14 شباط محطة على طريق الغزو الفارسي

مصطفى علوش

لم تكن حرب لبنان الأهلية من صنع «حزب الله«، ولكن تلك الحرب هي من أوجدته، فاستمد طاقته من نارها وتنظيمه من فوضاها وصلابة عوده من الدم والدمار والأحزان والمآسي التي رافقتها. كان الحزب يراهن على استمرار الحرب وتعميم الفوضى ليبقى هو في النهاية بعد دمار كل شيء حوله. لذلك لم يكن من الغريب أن يكون من سعى لإنهائها باتفاق الطائف عدواً منطقياً لهذا الحزب الذي أعلن مباشرة رفضه للاتفاق، لا لشيء إلا لأنه ينهي الحرب ويضع حدوداً لأحلامه بالبقاء بعد زوال الآخرين. ولم يكن مستغرباً أن يكون رفيق الحريري يومها خطا أولى خطواته نحو الخطر، فقد حرم «حزب الله« من نصر مبكر، أو على الأقل آخر لحظة الانتصار.

كان من الممكن أن ينسحب رفيق الحريري يومها، ويعود لمشاريعه الشخصية وشركاته ويكدس المليارات بضمير مرتاح، لأنه أدى واجبه تجاه بلده، فساهم بوقف الحرب والدمار، كما أنه أعطى فرصة التخرج من الجامعات للآلاف من الشبان.

لكن السلام في لبنان كان هشاً، وكان يحتاج للتدعيم بالأمل والبناء ورفع الاقتصاد من قعر الهاوية وإعادة الكهرباء إلى البيوت ووصل المدن والقرى بالطرقات، وكسر حلقة الأحقاد بالمصالحات والتسويات. كما أن المنطقة كانت تبدو أمام منعطف جديد عنوانه مؤتمر مدريد للسلام، وكان على رفيق الحريري أن يسابق الزمن للإعداد للمواجهة مع قدرات إسرائيل الهائلة في السلم بعد فشلنا الذريع في الحرب.

اقرأ أيضًا: لولا الحريري.. لابتلعكم حزب الله وداعش

كان على رفيق الحريري أن يسير ضمن حقل ألغام شديد التعقيد هو واقع لبنان المشتت بين المذاهب والطوائف واستمرار الاحتلال الإسرائيلي، مضافاً إليه التداخل الخطير لنظام حافظ الأسد في كل مفاصل السياسة والأمن، إلى الدمار الهائل في كل شيء من بنية تحتية إلى إدارة وتربية وجيش وقوى أمن ونخب، كان عليه بناء الهيكل من جديد ووضع كل تمثال في مكانه، وهذا ما أقدم عليه بفرح وتفاؤل ومن دون خوف.

سار رفيق الحريري في حقل الألغام، ولكنه اعتبر في كل ذلك عدواً يجب مراقبته والحد من حرية تحركه من قبل القوتين المحتلتين للبنان. فحافظ الأسد كان مشككاً بمشاريع الانفتاح الاقتصادي الذي لا يمكن أن يكون ناجزاً من دون بعض الحرية السياسية، وتلك الحرية كانت تعني نهاية حتمية لحكم آل الأسد الابدي. أما «حزب الله« فقد كان يعتبر المعسكر الذي ينتمي إليه رفيق الحريري عدواً مطلقاً، أو شيطاناً أكبر.

وعلى الرغم من أن رفيق الحريري أدرك مسبقاً عبثية وسائل الصراع التقليدي مع إسرائيل، لكنه في الوقت ذاته كان يشعر بالتقدير والاحترام والوفاء لمن يواجه إسرائيل بالوسائل التقليدية المرتكزة على التضحية بالذات.

من هنا فقد حاول المستحيل لحماية ما سمّي المقاومة، وكان له دور أساسي في إصدار قرار دولي متوازن خلال حرب «عناقيد الغضب« سنة حمى فيه المدنيين من عشوائية الردود الإسرائيلية على أعمال المقاومة.

حتى ذلك الجهد الجبار، وضعه نعيم قاسم في كتابه في خانة وزيري خارجية سوريا وإيران، ولم يذكر بالفضل شيئاً عن رفيق الحريري. بالطبع فمهما مارس بعض أعضاء الحزب التقية في السياسة، لكن المكنونات الحقيقية لأفرادها كانت تظهر واضحة في أدبياتهم الموروثة والمكتوبة.

(المستقبل)

السابق
تحذيرات من قدرة «داعش» على شنّ هجمات كيمياوية
التالي
ذكرى «14 شباط» غداً: اعادة احياء أو نعي الثورة؟