إنّه «الطائف» يا غبي

لن يمضيَ وقتٌ طويل حتى يُفرج حزب الله عن سلّة شروطِه الجديدة على من يعتبرهم مهزومين في لحظة القوة الإيرانية في المنطقة العربية. يُخبرنا حزب الله، بكلّ وسائله السياسية والإعلامية، أنّ انتصاراته تتحقق، وأنّها مستمرة في أكثر من دولة عربية، من سورية إلى اليمن والعراق، وصولاً إلى "اجبار الأميركيين على الإنصياع لإيران وإلزامهم بتوقيع الإتفاق النووي الإيراني"، كما تُردد منابره الإعلامية.

المُنتصر في المنطقة والمُنتصر في سورية، ولو على طريق تدمير الدولة السورية، أقلّ ما يمكن أن يطالب به في لبنان هو السلطة، كلّ السلطة، لا نصفها ولا الثلث، بل كلّها. لكن حزب الله قلبه كبير ولا يحب أن يمسح خصومه تماماً، هو يُريدهم من النوع اللطيف الذي يفهم ماذا عليه أن يفعل من دون أن يكلّف حزب الله عناء توجيهه… أن يتخلق بأخلاق العبيد، من دون أن يتخلى عن هواياته في الإستعراض الخطابي وما إلى ذلك من مقولات السيادة والإستقلال والحرية.

إقرأ أيضاً: حزب الله المُحرَج… ينتظر المَخرج

السلّة المتكاملة التي بدأ بعض السياسيين والإعلاميين القريبين من حزب الله يرددون الحديث عنها هذه الأيام، بدأت عملية استعراض محتوياتها: الأساس هو تعديل في صلاحيات رئيس الحكومة، ثم اعتماد قانون انتخاب على قاعدة النسبية. ليس المقصود الخروج على اتفاق الطائف، قالها أمين عام حزب الله، بل كل هذه المطالب تندرج تحت سقف هذا الإتفاق، وليست انقلاباً عليه. بعض المراقبين يؤكدون أنّ الأزمة بنظر حزب الله اليوم تتجاوز اسم رئيس الجمهورية وموقعه السياسي، وتصب، بعد تسليم قوى 14 آذار بانتخاب أحد حليفي حزب الله ميشال عون أو سليمان فرنجية، في قواعد إدارة الحكم والسلطة، تحديدا موقع الشيعة في السلطة التنفيذية، بما يتناسب مع القوة التي يمثلها حزب الله اليوم ومنسوب الانتصارات التي تحققها إيران في المنطقة.

إقرأ أيضاً: رئيس مسيحي ضعيف.. غير ذلك خروج على الطائف؟

لحظة القوّة هذه تتمثل في إحكام حزب الله سيطرته شبه الكاملة على مفاصل السلطة في لبنان، وما لا يُحكم السيطرة عليه يبدو تركه تعففاً، أو لأسباب خارجية دولية بالدرجة الأولى لا يقدر على أن يمارس النفوذ عليها كالذي يستطيع أن يفرضه على خصومه في لبنان. ثمّة وجهة نظر، وهي رائجة هذه الأيام في أوساط حلفاء حزب الله وخصومه، تقول بأنّ الحزب يريد أن يُترجم لحظة القوة هذه بتعديلات دستورية، أو باعتماد قواعد جديدة لإدارة السلطة تتيح مزيداً من النفوذ الدستوري والقانوني للشيعة في لعبة تقاسم الحصص بين الطوائف الثلاث الكبرى، أي السنّة والشيعة والموارنة.

عون ونصرالله

هذه الوجهة بدأت تترسخ في عقول الكثير من السياسيين اللبنانيين، إلى درجة قرأ بعض سياسيي 8 و14 آذار خطوة الحريري تأييد سليمان فرنجية بأنّها في مضمونها خطوة استباقية، ومحاولة التفاف على سلّة التعديلات التي يحملها حزب الله لتعديل الدستور وقواعد السلطة التنفيذية. بمعنى أنّ حزب الله لايريد أن يقوم بحملة شبيهة بما جرى في 7 ايار لفرض اتفاق يشبه “الدوحة”، ولا يريد أن ينهمك دوماً بإيجاد قوة تعطيلية من خلال تحالف قد لا يتوفر دوماً كما كان حال التحالف مع العماد ميشال عون والذي يبلغ بعد أيام عامه العاشر.

إقرأ أيضاً: هل يئس ميشال عون من «الوعد الصادق» فصعد إلى معراب؟

إزاء كل هذه اللأفكار، التي تتسرب وتتردد في أكثر من محفل حزبي وسياسي، ثمّة نقطة جوهرية لم يبلغها حزب الله ولن يبلغها بتقدير الكثيرين، وهي مسألة وجود قوة حزبية مسلّحة تطمح إلى فرض قواعد جديدة للسلطة من دون أن تبديَ أيّ استعداد للإلتزام بشروط الدولة والدستور. إذ كيف يمكن خلق مناخ تنافسي في أيّ انتخابات نيابية بين جهة مسلحة وأخرى غير مسلحة. هنا يصبح الحديث عن النظام الإنتخابي بلا معنى إن كان نسبياً أو أكثرياً، فهيبة السلاح وسطوته في يد مرشح تخلّ بشروط المنافسة. قد يقول البعض أنّ المال الإنتخابي أيضاً يخلّ وهذا صحيح لكن الحلّ ليس في وجود هذين العاملين السلبيين واللذين يضربان العملية الديمقراطية بل بإلغائهما تماماً.

إقرأ أيضاً: الخوف الشيعي من السلاح

حزب الله يطمح إلى فرض تعديلات على قواعد السلطة مستفيداً من لحظة القوة، لكنه في الواقع هو، كما إيران، يعتبران أنّ دُرَة تاج القوة للمشروع الإيراني في المنطقة هو سلاح حزب الله. وهذا السلاح لن تتخلى عنه إيران ولن يطالب الغرب بإزالته في المدى المتوسط، وليست اسرائيل على استعداد للمغامرة بإنهائه، لأن وظيفته اليوم هي مواجهة عدو مشترك اسمه الأول “الإرهاب” واسمه الكامل “الإرهاب السني”. في لحظة القوة هذه التي يستشعرها حزب الله، يريد تحقيق مكاسب جديدة باسم الطائفة لكن من دون أن يمسّ أحدٌ السلاح… وأيّ دعوة لإزالته أو ضمّه لسلطة الدولة. يضحك الحزب على من يتلهون باسمي عون وفرنجية، في حين أنه لا يريد عنب بعبدا، بل يريد أن يأكل ناطور الطائف.

السابق
كنعان: لإحترام ميثاق جامعة الدول العربية
التالي
بيان كتلة المستقبل: الخامنئي استنكر الاعتداء على السفارة السعودية فيما باسيل نأى بالنفس!