بلديات تستنسخ الفشل !

لا ندري ونحن على مسافة قصيرة من انطلاق أولى مراحل الانتخابات البلدية والاختيارية ما إذا كان هذا الاستحقاق حمّال وعد بالتغيير الفعلي أم سيكون رافدا إضافيا لتثبيت مفاهيم متكلسة نجح الساسة اللبنانيون في جعلها أسسا لثقافة تستنسخ صراعات السلطة. لا نستبق الانتخابات بطبيعة الحال ولو اننا نعاين شواذات عارمة نراها تتمدد في الكثير من الأنحاء والمناطق في مقدمات التحالفات او المعارك. ولكن ما يثير الخشية المبكرة على الحصيلة التغييرية التي يفترض ان تحملها هذه الانتخابات هو اندفاع في استعارة الكثير مما شوه ويشوه واقع السياسة والتمثيل وإسقاطه حرفيا على الاستعدادات الانتخابية البلدية. في رأس هرم هذه الظواهر ان نرى مثلا زحف ثقافة التخويف من المعارك الانتخابية في اكبر المدن كما في أصغر القرى حين يعز على المقتدرين واصحاب النفوذ حسم النتائج سلفا لمصلحتهم فيغدو التحالف الانتخابي عاملا قاتلا للتغيير ونفض القديم وإفقاد المجالس المنتخبة تاليا فرصة ضخها بالعنصر المجدد والمحدّث والنظيف. ثمة تقليد قديم في واقع توافقات أهلية صاحبت دوما الاستحقاقات البلدية والاختيارية ولكن ضمن أُطر ضيقة لم تكن على خلفية مماثلة للواقع الماثل حاليا. اذ أنه مع بلد يعاني نظامه الديموقراطي أزمة وجودية لا يبدو مقبولا أقل من انتفاض الناس على قواعد لعبة أسرتهم في السياسة “العليا” من خلال ثورة حلال من تحت، أي من حيث يمكنهم ان يثأروا للأقفاص التي حجزتهم فيها السياسة.

اقرأ أيضًا: بلديات الجنوب منذ 2004: أكبر سرقة للأرض تحت ظلال «المقاومة» والثنائية
أخذ ويؤخذ دوما على اللبنانيين، عن حق مرات وعن ظلم مرات أخرى ، انهم فقدوا ميزة فريدة عن سائر شعوب العالم العربي وباتوا أشبه بالشعوب المنصاعة لأنظمة الطغاة والديكتاتوريين . يحمل الناخب اللبناني هذه التبعة متى استعار من سلطته آثامها وأعاد تثبيتها في صندوقة ايا تكن طبيعة استحقاقها بلدية غدا أم نيابية بعد سنة. ليس “التوافق” معياراَ انتخابياَ صحيحا الا اذا حمل الصفوة والنخبة مثلما قد تأتي به معركة انتخابية تغييرية وصحية . وليس معيار معركة انتخابية اثارة العداوات والحروب الصغيرة والكبيرة كما يجري تعميم هذا المفهوم الجاهلي القاتل لكل أمل بالتغيير. وليست زحلة وجونية وبيروت وطرابلس أهم وارقى وأعلى رتبة في استحقاق انتخابي من اصغر قرية في عكار شمالا الى الناقورة جنوبا وما بينهما في سائر انحاء لبنان. انها قصة معايير وثقافة ديموقراطية اولا وأخيرا، والمجلس البلدي في أي مدينة أو قرية ليس ولا يجب ان يكون الصورة المستنسخة عن “حكومة وفاق وطني” وإلا حكم على نفسه سلفا بالإعدام والشلل والتعطيل الحتمي. ولعل أحدا لا يود ان نمضي في تعداد سائر الأفضال والمآثر “التوافقية” السلطوية الاخرى التي تسير يومياتنا على وقعها الفواح !

(النهار)

السابق
اسرار الصحف المحلية الصادرة ليوم الاثنين الواقع في 25 نيسان 2016
التالي
المستبد يعترف ويسأل