لو كنت إيرانية …

منذ صغري والشيعة في لبنان يتحدثون عن إيران، كان أبناء جيلي يقومون بكل شيء متعظين بإيران والإيرانيين. الجميع من حولي أخبرني عن جمال المقامات الدينية في إيران ونزاهة الشعب هناك وحمايته للإرث الشيعي وعن الفتيات الملتزمات بتعاليم الدين الإسلامي والشبان الأتقياء العارفين بالله.

لطالما خيّل إليَّ أن الشعب الايراني نموذج من الملائكة. إعتقدت لفترة طويلة أن الإيرانيين أحبوا مفجر الثورة الاسلامية الامام الخميني منذ الأزل وأنهم سيحبون الإمام القائد السيد علي خامنئي إلى الأبد.

إقرأ أيضاً: لا شيعة إلا «شيعة إيران»!

وعندما تعرفت على أصدقائي الإيرانيين إكتشفت أن في إيران جماعة تسمّى بالاصلاحيين ويقابلهم جماعة اخرى تدعى المحافظون. لم أتوغل يومها في معنى “إصلاحي أو محافظ” لأنني كنت أرى إيران في صورة السيد الخامنئي فقط. إلى أن بلغت سن السابعة عشر وبلغت إيران عام الـ2009 فامتلأت شوارع طهران حينها بالحشود المتسائلة “أين ذهبت أصواتنا”.

لقد سألوا أحمدي نجاد عن أصواتهم التي إقترعوا من خلالها مير حسين موسوي كرئيس يمثل طموحاتهم. وعلى اثرها زُج بمئات الشبان والشابات في السجون الإيرانية بعد مشاركتهم في المظاهرات الاحتجاجية، وتم فرض الإقامة الجبرية على مجموعة من السياسيين المعتدلين والإصلاحيين.

أذكر جيداً كيف قال لي أستاذي المعمم التابع لحزب الله (الشيخ محمد. ش) أن المتظاهرين ضد أحمدي نجاد عبارة عن مجموعة من “المضطربين نفسياً في مفهوم الولاية لديهم” ومسعاهم المخفي هو الإطاحة بالثورة الإسلامية التي صنعت مجد إيران، وأنهم مدعومون من الولايات المتحدة الاميركية.

تلك الحشود كانت مدعومة من أميركا. إن مئات الآلاف الذين ظهروا في الفيديوهات المسربة عن الثورة الخضراء كانوا يدارون من الغرفة المظلمة في البنتاغون الأميركي، حقاً. كان الجميع يتحدث عن الجمهورية الاسلامية الإيرانية، ذاكرين اسماء العظماء الذين يمثلون تاريخها الثوري الاسلامي، مثل الامام الخميني والامام الخامنئي أما الشيخ بهجت ذا الميزة الخاصة فهو “العالم بالغيب والروحانيات والعارف بالله” على حد وصفهم.

ايرانيات

أعجبت بالقوة الاسلامية الصاعدة وأمنت في انها ستتمكن من هزم أميركا واسرائيل في يوم من الايام. إلى الحين الذي اضمحل فيه الاعجاب وتحول الى فتور. فوضعت سواتر ترابية بيني وبين حبي الطفولي لايران.

صغُرت طهران في رأسي، وضاق صدري باصوات المواعظ الدينية الصادرة عن معمّميها، حتى صارت إيران تمثل لي قمقما كبيرا يعيش به شعب يسأل عن صوته الانتخابي، فيجيبه أحمد خاتمي إمام مسجد طهران بالقول: “أن أي اعتراض على نتائج الانتخابات التي اوصلت احمدي نجاد الى الرئاسة ما هو إلا عبارة عن كفر واشراك بالله وتهديد دولة الامام المهدي المنتظر!”.

وكالعادة يزجّون الامام المهدي بكل شيء. فلو أني إيرانية ربما كنت سأصوت لمير حسين موسوي أو حسين كاروبي. سأصوت ضد حكم الإمام المهدي الذي يروجون له كمسّ من جنون العظمة، وسيناريو للإستبداد. ربما سأقبع في واحدة من زنازين الحرس الثوري. أو أعتقل سياسياً بتهم تهديد الأمن الوطني ومحاولة قلب النظام.

سأتظاهر مع النساء الايرانيات المطالبات بحريتهن. سأشاركهن حملة التحدي بوجه نظام ولاية الفقيه فأخلع حجابي وأصوّر تجربتي في فيديو وأضعها على مواقع التواصل الاحتماعي.

سأشاغب ضد الأفكار الإسلامية التعسفية ما إستطعت إلى ذلك سبيلاً. ربما كان الباسيج سيرسل تهديدات الى منزل عائلتي بأنهم يراقبون تحركاتي وارتباطي بجهاز “تجسس خارجي” كما يحصل فعلاً مع صديقتي الايرانية.

كنت سأحتفل يومياً بإعتراضي على ديكتاتورية القمع الديني الممارس تحت سقف علماء يجددون البيعة لأنفسهم كأنهم خليفة الله على الارض.

إقرأ أيضاً: ابرز اشارات سيطرة ايران على بيروت

سأبكي وأضع صورة رفيقاتي المنتحرات في عقد وأزين به عنقي مثلما فعلت المخرجة الايرانية هانا مخمالبوف بعد ان رمت صديقتها نفسها عن الشرفة لأن اليأس من الوضع القائم في ايران كان قد إنتشر بداخلها. ستكون الفكرة جنونية ان قلت بأن الانتحار ألطف من العيش في حكم “عشرات النواب” للامام المهدي…

السابق
المراهنات في لبنان حوّلت «كرة القدم» الى ماخور قمار!
التالي
ماذا قالت الصحف الإيرانية عن وسم الخليج حزب الله بالإرهاب؟