إياد في عيده…لم يفتح الباب بعد!

بعد أربعة أيام ينهي إياد عامه التاسع، هو من مواليد يوم المرأة العالمي أي الثامن من آذار. لم أكن أعلم قبل، أن العالم في هذا اليوم يحتفل بإنجازات المرأة، أو أنني لم أكن أهتم، إلى أن حققت إنجازي بإنجابه. فصار لي ما احتفل به في هذه المناسبة، بدل العيد أصبح عندي عيدان.

لكن احتفالي بعيدي الثامن من آذار لم يدم طويلا، ثلاث سنوات فقط. شاءت رياح الفتاوى الشرعية أن تجري بما تشتهيه ذكورية المحاكم والمجتمع. أجبرت على ترك إياد غصبا، بعد أن قرر والده تطبيق آية مثنى وثلاث ورباع، وآزرته المحكمة الجعفرية بحرماني من الحضانة كوني امرأة ما يعني دون جدل أو اعتراض، أني فاقدة الأهلية!

نعم، بشحطة قلم، بكذبة، بشائعة، بأقل مجهود معنوي أو مادي، وربما برشوة، يستطيع الرجل أن ينزع صفة الأهلية عن المرأة، ويصادق على ذلك رجل مثله، أو أعلى منه رتبة، رجل الدين، دون أن يرى حاجة إلى تحقيق أو سؤال، وكلاهما أو كلهم يتبجحون في الإعلام وعلى المنابر بالحقوق التي منحها الدين للمرأة..

ست سنوات مرت حتى الآن، على قرار فصل إياد عني. ومازلت كلما رأيت طفلا في مثل سنه، تنتابني حمى الأمومة المقهورة، فأعود وأطرق أبواب القيمين على عواطف الأمهات، أهدر عند أقدامهم ما استجمعته من شجاعة وكرامة، أقول لا يضيرني قليل من المهانة والذل طمعا برؤيته، لكن لا حياء لمن أنادي !

ست سنوات… شغلي الشاغل فيها، أن أتوسل أشخاصا يرونه، إلتقاط صور له، أذهب إلى الاستديو لتكبيرها، فيسبقني صاحبه بالتعليق: “ما شا الله كبران، الله يجمعك فيه”. وأضعها إلى جانب رفيقاتها- هكذا تتابع أم في الألفية الثالثة وعالم حقوق الإنسان نمو ابنها وتراقب تبدل ملامحه- أمر على صوره كل ليلة، أحس أنها الشاهد الوحيد الذي يثبت أنني أمه، أنقلها حيثما انتقلت، أحتفظ بها وأحافظ عليها كتعويض هزيل عن إخفاقي في الإحتفاظ به، وأخشى أن أفقدها كما فقدته، أتوجس أحيانا من أن تظل نصيبي الوحيد من رؤيته… ففي غيابه يخيفني الموت، أخاف أن يستدعيني قبل أن أراه!

وأنا لا أريد أن أموت قبل أن أراه! أناضل كي أبقى بعيدة عن كل ما يدنيه مني، أو يضعه في طريقي، ريثما ألتقيه، يتهيّأ لي أني قادرة على ذلك. سأظل أترجاه في الأوقات التي أشعر فيها باقترابه مني، أن يمهلني حتى أحقق أمنيتي. يعرف الموت أني لست طامعة بالدنيا، لولا طمعي برؤيته لاعتبرتها جيفة كما وصفها أميري “أبو تراب”.

لست أول الأمهات المجني عليهن في محاكمنا، وفي مجتمعنا، ولن أكون الأخيرة، فاللائحة طويلة، والظلم لا ينحصر بزمان ولا مكان. قالت إعرابية لقاض يوما: إن إبني هذا، كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني، ألست أنا أحق به منه؟!

إلهام صديقتي قالت كلاما يشبهه للقاضي، وهي منذ ثلاث عشرة سنة لم تر أولادها مرة، ذنبها أنها طلقت رجلا نافذا له كلمته، فكان عقابها مماثلا لعقابي.

لينا انتظرت عشر سنوات حتى تكرمت عليها الحياة برؤية بناتها الثلاثة، صرن يزرنها سرا، بعد أن صار بإمكانهن أن يتنقلن وحدهن دون مراقبة والدهن، كثيرا ما تذكرني هبة بهذه الحكاية، وتوصيني “لا تخلعي ثوب الصبر يا صديقتي”.

إقرأ أيضاً: بادية فحص: هذه المعارك لم تعد تعنيها

سلوى أيضا حكت لي كيف سعى إليها إبراهيم، وحيدها، بعد أن أرغموها على تركه رضيعا، كانت في عملها يوم دخل شاب عشريني جميل يسأل عنها فعرفته على الفور .

الرجل والدين سبب تعاستنا نحن معشر الأمهات والأطفال، هكذا وبكل صراحة! وبالتحديد الرجل المحتمي بالدين، الدين الذي استجرنا به فسلمنا إلى جلادينا، لجأنا إليه فتنكر لنا، الدين الذي سلبنا فتات الحقوق التي وهبتنا إياها الطبيعة.

فيما مضى كانت مجتمعات ما قبل التاريخ والأديان السماوية تطلق على المرأة صفة حيوان أهلي. فماذا جرى بعد قدوم الأنبياء والرسل وانفتاح طاقات السموات السبع على الأرض؟ نزعت المجتمعات الدينية خصوصا العربية، عن المرأة صفة الأهلية واحتفظت لها بصفة حيوان فقط !

وقبل أي اعتراض أو تهمة، أنتم مدينون لنا بشرح هذا الكلام الذي ورد في لسان العرب: “البرقع والبرقوع معروف وهو للدواب ونساء الأعراب”!

مرة أخرى…سأنام ليلة الثامن من آذار كي أحلم بإياد، أو أني سأحلم به كي أنام، سأحلم أن قلبي قد تحول إلى باب، كي يفتحه حين يعود من الغابة، سأصحو كي أبدأ به يومي، وسأخرج حاملة كسرة خبز وباقة ورد لأطالب بالإنصاف، بحقي في رتق نسيج أمومتي الذي مزقه الإضطهاد.

إقرأ أيضاً: وردة لأبي في عيد ميلاده

(باديا فحص (عن الفايسبوك

السابق
لماذا نكره عمر…؟
التالي
زحفًا زحفًا نحو الرياض