سيمور هيرش عن سوريا: الجيش تحايل على أوباما!

مقال فيه معلومات مهمة عن حقيقة موقف الجيش الاميركي من سوريا وحكم الاسد. وكيف مرر الجيش الأميركي معلومات وخطط مهمة للاسد حول المجموعات المعارضة...عبر المانيا وروسيا وإسرائيل

تفاصيل مثيرة للاهتمام بشأن التناقضات بين القيادتين العسكرية والسياسية في الولايات المتحدة حول سوريا، كشفها الصحافي الأميركي البارز سيمور هيرش، في آخر تقاريره الاستقصائية، التي تحدث فيها عن هواجس المؤسسة العسكرية الأميركية إزاء سياسات الرئيس باراك أوباما السورية، وكيف حاولت هيئة الأركان المشتركة التحايل على السياسات المعلنة عبر تمرير معلومات استخبارية للجيش السوري عبر خط غير مباشر، وكيف سعت الى الحد من تسليح الفصائل المتشددة في سوريا، بعدما تبيّن لها عدم وجود ما يسمّى «المعارضة المعتدلة».

وفي تقرير مطوّل نشرته مجلة «لندن ريفيو أوف بوك»، كتب هيرش أن معارضة المؤسسة العسكرية الأميركية لسياسات أوباما السورية تعود الى صيف العام 2013، حين توقع تقرير «سري للغاية» قامت بإعداده وكالة الاستخبارات الدفاعية (دي أي آيه) وهيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي بقيادة الجنرال مارتن ديمبسي أن يؤدي سقوط نظام الرئيس بشار الأسد إلى الفوضى، وربما سيطرة «الجهاديين» المتشددين على سوريا، كما حصل في ليبيا.
ونقل هيرش عن مستشار سابق رفيع المستوى في هيئة الأركان المشتركة قوله إن الوثيقة استندت الى معلومات ومؤشرات تم جمعها بواسطة الأقمار الاصطناعية والعناصر الاستخبارية، وأنها قدّمت صورة متشائمة إزاء إصرار أوباما على الاستمرار في تمويل وتسليح ما يسمى «المجموعات المعارضة المسلّحة».وأضاف «في تلك المرحلة، كانت وكالة الاستخبارات المركزية (سي أي ايه) تتعاون، ولفترة تجاوزت العام، مع بريطانيا والسعودية وقطر لنقل الأسلحة والعتاد ـ بغرض إسقاط الأسد ـ من ليبيا إلى سوريا عبر تركيا».

اقرأ أيضًا: القرار 2254 وميزان القوى

وبحسب الوثيقة الاستخبارية التي استند إليها هيرش في تقريره، فإنّ «تركيا بالتحديد كانت تمثل العقبة الرئيسة لسياسة أوباما حيال سوريا».
ونقل هيرش عن المستشار السابق في هيئة الأركان المشتركة، المذكور أعلاه، أن «تركيا استمالت البرنامج الأميركي السري لتسليح ودعم (المتمردين المعتدلين) الذين كانوا يقاتلون الأسد» وأن هذا البرنامج بات ينقل التقنيات والسلاح واللوجستيات الى جميع قوى المعارضة في سوريا، بما في ذلك «جبهة النصرة» و «داعش».
وتحدث هيرش عن اضمحلال ما يسمى «المعتدلين»، خصوصاً «الجيش السوري الحر»، حيث خلص التقييم الاستخباري بأنه «لا توجد معارضة معتدلة قابلة للحياة» وأن «الولايات المتحدة تسلح متشددين».
وأشار هيرش الى ما أكده مدير «وكالة الاستخبارات الدفاعية» الجنرال مايكل فلين خلال الفترة الممتدة بين العامين 2012 و2014، بأن الـ «دي أي آيه» وجهت عدداً كبيراً من الرسائل السرية للقيادة السياسية بشأن التداعيات الخطيرة لسقوط نطام الأسد. وبحسب الجنرال الأميركي فإن «الجهاديين» يسيطرون على المعارضة السورية، وأن تركيا لم تبذل ما يكفي من الجهود لوقف تدفق المقاتلين الأجانب والأسلحة عبر الحدود.
ونقل هيرش عن فلين قوله «فهمنا جيداً الاستراتيجية الطويلة الأمد لداعش وخططه، وناقشنا حقيقة أن تركيا تنظر بشكل مختلف الى مسألة تنامي الدولة الإسلامية داخل سوريا».

