أسباب الرفض المصري للتدخل العسكري البري في سورية

أكد مسؤول عسكري مصري، أن بلاده لن تتراجع عن موقفها بشأن رفض التدخل العسكري في سورية، من خلال احتمالية إرسال قوات برية مشتركة، مرجعاً السبب إلى ما وصفه "مطرقة الحدود مع ليبيا وسنديان سيناء".

المسؤول العسكري، الذي تحدث لوكالة “الأناضول”، مفضلاً عدم ذكر اسمه، أوضح أن “القاهرة تحاول أن تنأى بنفسها عن أي تدخل عسكري جديد يورطها في معركة غير محسوبة وغير محسومة”، بحسب قوله، مضيفًا أن “فتح جبهات جديدة في هذا التوقيت الحرج الذي تمر به البلاد، أمر غير مسموح به من قبل جميع أجهزة الدولة”.

إقرأ أيضاُ: جنبلاط: نعم، هناك خطر لتقسيم سوريا!

ولم يوضح المسؤول المقصود بالتوقيت الحرج، لكنه تحدث عن “أطراف تتربص بالدولة، من الداخل، قبل الخارج، في مسعى لهدم البناء الحالي”، رافضاً أي تلميح بشأن انتظار تقدير من روسيا لموقف بلاده، قائلاً “نفعل هذا لأمننا لا لأمن روسيا أو بشار كما يدعون”.

ومطلع فبراير/شباط الحالي، تطور الموقف الخليجي إزاء الأحداث في سورية، وأبدت السعودية استعدادها للمشاركة في عمليات برية داخل سورية، في حال قرر التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة البدء في مثل هذه العمليات.

وعلى غرار السعودية، اتخذت الإمارات نفس الاتجاه عندما أعلنت في 7 من الشهر الجاري، استعدادها لإرسال قوات برية تساعد في دعم وتدريب تحالف عسكري دولي، يقاتل تنظيم “الدولة الإسلامية” في سورية، مشددة بأن مثل هذا التدخل المحتمل لن يتضمن أعداداً كبيرة.

وإزاء هذا التطور، خرج الموقف المصري من عباءة الصمت، الذي كان مرجحاً لدى مراقبين، إذ قال وزير الخارجية المصري سامح شكري في تصريح صحفي، إن “الحل العسكري في سورية أثبت عدم جدواه”، مؤكداً أنه “لا بديل عن التسوية السياسية” هناك، مشدداً على أن “العمل من خلال منظمة الأمم المتحدة ومبعوثها ستيفان دي ميستورا، هو الحل الأمثل لمعالجة الأزمة”.

وقال وزير مصري، يعد أحد المقربين من دوائر صنع القرار لـ”الأناضول”، في معرض تعليقه “لا أحد سيتحمل تكلفة تبني مثل هذه الخطوات، لأننا نجهل ما الذي سيحدث مستقبلاً”، مضيفاً “ليس معنى تدخلنا في اليمن أن نفعل ذلك الآن في منطقة ملتهبة”.

وكشف الوزير المصري عن اتصال بين القاهرة والرياض، تم عقب هذا القرار لتوضيح الموقف المصري للمملكة، دون أن يحدد مستوى هذا التواصل أو نتيجته، مكتفياً بالقول، “كان لزاماً التوضيح وفعلنا، رسالتنا كانت واضحة، هذا ليس تخلياً عن الخليج أو الشعب السوري”.

تصريحات المسؤولين المصريين لم تكن بمنأى عما ذهب إليه خبيران روسيان، غير أنهما كانا أكثر تفصيلاً للأسباب التي تقف وراء موقف مصر.

وقال “نيكولاي سركوف” أستاذ مشارك بمعهد موسكو للعلاقات الدولية (حكومي روسي) أن “حقيقة أن مصر حليف السعودية لم تتغير برفض المشاركة في التدخل البري المتحمل، هي فقط تتجنب التدخل بعمق في سورية بسبب اضطرابات سيناء والحدود مع ليبيا، ما يجعل هناك حاجة لبقاء القوات المصرية داخل البلاد في المكانين (يقصد سيناء وليبيا)”.

السبب الثاني، برأي “نيكولاي”، هو أن “الموقف الداخلي غير مستقر، وبالتالي فإن هناك حاجة للقوات المصرية لردع أي تمرد محتمل من جانب الإسلاميين”، دون أن يحدد المقصود بالإسلاميين لكنه اكتفى بوصفهم خلال حديثه، بالرافضين والغاضبين من حكم السيسي.

واعتبر الخبير الروسي، السبب الثالث الذي لا يمكن إغفاله، هو أن “أي تدخل بري سيتطلب تكاليف باهظة ودعم لوجستي مكلف أيضاً”.

وحول ما إذا كان الموقف المصري سيلقي بظلاله على العلاقات المصرية السعودية نفى “نيكولاي” ذلك بقوله، “أبداً، مصر حليف له وزنه لاعتبارات كثيرة، لنقل أهمها الدور الهام الذي يلعبه في ليبيا، كما أن السعوديين أنفسهم ليس لديهم حلفاء كثيرين بخلاف الإمارات، ولا ننسى رفض مصر في السابق طلباً سعودياً بإرسال قوات برية في اليمن، وتوجب على المملكة حينها تقبل الأمر”.

