تحرير 75 «عبدة»… باقي 260 ألفا في بيوتنا

لا يواجه المجتمع اللبناني الآفات متفرقة، وإنّما يحتاج لمجزرة جماعية تحرّك فيه الإنسانية المعمورة. 75 فتاة استعبدن في لبنان، 75 فتاة تعرضّن للتعذيب والتنكيل والإتجار، وما حرك الرأي العام اللبناني إلا نداءات متكررة، في حين كان اللبنانيون ملتهين بمواجهة أحلام.

رنا، نغم، سالي، سيرينا، سمر.. بعض الأسماء الوهمية التي تداولها الإعلام للفتيات مؤخرًا، ولو اقتصرت الجريمة على “واحدة” منهن، لوجد الضمير اللبناني ألف تهمةً وتبرير لكن أمام 75 ضحية تصمت أفواه العنصرية وتعترف أنّ في جونية أيضًا داعش، وأنّنا نحن أيضًا دواعش أو جيران لدواعش.

إقرأ أيضًا: داعش بالموصل وبجونية كمان..

75 عبدة، لكن ناشطين كثيرين سألوا: ماذا عن الـ 250 ألف مستعبدة؟ وهو آخر عدد تمّ تقديره في شباط 201 عن العاملات في المنازل من دول أفريقية وآسيوية. وماذا عن الـ 13 ألفًا من العاملات في الجنس وما يشابهه، الموزعات على الملاهي الليلية ومراكز التدليك المشبوهة..

لا فرق بين عبودية غير شرعية تغطيها أجهزة معينة، وبين عبودية مشرّعة يحميها رجل “القانون المريض”. ما حصل مع الـ 75 فتاة ليس عنصرية لبنانية ضد السوريين.

بداية العقدة هي نظام الكفالة، هذا النظام الذي طالبت الجمعيات المعنية بتعديله لما يحميه من استعباد للعامل وتجريده من حقوقه الشخصية وحتى من أوراقه الثبوتية والتعامل معه على أنّه ملكية خاصة للكفيل، وبعيدًا عن المثالية ودون الحاجة إلى أدلة أو براهين يكفي أن نتلفت حولنا لنشاهد كيف يعامل العامل (المستخدم).

بدايةً من التوصيف العنصري له / لها: “سيرلنكية اثيوبية،..”، وصولًأ إلا التعامل معهم بنظام الروبوت الممكنن وعدم الثقة بهم.

إذ أنّ العقل العنصري لدى بعض اللبنانيين لا يفرق بين مفهومين للعمل، فالمستخدم هو درجة أخيرة لا يتساوى والعامل اللبناني “الكريم”، ولو لنا قانون يحترم انسانيته لوضع الاثنين بمكيال واحد.

شبكة جونية

قصص العاملات المستخدمات في لبنان ليست أقل وحشية وهمجية من قصص الفتيات، من تحرش، اغتصاب، تعنيف، وحالات انتحار اسبوعية، لا يتوقف عندها الإعلام إلاّ خبرًا عاجلًا يمرّ مرور الكرام.

هذا الإعلام هو نفسه يحمي العنصرية، فيحوّل قضية مستخدمة قتلت صاحبة البيت إلى قضية رأي عام ويعبئ المواطنين ضد المستخدمين الأجانب مشيرًا بطريقة او أخرى لوحشيتهم، فيما لم يتساءل مرّة لماذا انتحرت إحدى العاملات أو لماذا هربت. ويتجاهل أنّ العنف لا يولد إلا العنف وأنّ ما من عاملة مجرمة بالفطرة.

انفصام القانون اللبناني لا يتوقف هنا، فهذا القانون الذي لا يراقب الملاهي الليلية والتي بمعظمها “مدعومة” سياسيًا أو أمنيًا. وما من رقيب على العقود الموقعة وما من حماية للعاملات من ذوات الجنسيات الأجنبية، وفظاعة الأمر لا تتوقف هنا وإنّما تتفاقم في مراكز التدليك التي يكون عقد العمل فيها ظاهره “عمل شريف” ، فيما الباطن “دعارة”..

إقرأ أيضًا: هذه قصة الفتيات اللواتي وقعن ضحية شبكة للاتجار بالبشر في لبنان

والحال هذه: ألا نعيش في نظام العبودية؟ وقد بات من المعيب أن يوصمنا بعاره مرارًا وتكرارًا.

منذ يومين قامت القوى الأمنية بعملية نوعية لتحرر 75 فتاة، واليوم المطالب من كل المؤسسات المعنية العمل لتحرير أكثر من 260 ألف مستعبدة موزعات على جميع الأراضي اللبنانية، داخل بيوتنا، وبين أيدينا.

السابق
تبعات القبول اللبناني بمهمة «حزب الله» في سورية
التالي
جنوب لبنان يفقد أحد أعلامه الفقهية الشيخ مفيد فقيه