استنطاق العسكريين الأسرى… ومهزلة الاعلام اللبناني!

العسكريين المحررين
طغى أمس على المشهد اللبناني حدث تحرير العسكريين اللبنانيين لدى "جبهة النصرة"على كافة الملفات وهذا الحدث الوطني بامتياز لم يوحّد اللبنانيون. بل على العكس، تحوّلت مواقع التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام إلى جبهات قتال وحلبات مصارعة تراشق الناشطون فيها الإتهامات والتخوينات وهي لم تستثنِ حتّى العسكريين المحرّرين.

انقسم الرأي العام اللبناني أمس حول إشكالية اطلاق العسكريين، وذلك بعد ورود عبارات شكر لتنظيم النصرة على حسن المعاملة من قبل عدد من العسكريين المفرج عنهم، فامتعض البعض حيال عدم التعرّض لجبهة النصرة ووصفها بالارهاب كما كانوا يطمحون، في حين أنه لم يمضِ على تحرير العسكريين المستصرحين من أيدي الجبهة سوى ساعات قليلة. علمًا أن حملات الإنتقاد بدأت تطالهم حتى قبل إتمام عملية التبادل، عندما كان هؤلاء العسكريون لا يزالون تحت رحمة النصرة وفي الأراضي اللبنانية التي يسيطر عليها التنظيم.

اقرأ أيضاً: (بالصور): هكذا تتم عمليّة التبادل بين الجيش والنصرة في عرسال

هكذا تحوّل حامي الوطن ببرهة إلى خائن وداعم للإرهاب، وأصبح لا يستحقّ كل التضحيات والمفاوضات الشاقة التي أجريت خلال سنة وأربعة أشهر بهدف عودتهم إلى عائلاتهم وذويهم.

هكذا نصّب البعض نفسه قاض يطلق الأحكام والاتهامات دون الأخذ بعين الإعتبار الظروف والدوافع النفسية والإجتماعية التي دفعت العسكريين للتصريح لذلك. ولم يكلّف أحد نفسه الإستفسار عن الأثار النفسية التي تترتب عن بقاء أسرى لمدة 487 يومًا من الضغط تحت رحمة تنظيم أصولي متشدد، كما أنه لم يؤخذ بعين الإعتبار حالة الخوف التي يمكن أن تكون ما زالت مسيطرة على مشاعر العسكريين حتى ولو بعد اطلاق سراحهم، كما والأهم، لم تطرح فرضية أن يكون التنظيم الإرهابي تقصد التأثير بطريقة ما على أسراه..

كل هذه الأسئلة أجاب عنها الدكتور في علم النفس أحمد عصفور لموقع ” جنوبية” قائلاً “يتأثر عادة من يتمتعون أساسًا بشخصية وأفكار ومواقف قريبة للتيارات الاسلامية كالقاعدة والنصرة، فيشعرون ان من أسرهم يشاركهم العقيدة ببعض الحسنات الإلهية”. لافتًا إلى أن هذا يحدث في حال “عرف عناصر النصرة أي من الأسرى أقرب اليهم، وبالتالي يسهل عليهم برمجته فكريا”.

وأضاف دكتور عصفور “من يعتنق أفكارا معاكسة أو معادية في الأساس لتوجهات الجلّاد فانه سيشعر بالخوف الثقيل الى جانب الحقد وحب الإنتقام”. وأشار إلى أنه “في هذه الحالة يسقط أحيانًا شعور الحقد لبرهة من الوقت عندما يبتسم الجلاد له ويفتح له باب الحرية… فإن الحرية تجعله لبرهة من الوقت ينسى الخوف مع شعور بالامتنان لما اعتقده مستحيلا في لحظة ما، أو اعتبره موتا محتمًا”. و أضاف متابعا ” الصدمة النفسية وقد تجعله يقبل يد الجلاد ويتسامح منه ايضا لاعتقاده أن الجلاد وهبه الحياة من جديد. مشيرا إلى ان “الذي يكون محايدا بالأصل ولا موقف له من السياسة والدين فمشاعره تكون عادة ردات فعل على الحدث فقط”.
وعن مدى إستمرار هذا التأثير قال عصفور أنه “على المدى البعيد، يعود كل من المعتقلين الى موقفه السابق ولو تذكر بعض المعاملة الحسنة…فالمعاملة الحسنة لا تكفي ليغير بيار جعجع العسكري المحرر دينه ولا تزيد من ثقافة رهينة أخرى، إّذا يعود كل من الرهائن الى شخصيته الاصلية وتصبح الحكاية قصة تروى مع بعض الخيال للأهل والأصحاب والأحفاد”.

وحول سؤالنا عما إذا كانت النصرة تقصدت التأثير على العسكريين أجاب أنه “لو كانت جبهة النصرة على هذا الحد من الذكاء لكانت اثرت بالشعوب بطريقة أفضل ومختلفة عبر الإعلام والسلوك…ولكن يبدو ان النصرة لا تهتم برأي رهينة واحدة وهي التي خسرت مئات الآف من الناس بطريقة واضحة”.

كذلك شرح عصفور شكر العسكريين قائلاً “إن تشكر النصرة على أرض تسيطر عليها النصرة لا قيمة له ابدا، أما ان تشكر النصرة على أرض آمنة فهو امر مختلف، ويعني أن مطلقها أما ما زال يعيش صدمة الحرية، أو هو بالأصل له أفكار ومواقف قريبة للتيارات الاسلامية كالقاعدة والنصرة”.

وعن الحملة الإنتقادات الواسعة التي تعرض لها الجنود اللبنانيين أشار عصفور إلى عدم أخذ الإعلام اللبناني بعين الإعتبار للمشاعر والشق النفسي قائلاً إن “الاعلام اللبناني مسكين…بشبه الفتاة التي تعتقد أنها إذا لبست ثياب انجلينا جولي ستصبح ساحرة بجمالها، فعلى سبيل المثال الإعلامية اللبنانية التي تجري مقابلة مع والد الشهيد مدلج وهي تبتسم وهو يبكي…وتقطع البث مبتسمة بفرحة التحرير ووالد مدلج يبكي ابنه… اعلام بحاجة لاعادة تأهيل وتوجيه وتدريب !”.

اقرأ أيضاً: صفقة التبادل بين الجيش وجبهة النصرة لم تخلُ من مفاجآت…

وكذلك”أن تجري اتصالا بوالد الشهيد حمية وسط صراخ وزغاريد من السرايا للوقوف على رأيه… فهذا هو التخلف الاعلامي المقيت… ودعس على مشاعر الناس من اجل خبر عاجل سخيف”.

السابق
فرنجية مرشح «سوريا بوتين» وليس سوريا الاسد!
التالي
فتحُ قناة التواصل المفقود مع «داعش» رأس الخيط لتحرير العسكريين