ديبورا لي جيمس واستحالة الانتصار على “داعش” بلا قوات على الأرض

للمرة الأولى تعترف ديبورا لي جيمس قائدة سلاح دفاع الجو الأميركي بحالة عجز التحالف الدولي لمحاربة داعش بعدم القدرة على حسم المعركة، وربما قيل ما قيل هنا في واشنطن عن طبيعة الحرب الأميركية على داعش في سوريا والعراق وعن طبيعة تلك المرحلة وفيما إذا كانت الضربات الجوية ناجحة أم لا، لأول مرة تأتي التصريحات واضحة وهذه المرة من “امرأة” مهمة وجدية ومسؤولة، والأهم أنها على رأس عملها، أي من داخل الإدارة الأميركية اليوم.

قالت ديبورا لي جيمس قبل أيام في تصريحات للصحافيين في دبي إن الغارات الجوية التي ينفذها التحالف الدولي تضعف تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن الحملة تتطلب وجود قوات على الأرض للقضاء على التنظيم.

وجود قوات على الأرض في الحقيقة إشكالية تخيف الذاكرة الأميركية منذ حربي أفغانستان والعراق، وبالتالي يميل الرأي العام الأميركي إلى عدم التدخل المباشر في الحروب الخارجية، وإذا ما حصل فالإدارة الأميركية الحالية تفضل الحرب عن طريق الوكلاء و الحلفاء أو من بعيد، من السماء والجو.

القوى الجوية الأكبر تكنولوجيا

ديبورا لي جيمس قائدة سلاح الجو الاميركي كانت قد رُشحت لهذا المنصب عن طريق الرئيس باراك أوباما فهي قد عملت من قبل، كمسؤولة تنفيذية في صناعة الدفاع ومساعدة سابقة لوزير الدفاع، لمنصب وزير سلاح الجو الأميركي.

وقد أشاد بترشيحها الرئيس أوباما في العام 2013 بقوله إن “سجل جيمس القوي في الخدمة العامة والقيادة في القطاع الخاص يجعلها مؤهلة على نحو فريد لأن أرشحها لمنصب وزير سلاح الجو”، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن منصب “وزير” يطلق على قائد المشاة أو قائد البحرية في الولايات المتحدة وهذا لا يعني أنه وزير بحقيبة مثل وزير الدفاع، فهو لقب ومنصب فقط.

ولدت ديبورا لي جيمس في ولاية نيوجيرسي وحصلت على شهادة البكالوريوس في الدراسات المقارنة من جامعة ديوك في دورهام بولاية نورث كارولينا. في وقت لاحق حصلت على درجة الماجستير في الشؤون الدولية من جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، وقد تم تعيينها وتثبيتها في منصبها الذي تُعتبر فيه مسؤولة عن شؤون وزارة القوات الجوية، بما في ذلك تنظيم وتدريب وتجهيز وتقديم ما يلزم من أجل حياة أفضل لأكثر من 000 690 ممن هم في قطاع القوات الجوية بمن فيهم الاحتياط والمدنيين الطيارين وأسرهم.

منذ الأيام الأولى لتقلّدها منصبها الجديد كان عليها التعامل مع واقع الخدمات في هذا القطاع الذي كان يترنح من تأثير تقليص الميزانية في عام 2013، كذلك واجهت مشاكل مع الشركة التي تصنع الطائرة الأحدث في الأسطول الجوي الحربي الأميركي وهي شركة لوكهيد مارتن التي تصنع طائرة اف35 الجيل الثاني.

لا نصر عبر الوكلاء

أثناء إدارة الرئيس السابق بين كلينتون، عملت جيمس في وزارة الدفاع الأميركية بمنصب مساعد وزير الدفاع لشؤون الخدمات الاحتياطية. في هذا المنصب، كانت كبيرة مستشاري وزير الدفاع في جميع المسائل المتعلقة بالقوات البالغ عددها نحو 1800000 من الحرس الوطني والاحتياط في جميع أنحاء العالم. بالإضافة إلى العمل على نطاق واسع مع الكونغرس وحكام الولايات ومجتمع الأعمال والجمعيات العسكرية والمسؤولين الدوليين، أشرفت على ميزانية قدرها عشرة مليارات دولار وكان نحو مئة مسؤول وموظف يعملون تحت إمرتها.

وتعتبر القوات الجوية الأميركية الأكبر والأكثر تكنولوجيا بين كل قوات الجو الموجودة في العالم، ونوهت جيمس في تصريحاتها الأخيرة أيضا إلى أن “القوة الجوية مهمة جداً، حيث يمكنها القيام بالكثير، لكن لا يمكنها القيام بكل شيء، فهي في نهاية المطاف لا يمكنها أن تسيطر على الأرض”.

لا نصر يلوح بالأفق على داعش دون هؤلاء الوكلاء، لأن الادارة الأميركية تعتبر أن تنظيم داعش يشكل خطرا جديا على الأمن القومي الأميركي، على خلاف فهم المعارضين من الجمهوريين الذين يقولون إن أحد أهم أسباب ظهور داعش وبروز التنظيمات الراديكالية في سوريا هو نظام بشار الأسد ذاته، وبالتالي يأتي تصورهم للحل العسكري في سوريا مختلفاً تماما عن فهم و رؤية الإدارة الديمقراطية للرئيس أوباما. وتتابع قائدة سلاح الجو الاميركي حديثها في هذا الإطار خلال معرض دبي للطيران بالقول “نحتاج إلى قوات على الأرض، ويجب أن تكون ثمة قوات برية في هذه الحملة، معددة نماذج لهذه القوات كالجيش العراقي والمقاتلين الكرد وفصائل المعارضة السورية التي يصنفها الغرب بالمعتدلة”.

