأ أيضاً: بلديات «الضاحية»… ضحية حزب الله

ففي الكثير من القرى كان مرشح العائلة المنتمي الى حزب ما، يمارس نشاطه البلدي طيلة فترة ولاية المجلس بدون العودة ولو مرة واحدة الى الاجتماع العائلي الذي انبثق صوريا عنه قبيل الانتخابات، وتكون مرجعيته الحقيقية طيلة تلك الفترة إنما هو الحزب المنتمي اليه بدون زيادة أو نقصان شأنه شأن أي حزبي آخر.

يبقى القول بأن اسقاط الاسماء الحزبية على العائلات وتقديمها على أنها ممثلة لعائلاتهم هو أقل الشرور خاصة مع غياب التكوين العائلي ككتل إنتخابية فاعلة، ومع ذوبان التأثير العائلي القديم وتوزعه الطوعي على المكون الحزبي بحيث يمكن القول بشكل لا لبس فيه أن الانتماء العائلي لا معنى له الا من حيث التنوع داخل المجلس البلدي فقط، فإن من غير المستحب للاحزاب ان تشكل مجلسا بلديا في قرية ما من قرى الجنوب وفيه غالبية من عائلة واحدة مثلا أو استبعاد أسماء حزبية من عائلات وازنة عدديا، خاصة أن الاحزاب غير مضطرة أن تختار محازبيها الذين ينتمون الى نفس العائلة مع توفر محازبين من عائلات متعددة.

أما الخديعة الثانية التي قد تعتمدها الاحزاب في بعض القرى هي ما يسمى “بالتوافق”، فقد نسمع كثيرا في مرحلة التحضير لتشكيل اللوائح عن مساعٍ قد لا تكون جدية أو موضوعية من أجل الوصول حقيقة الى توافق فعلي يجنب البلدات والقرى خضات انتخابية وما قد تفرزه من عصبيات يمكن أن تستمر آثارها السلبية الى ما بعد الإنتخابات، ولا يمكن اعتبار هذه المساعي من أجل تحقيق توافق واقعي إلا اذا كان الساعي لها شخصية مستقلة ووازنة ولا مصلحة ذاتية أو سياسية لها.

تمامًا كالتجربة التي يحاول رجل الاعمال المستقل سعيد شريم أن ينتجها في قريته حومين الفوقا، فيمكن حينئذ اعتبار هذه المحاولة بالجادة وذلك لعدة اعتبارات، أولا أن شريم ليس مرشحا لاي منصب في البلدية، ثانيًا هو لا ينتمي لأي من الاحزاب بالمعنى التنظيمي للكلمة وهو على مسافة واحدة من كل الاطراف السياسية ويتمتع باحترام واضح من الجميع، إضافة إلى مساهمته المالية وتبرعاته للمصلحة العامة في بلدته وهي لا تقتصر على مشاريع تخص طرفا دون آخر، فالمعيار عنده حاجة البلدة ومتطلباتها فقط.

وأهم من كل هذا فإن شريم لا يطرح موضوع التوافق داخل بلدته حومين الفوقا خارج مراعاة موازين القوى، أو على حساب الاحجام التمثيلية لكل الاطراف، آخذا بعين الاعتبار التنوع العائلي والطاقات المطلوبة لتشكيل مجلس بلدي فاعل ومنتج.

هذا المسعى الذي يجهد شريم لتقديمه هو مسعىً فعليّ يمكن التوصل من خلاله الى توافق حقيقي لما فيه من مصلحة عامة، وما على الاطراف السياسية بعد ذلك إلا الذهاب مع هذه المساعي الى النهاية، فحق التمثيل الواقعي لكل الاحزاب يمكن الوصول له عبر القبول بالتسوية التوافقية المطروحة بدون الحاجة الى صناديق الاقتراع، وهنا يمكن الاشارة الى الطرف الرافض للقسمة العادلة والمحقة عبر الاتهام والادانة وتخريب الجو التوافقي.

الانتخابات البلدية

ان تجربة حومين الفوقا والدور التوافقي الذي يضطلع به شريم ، يجب ان يكون محل ترحيب بالخصوص عند الاقليات والقوى الاقل تمثيلا، كاليسار مثلا الذي يستطيع من خلال شريم أن يحصل على ما لا يمكن تحصيله في حال الذهاب الى انتخابات بلائحة مستقلة في وجه لائحة تضم حركة أمل وحزب الله وما يمثلان من قوة راجحة.

إنّ الجهود الكبيرة التي يسعى إليها شريم هي فرصة أمام القوى اليسارية والديمقراطية والمستقلة، كما وإنها تسهل على حركة أمل وحزب الله عناء الدخول بالتفاصيل والاسماء التي قد تخلق لكل منهما اشكاليات تنظيمية داخل صفوفهما، ليس لأن شريم يمتلك قوة تأثير على القرار الحزبي من خلال مروحة علاقاته الواسعة بل فقط لأنه يمتلك قوة الحياد الايجابي الحاضن بصدق لكل أبناء بلدته من موقع المحب والحريص على الجميع.

اقرأ أيضاً: هل الانتخابات البلدية في «معركة» تؤدي الى احراق محلات!‎؟

في الختام ومن حيثيتي الجنوبية ومتابعتي الشخصية للكثير من اوضاع القرى، يمكن الجزم أن اتفاق حركة أمل وحزب الله قد ساهم الى حد بعيد في القضاء على الآثار السلبية للمعارك الانتخابية، إلا أن مفاعيل الاتفاق تختصر على البعد السياسي فقط، لتبقى الاثار السلبية ” الضيعوية ” والعائلية موجودة وحاصلة ولا يمكن أن يتصدى لها إلاّ شخصيات حيادية فاعلة في مجتمعاتها، وتكاد تكون حومين الفوقا من القرى القليلة في الجنوب التي يتوفر فيها الشرطين الضروريين (اتفاق سياسي – شخصية مستقلة) من أجل الوصول الى توافق حقيقي.

السابق
حريق هائل في جعيتا
التالي
شربل نحاس يعلّق: «لائحة البيارتة» يؤبروني ما أحلاهم من كل وادٍ عصا