التدخل السعودي البري في سورية آتٍ لا محالة

كل ما يجري ميدانياً يؤكد وجود استعداد لتدخل سعودي - تركي بري في سورية. مناورة "رعد الشمال"، التي أطلقتها السعودية بمشاركة حلفاء من جيوش عربية وإسلامية، ليست المؤشّر الوحيد، وإن كان الأهم على هذا الصعيد.

فـ”عاصفة الحزم” شكلّت الإنطلاقة لمنهج جديد في السياسة الخارجية السعودية، تزامناً مع بداية عهد الملك سلمان. وكانت الحرب في اليمن القرار الذي فصل بين مرحلتين في السياسة السعودية، الأولى كان الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز من روّادها، تميل إلى معالجة الأزمات والتحديات بمنهج يتفادى الصدام العسكري وبالذهاب الى صوغ تسويات أو الإتكاء على حلفاء دوليين على رأسهم الولايات المتحدة الأميركية. والثاني تبناه الملك سليمان الذي وضع الخيار العسكري اولاً.

إقرأ أيضاً: «مسافة السكة» و«عاصفة الحزم»

فكلّ التقديرات السياسية والعسكرية، لا سيما الإيرانية، لم تكن تتوقع أن تغامر الرياض في الإنخراط العسكري المباشر في حرب اليمن. كذلك إعدام الشيخ الشيعي نمر النمر في السعودية، بدا مفاجئاً ليس لخصوم المملكة بل حتى لحلفائها الغربيين. وهنا تبرز ملامح المرحلة الثانية، إذ شكّل التقارب الأميركي – الإيراني، من خلال إنجاز الإتفاق النووي وقرار رفع العقوبات عن إيران، تحولّاً استراتيجياً في السياسة السعودية على صعيد مواجهة التحديات المحيطة بها.

فهمت الرياض أنّ العلاقة الإيرانية – الأميركية مقبلة على تطور نوعي ستكون المنطقة العربية مساحة اختبارها. ورغم نفي إيران، وحتى الإدارة الاميركية، وجود اتفاق اقليمي ملحق بالإتفاق النووي بين واشنطن وطهران، إلا أنّ الوقائع الميدانية تشير إلى تغيير في العلاقة السعودية-الأميركية. ومن البوادر مسار التنسيق والتعاون في العراق وفي الملف السوري، وتراجع النبرة العدائية المتبادلة. ما يخفي مساحة من التفاهمات التي جعلت القيادة السعودية تتبنى خيارات شبه انفرادية في المنطقة.

العرب وايران
العرب وايران

التصدي العربي للإختراق الإيراني في اليمن لم يكن عفوياً، أو قراراً اتخذ بغتة في ليل. من اليمن بدأ مسار ترى فيه جهات سعودية أنّه استراتيجي يقوم على التصدي المباشر لما تسميه الإختراقات الإيرانية في المنطقة العربية. ولعلّ أبرز ما يمكن تلمسه من داخل المؤسسات الحاكمة في “المملكة”، أنّ المواجهة العسكرية كانت الخيار الوحيد المتاح أمام القيادة السعودية، بعدما صار الخطر الإيراني، عبر الحوثيين، على حدود المملكة. بل يذهب كثيرون من هؤلاء إلى اعتبار أنّ الحرب في اليمن، أو التدخل العسكري البري المرجح في سورية، واستهداف تنظيم داعش في العراق، هي خيارات سعودية تنطلق من أنّ الخطر الإرهابي والإيراني بات يهدد استقرار المملكة وليس الدول التي تشهد مواجهات عسكرية فحسب.

الإلتفاف حول قرار المواجهة العسكرية الذي اتخذته القيادة السعودية هدفه الذهاب بعيداً في المواجهة العسكرية على أكثر من جبهة. فعوامل موضوعية تتحكم بالخيار السعودي اليوم. إذ لا أحد مستعدّ للتراجع أو التسوية. والتراجع السعودي او الانكفاء سيؤدي بالضرورة إلى مزيد من التنامي النوعي لظاهرة الإرهاب وبيئته الحاضنة، وفي داخل المملكة بالدرجة الاولى. كما أنّ أيّ انكفاء سعودي في تلك المواجهات، لحساب النفوذ الإيراني، لن تكون تداعياته أقلّ من ضرر سعودي داخلي، سواء داخل العائلة الحاكمة، أو على مستوى صعود التطرف الذي يجد له في البيئة السعودية صدى معقولا. وذلك بسبب ما يوصف بأنّه “هجمة غربية وايرانية ومذهبية”. وأياً كانت صحة هذا التوصيف أو عدمه فإنّ له في البيئات السنية بالخليج والمنطقة العربية عموماً حضوراً ليس خفيّاً على أيّ مراقب.

إقرأ أيضاً: إيران تتصرف كما لو أنها وصية دولية على الشيعة

انطلاقا مما تقدم يشكل ما يوصف بـ”التشدد السعودي الجديد ضد إيران”، عنصر تماسك ومصدر قوة للقيادة السعودية اليوم. فمع تراجع الدور المصري، وانكفاء دور وفاعلية المرجعيات التنظيمية الاسلامية، كحال تيار الإخوان المسلمين على سبيل المثال، بدت سياسة المواجهة العسكرية محل تأييد وتشجيع من أوساط الإخوان أنفسهم الذين يحملون المملكة مسؤولية ما آلت اليه الأمور في مصر ثم اليمن حين سيطر الحوثيون بدعم من الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. الالتفاف الإسلامي السني العربي وغير العربي حول قرار المواجهة السعودية لما تسميه النفوذ الإيراني، جعل القيادة السعودية أسيرة خيار تحقيق انجازات فعلية: إمّا تسويات تثبّت من خلالها انتصاراً، أو استمرار المواجهة العسكرية. والحرب البرية في سورية آتية بالنسبة للسعودية على ما يؤكد متابعون من داخل المملكة. وأكثر ما يدفع في هذا الاتجاه ليس مزاج او رأي في داخل الحكم في المملكة، بل مناخ شعبي واسلامي لا تستطيع القيادة السعودية الإستهانة به، أو إهماله، وهي تطمح وتعمل على تثبيت دورها الإقليمي من خلال تعزيز موقعها كمرجعية للمسلمين السنّة ليس في المنطقة العربية بل على مستوى الدول الإسلامية عموماً. لذا فالقيادة السعودية بحسب قريبين من دوائر القرار لن تنأى بجنودها عن الميدان السوري لحساب جنود إيران أو روسيا وإرهاب “داعش”. “هذا أمر أكيد”.

السابق
الغاز نعمة أم نقمة
التالي
جيروزاليم بوست لنصر الله: نجحت في جعل شيعة لبنان محاطين بأعداء الدم