وأشارت ديبورا المرأة “المدنية” بصوتها العسكري الواثق أن القوات الجوية تحقق تقدماً في استراتيجية إضعاف التنظيم، وصولاً في نهاية المطاف إلى القضاء، عليه باعتباره يسيطر على مساحات واسعة من سوريا والعراق، كما تمكن التحالف وبشكل جماعي من دفع التنظيم إلى التراجع في المناطق التي كان يسيطر عليها”، وكشفت أن التحالف ضرب التنظيم في مراكز القيادة والتدريب ومعدات ومخازن الأسلحة، وتم القضاء على آلاف المقاتلين، من بينهم قادة بارزون، واستهداف مصادر دخله.

تصريحات ديبورا تأتي أهميتها من سياق واحد يتعلق بكونها اعترافات ومقدمات لعدم إنجاز المهمة كما يجب، أي لن ينتهي تنظيم داعش ولن يهزم بالهجمات الجوية التي تكلف عادة ملايين الدولارات، وتاليا ثمة أزمة في إدارة المعركة التي على ما يبدو كانت نتيجة للسياسات التي وضعتها الإدارة الأميركية الحالية لكيفية التعاطي مع ما يحصل في سوريا أولا ثم مع ما يحصل في العراق.

 

 

الارتباك

كانت صحيفة نيويورك تايمز قد طرحت أسئلة في أيلول الماضي تتعلق بمدى خطورة داعش وقدرته على تهديد الولايات المتحدة، وهي أسئلة ربما تكمل المشهد والصورة في الارتباك السياسي والعسكري الحاصل في الإدارة الأميركية حول الحرب على داعش. وأكدت الصحيفة أن المشكلة تكمن في عدم اكتمال معلومات الإدارة الأميركية حول داعش وأعدادها وتنظيمها، وهو شيء مقلق في ضوء المليارات التي أنفقتها أميركا منذ 11 سبتمبر 2001 في تطوير تقنيات واستراتيجيات كشف التهديدات الإرهابية وتقييمها.

وسلطت الصحيفة آنذاك الضوء على داعش كجماعة جهادية هامشية تقاتل الأميركان في العراق في منتصف العقد الأول من الألفية الثانية، ثم تسربت للقتال ضد بشار في سوريا، وتحولت سريعاً في وقت سابق هذا العام من محاولة إسقاط النظام السوري إلى الاستيلاء على الأراضي في شمال العراق، مثيرة حالة من الذعر والاضطهاد لكل من يواجهها. وأثبتت وحشيتها بذبح الصحفي الأميركي جيمس فولي.

انقسام الإدارة الأميركية

هناك انقسام بين المسؤولين والخبراء الأميركيين على التهديد الذي يشكّله داعش للولايات المتحدة، إذا وصفه وزير الدفاع بأنه “تهديد وشيك على كل مصلحة لدينا”، ولكن لا يعتقد المتحدث باسم البنتاغون أن لديه “القدرة الآن على شن هجوم كبير داخل الولايات المتحدة”.

دون إجراء تقييم دقيق لهذا التهديد، من المستحيل تحديد الهدف المنشود، فإضعاف المتطرفين كما فعلت أميركا مع تنظيم القاعدة شيء، بينما هزيمتهم شيء مختلف تماماً. وإذا كان وزير الخارجية جون كيري قد صرح “بضرورة تدميرهم”، وكان هذا هو الهدف، فكيف يتم تحقيق ذلك؟

بقيت أسئلة الأميركيين مفتوحة دون أجوبة للرأي العام، وحتى تصريحات قائد سلاح الجو الأميركي لا تعطي الأجوبة المفترضة في حرب تبدو طويلة الأمد وبلا معالم واضحة إلا تصريحات ما بين الحين والآخر عن “سير المعارك والأهداف التي تقصف”.

بكل حال تصريحات المرأة “المدنية” بلغتها العسكرية ديبورا لي جيمس للاعلام قليلة و تكاد لا تصرّح في أغلب الأحيان، باستثناء تصريحها الأخير حول “عدم إمكانية” حسم معركة داعش جوا وقبل ذلك تصريحها حول شن الطائرات الأميركية غارات استهدفت القيادي بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب مختار بلمختار.

وكانت قد تحدّثت سابقا في طاولة مستديرة نظمها “صندوق مارشال الألماني” في بروكسل في يونيو الماضي عن تفادي سباق تسلح أميركي مع موسكو بسبب الأزمة الأوكرانية حين قالت “لقد اتفقنا في إطار الناتو على نشر قوات إضافية وإجراء تدريبات إضافية وتطوير التنسيق بين قواتنا، والولايات المتحدة كدولة عضو في الحلف توافق على ذلك، أنا بالطبع آمل في ألّا يحدث ذلك لكن من يعشْ يرى”.

السابق
عسيري: لبنان يعاني من احتقان سياسي وطائفي ما يعطل انتخاب رئيس
التالي
الذئاب المنفردة قد تشن موجة جديدة من الهجمات في الغرب