بُعد أخر، اتجه إليه “دميتري أوفيتسيروف”، المحلل السياسي، ومحاضر في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو (من أكبر مراكز الأبحاث الروسية المستقلة)، الذي رأى أن “القاهرة ليس لديها رغبة في النزاع مع روسيا، لاعتبارات عديدة، بما في ذلك الشق الاقتصادي”.

وأوضح “أوفيتسيروف”، أن “موسكو تلقت ضمانات شفوية من مصر، بشأن تقديرها الإيجابي للسياسة الروسية في المنطقة، وهو ما كان يجب ترجمته في أقرب موقف”.

وأضاف، “بالطبع ستستمر القوات المصرية في اليمن لمدة عام آخر، وسيكون تصرف القوات بالتنسيق مع السعوديين، لكن في المسألة السورية الأمر مختلف، لأن القاهرة تعي أنه من الحكمة تبني موقف “دعه يعمل دعه ينتهي”.

ورغم نفي كلا الخبيرين الروسين، لتأثير موقف مصر على العلاقات المستقبلية مع الرياض، لكن دبلوماسياً سابقاً، مقرباً من دوائر صنع القرار بالمملكة، قال إن “السياسة المصرية تجاه سورية مرفوضة من قبل المملكة، ولا تنسجم مع تطلعاتنا بشكل خاص، ودول مجلس التعاون بشكل عام”.

وأضاف، “بغض النظر عن الأسباب التي نفسرها بفقدان التوازن وتغليب مصر لمصلحتها أولاً، لكن نقول بوضوح، إذا استمرت القيادة المصرية في التذبذب وانتهاجها سياسات متناقضة مع سياستنا في القضايا الإقليمية، لا نستبعد تصدع العلاقات السعودية المصرية”.

الدبلوماسي السعودي السابق الذي تغيرت نبرته عن مقابلات سابقة له، قال، “حاجة مصر للسعودية أكبر من حاجة السعودية لمصر كما هو معروف، والمزاج السعودي السياسي في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز واضح وحازم، ولن يقبل بالتأرجح أو الغياب عن القيام بالواجب”.

وتابع الدبلوماسي السعودي، “الرياض تتحمل خفض مستوى العلاقات مع القاهرة للحد الأدنى، في أي وقت، بدون كلفة سياسية باهظة لكن تخفيض المستوی بالنسبة لمصر باهظ ومكلف للغاية، مضيفاً بعبارة مقتضبة “تتم حالياً دراسة ترتيبات لما يمكن أن تتخذه الرياض تجاه مصر، في حالة ابتعاد القاهرة عن التوجه والمحور العربي والإسلامي السياسي والعسكري، الذي تقوده السعودية”.

“بقدر الرضى السعودي عن مستوى التعاون والتنسيق السعودي الإماراتي القطري التركي، هناك عدم رضى عن التوجه المصري إزاء المواقف الساخنة، والتي تمس أمن واستقرار مجلس التعاون، تمس حدود ومكتسبات الأمن العربي، وأمن المنطقة في مواجهة المحور الإيراني الروسي السوري العراقي.

تصريحات الدبلوماسي السعودي وما تحمله من رسائل تمس مستقبل العلاقات بين القاهرة والرياض، جعلت “مارينا أوتاوي”، الباحثة الأمريكية في مركز “ودرو ويلسون” الدولي، تشكك في جدية الرسائل بقولها إنه “لا يمكن توقع نتائج موقف مصر على مستقبل العلاقات السعودية المصرية، خاصة أنه لم يتضح بعد ما إذا كان السعوديون أنفسهم سيرسلون هذه القوات، مضيفة بأن هناك معارضة كبيرة داخل السعودية”.

ومقترباً من نفس الاتجاه، وصف يزيد الصايغ، باحث رئيسي في مركز “كارنيغي” للشرق الأوسط في بيروت، احتمالية إرسال الرياض لقوات برية بأنه بغرض “العلاقات العامة فقط”، مقللاً من أهمية تلك الاحتمالية بقوله: “حتى في حالة إرسال قوات سعودية بالفعل، سيكون تأثيرها بسيط إذا لم يكن هذا التدخل جزء من عملية أكبر، تكون فيها تركيا العنصر الرئيس”.

واستطرد الصايغ، “لكن ما أفهمه، أن وزير الخارجية التركي استبعد القيام بعمل بري داخل سورية، لذلك أشك في أنه سيكون هناك أي تأثير على العلاقات المصرية السعودية”.

إقرأ أيضاً: التدخل السعودي البري في سورية آتٍ لا محالة

وأشار أن “زيادة الملك سلمان للمساعدات المالية والاستثمارية لمصر، في الشهرين الماضيين، يدل على أن العلاقة ما تزال قوية رغم الخلاف على السياسة الخارجية”.

أما عن ردة فعل الولايات المتحدة إزاء رفض مصر، الذي لا يصب في صالحها بحسب مراقبين، استبعد الخبيران الدوليان تأثر العلاقات الأمريكية المصرية بهذا الرفض، فمن جهتها توقعت الخبيرة الأمريكية “أوتاوي” عدم وجود أي تأثيرات، فيما شكك الصايغ في الأمر، قائلاً، “الولايات المتحدة نفسها لم تدع لمثل هذا الفعل، ولا خطط لمشاركتها، فبالتالي لن يحدث شيء”.

(سورية نت)

السابق
استنكار المنار للشتامين.. حينما تنطق الفتنة اعتدالاُ!
التالي
ماذا تخبئ الأبراج الفلكية في الأول من آذار؟