اقرأ أيضًا: «مصير الأسد» يتحكّم بمصير التفاوض والقرار الدولي
ومع ذلك، أشار فلين إلى أن الإدارة الأميركية لم تتجاوب مع تقارير الـ «دي أي آيه»، موضحاً «شعرت بأنهم لا يريدون سماع الحقيقة».
ونسب هيرش الى مستشار هيئة الأركان المشتركة قوله إن «سياستنا بشأن تسليح المجموعات المعارضة للأسد لم تكن ناجحة، لا بل أنها تركت، في الواقع، أثراً سلبياً». وأضاف أن «هيئة الأركان المشتركة كانت تعتقد بأنه لا يجوز استبدال الأسد بالأصوليين»، مشيراً إلى أن «سياسة الإدارة الأميركية شابها التناقض، إذ كانت تريد رحيل الأسد في حين كانت تدرك أن المعارضة يسيطر عليها المتطرفون… فمن الذي سيحل مكانه؟ يمكنك القول إن رحيل الأسد أمر جيد ولكن إذا كنت تعتقد أن أي شخص آخر أفضل منه فتلك مشكلة. ولذلك كانت فكرة أن (أي شخص أفضل) هي مشكلة هيئة الأركان المشتركة مع سياسة أوباما».
ومع ذلك، أشار المصدر إلى أن هيئة الأركان المشتركة كانت تشعر بأن جهداً مباشراً لتحدي سياسة أوباما ستكون فرص نجاحه معدومة.
ولهذا السبب لجأت هيئة الأركان المشتركة، في خريف العام 2013، الى الشروع في خطوات ضد المتشددين من دون المرور عبر القنوات السياسية، وذلك من خلال تقديم معلومات استخبارية الى جيوش دول أخرى، مدركة بأن هذه المعلومات ستجد طريقها الى الجيش السوري، وبالتالي يمكنه استخدامها ضد العدو المشترك: «جبهة النصرة» و «الدولة الإسلامية» ولفت إلى أن الاختيار وقع على ثلاث جهات قادرة بشكل أو بآخر على تمرير هذه المعلومات، وهي ألمانيا القلقة من أثر توسع «داعش» على سكانها المسلمين البالغ عددهم ستة ملايين، وروسيا التي تعتبر الحليف القوي للأسد والقلقة من المخاطر المحدقة بقاعدتها البحرية في طرطوس، وإسرائيل القلقة من تصاعد الأحداث عند حدودها مع سوريا.
وبحسب المستشار في هيئة الأركان المشتركة فإن الهدف لم يكن الانحراف عن سياسة أوباما، ولكن «نقل تقييماتنا عبر العلاقات العسكرية ـ العسكرية مع دول أخرى ربما يكون أمراً مثمراً. وكان واضحاً أن الأسد في حاجة الى معلومات استخبارية تكتيكية ونصائح عملياتية». ولفت، في هذا الإطار، إلى أن «هيئة الأركان المشتركة خلصت إلى أنه في حال توافر هذه الاحتياجات فسيكون ممكناً تحسين شروط القتال ضد الإرهاب الإسلامي». وأضاف أن «أوباما لم يكن على علم بما تقوم به هيئة الأركان المشتركة في كل ظرف، وهذه حال كل الرؤساء».
وانطلاقاً من هذه الخطة، أشار هيرش إلى أنه مع بدء تدفق المعلومات من قبل الاستخبارات الأميركية، راحت ألمانيا وإسرائيل وروسيا تمرر للجيش السوري معلومات حول مواقع الجهاديين وخططهم، وفي المقابل فإن الجيش السوري كان يقدّم معلومات حول قدراته وخططه. وشدد على أنه لم يكن هناك اتصال مباشر بين الجيشين الأميركي والسوري، ولكنه نقل عن المستشار العسكري قوله «لقد قدمنا معلومات – تضمنت تحليلات شاملة عن مستقبل سوريا أعدها متعهدون وإحدى كلياتنا الحربية ـ وتركنا للدول (الثلاث) حرية استخدامها بالطريقة التي تريد بما في ذلك إشراك الأسد بها».
وبحسب المستشار العسكري فإن هذه المعلومات «كانت تعبيراً عن تعاون بين مؤسسات عسكرية وليست خطة شريرة للتحايل على أوباما ودعم الأسد من وراء ظهره. وهي كانت خطة ذكية، ففي حال استمر الأسد في الحكم، فلن يكون السبب أننا دعمناه بل لأنه كان ذكياً واستخدم المعلومات الاستخبارية والنصائح المفيدة التي قدمناها للآخرين».
وتطرّق هيرش في تقريره الموسع الى العلاقات التاريخية المضطربة بين سوريا والولايات المتحدة، لكنه تحدّث عن بعض الجوانب في التعاون السري بين الجانبين، وخصوصاً على المستوى الأمني، حيث ذكر على سبيل المثال الحرب على تنظيم «القاعدة» بعد هجمات 11 أيلول، وإحباط الاستخبارات السورية هجوماً كان يحضره التنظيم المتشدد على المقر الرئيسي للأسطول الخامس في البحرين، وتسليم الولايات المتحدة أقارب للرئيس العراقي صدام حسين لجأوا الى سوريا، وفتح سجونه لاستقبال معتقلي «القاعدة» وتعذيبهم… وخلص إلى القول إن هذا التعاون الأمني أفسح المجال أمام هيئة الأركان المشتركة للتعاون بشكل غير مباشر مع الجيش السوري.
