عذراً جنرال..أنت أو لا أحد

يبدو ان العهد الذي قطعه الرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجيه بدعم ترشحه لرئاسة الجمهورية أقوى وأكثر جدية من الوعد الذي منحه سابقاً للجنرال ميشال عون..والذي ضاع في مهب الريح، من دون ان يتضح حتى الان سبب ذلك الضياع. الرئيس الحريري لا يناور هذه المرة. هذا ما يؤكده فريقه. وكأنه يجزم بان ترشيح عون، كان مجرد مناورة، هدفت يومها -على ما قيل -الى توفير شبكة أمان لحكومة الرئيس تمام سلام..التي تعطلت عندما اكتشف الجنرال الخدعة، ورد على طريقته الانفعالية بلائحة مطالب جذرية تنشد اعادة بناء الجمهورية، وتشكيل مؤسساتها من نقطة الصفر.

اما لماذا جرى وقف تلك المناورة، فإن الامر لا يمكن أن ينسب، على ما ظنّ عون، الى الراحل وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل او سواه من المسؤولين السعوديين، الذين لا يكنون الود بالطبع للجنرال، المنتمي علناً الى المحور المناهض لهم، لكنهم لم يكونوا على علم مسبق بوعد الحريري له، وما اذا كان يتخطى الايحاء لعون بانه كان وسيبقى مرشحاً شرعياً، عندما، او بعد أن تنجح حكومة سلام!

لم تجر مراجعة وقائع تلك المناورة، التي لا شك أنها ألحقت الكثير من الأذى بالحكومة بل وبالجمهورية كلها، نتيجة التلاعب بعون وعواطفه، بشكل غير مبرر، بل غير لائق ، لا بالنسبة الى رجل كهل تفانى في خدمة البلد، ويحلم بان ينهي حياته مكرماً في قصر بعبدا الذي طرد منه يوماً، ولا بالنسبة الى غالبيته النيابية والمسيحية التي لا جدال فيها حتى الان، والتي تشعر اليوم بانها خدعت مرة وطعنت مرات، وهي وجهة نظر لا تجافي الحقيقة. قدمت بعض التبريرات اللاحقة لسحب إسم عون من التداول، التي تبدو اليوم مثيرة للسخرية، منها انه لا يمكن استعادة الجنرال وتياره وجمهوره لا من حضن حزب الله ولا من خصر النظام السوري، ولا من ظهر الحكم الايراني…مع العلم ان أحداً لم يفكر يومها في ان يخضع العونيين لمثل هذا الاختبار لكي يحدد مدى استعدادهم واستعداد مرشحهم الرئاسي للعودة الى منتصف المسافة بين طرفي النزاع السني الشيعي.

اقرأ أيضًا: فرنجية: صديق الشهيد مغنية، المقاوم، رئيساً

اليوم، بدلا من محاورة الجنرال بشجاعة وصراحة وسؤاله رأيه في أحد ابناء “خطه السياسي”، وفي سبب إسقاط الوعد بترشيحه للرئاسة، يجري اليوم توجيه إساءة جديدة إليه، لا تقل عن سابقاتها، من خلال تقديم مرشح رئاسي بديل، لا يمكن لأحد ان يتوهم أنه يمكن، حتى إذا شاء، ان يبتعد ولو خطوة واحدة عن الحزب او عن دمشق او حتى عن طهران.

مهما كان وعد الاصلاح والتغيير، أجوف أفرغته التجربة من محتواه وأختزلته بالمناصب والحصص العائلية، فإن في ترشيح فرنجية ما يشبه الاهانة القاسية للجنرال، الذي يمكن ان يكسب المزيد من الشعبية والشرعية المسيحية، لكنه قد ينهار تماماً تحت وطأة واحدة من اسوأ وآخر هزائمه السياسية. عندها لن ينجو كثيرون من الشعور بالذنب، ولن يفلت أحد من مسؤولية وداع واحد من أشهر جنرالات الجيش اللبناني وأقوى رموز السياسة اللبنانية..بغض النظر عن أي خلاف سياسي معه.

العودة الى الجنرال مستحبة، لا بداعي الرأفة ولا الشفقة. ثمة ما يؤكد الان واكثر من أي وقت مضى أنه كان ولا يزال أفضل المرشحين الاقوياء وأنسبهم..حتى في سنه المتقدم، ولسانه المتفلت، وسلوكه المنفعل، وبرنامجه المشدد الذي يمكن، بقليل من الروية والحنكة ان ينقلب رأساً على عقب، وان يصبح التمسك بخيار المقاومة موقفاً فقهياً، والتعلق بنظام بشار الاسد خياراً اكاديمياً، والتفاعل مع الحكم الايراني بحثاً فكرياً في أسرار الخصم التاريخي للأمة العربية.

اقرأ أيضًا: عون يفاجىء الوسطاء: «لماذا الحريري هو من سيختار سليمان فرنجيه»؟

مع الجنرال يمكن ان تصبح الجمهورية أكثر إستقراراً وتواضعاً، وان تصير السياسة اللبنانية أشد طرافة وحيوية، وان تكون عملية التغيير والاصلاح حفلة دبكة مسلية لا يمل منها أحد طوال ست سنوات في الحد الاقصى..

الاعتذار من الجنرال واجب اليوم أكثر من أي وقت مضى..لأن “إحراقه”جرى ولا يزال يجري بطريقة بشعة فعلاً.

(المدن)

السابق
أهالي العسكريين المخطوفين لدى داعش يلتقون رئيس بلدية عرسال
التالي
بالصور.. متّع نظرك بمشاهد مذهلة من العالم…