ولكن هيرش أكد في المقابل أن هذا التعاون كان مشروطاً، إذ عرضت هيئة الأركان المشتركة أربعة مطالب هي: ضرورة قيام الأسد بمنع «حزب الله» من شن هجمات على إسرائيل، واستئناف المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية حول هضبة الجولان، والموافقة على التعاون مع مستشارين عسكريين من روسيا ودول أخرى، والتعهد بإجراء انتخابات تكون مفتوحة أمام تشكيل واسع من الفصائل بعد انتهاء الحرب.
وإذ أشار المستشار الأميركي إلى أن الإسرائيليين أبدوا رداً إيجابياً على هذه المقترحات، قال هيرش إن العرض الأميركي رُفض لاحقاً من قبل إسرائيل وتركيا، بعدما ظن الطرفان أن «الأسد قد انتهى» أو «يقترب من نهايته».
وبحسب المستشار الأميركي فإن هيئة الأركان المشتركة سعت الى التعرف على ما يحتاجه الأسد كإشارة عن حسن النية، فجاءت الإجابة من خلال صديق للرئيس السوري: «أرسلوا لي رأس بندر (بن سلطان)» مسؤول الأمن القومي السعودي، الذي استقال لاحقاً من منصبه.
وأشار هيرش إلى أن مشكلة أخرى واجهت هيئة الأركان المشتركة، وهي تدفق السلاح من ليبيا الى فصائل المعارضة السورية. ونُقل عن المستشار العسكري الأميركي قوله «لم تكن هناك أي طريقة لوقف شحنات أسلحة أمر بها الرئيس». وكان المخرج هو إقناع «سي آي إيه» بالبحث عن مصدر للأسلحة رخيص. وفي هذا الإطار قال المستشار الأميركي «نسقنا مع أتراك نثق بهم، وليسوا موالين (للرئيس التركي رجب طيب) أردوغان، وطلبنا منهم شحن أسلحة انتهت صلاحيتها للجهاديين… وكانت هذه رسالة للأسد مفادها: لدينا القدرة على تعطيل سياسة الرئيس في مسارها».
وتحدث هيرش عن اجتماع سري عقده مدير الـ «سي أي آيه» جون برينان مع قادة أجهزة الاستخبارات في دول عربية وشرق أوسطية في واشنطن خلال شهر كانون الثاني العام 2014، وكان الهدف منه إقناع السعوديين بوقف دعم المسلحين السوريين. وبحسب ما قاله المستشار العسكري الأميركي فإن السعوديين أبدوا في أول الأمر استعدادهم لسماع المقترحات، ولكنهم تجاهلوا مطالب برينان وواصلوا تقديم الدعم للمجموعات المتشددة، وهو ما قامت به تركيا ايضاً، في ظل حلم أردوغان باستعادة أمجاد السلطنة العثمانية.
وفي ما يتعلق بروسيا، تحدث هيرش عن تاريخ من التعاون على المستوى الاستخباري بين موسكو وواشنطن، برغم الاختلاف السياسي.
ونقل هيرش عن مستشار عسكري أميركي قوله إنه في الوقت الذي يتهم فيه أوباما روسيا بضرب المعارضة المعتدلة، فإن سلاح الجو الروسي نجح في ضرب المجموعات المسلحة كافة التي تهدد الاستقرار في سوريا. وأشار إلى أن الغارات الروسية تستهدف فتح ممر خال من الجهاديين بين دمشق واللاذقية والقاعدة البحرية في طرطوس.
وأشار إلى أن الجنرال فلين أثار غضب البيت الأبيض لأنه «ظل مصراً على قول الحقيقة بشأن سوريا»، على حد قول المسؤول السابق في الاستخبارات العسكرية باتريك لينغ. وذكّر هيرش بما قاله فلين لمجلة «در شبيغل» حين دعا الإدارة الأميركية إلى العمل بشكل بناء مع روسيا، قائلاً «سواء أحببنا أم كرهنا، فقد قررت روسيا التدخل عسكرياً، وهم (الروس) هناك، وقد أحدث ذلك تغييراً في الدينامية، ولهذا لا يمكنكم القول إن روسيا سيئة ويجب أن تنسحب.. هذا لن يحدث اصحوا!».
وختم هيرش تقريره بالقول إن «الخط العسكري غير المباشر للأسد اختفى بتقاعد ديمبسي في أيلول الماضي.

(السفير)

السابق
الراعي في بكركي: للالتقاء حول المبادرة الجدية المدعومة دولياً وإهداء البلاد رئيسها
التالي
عضو هيئة رقابية في مكافحة تبييض الاموال على اللائحة السوداء؟!