لم تكتف الشوارع بأن تكسوها جبال النفايات، حتى دخل الشتاء بخيراته، وهي فقط في لبنان تتحول لنقمات طبيعية على اللبنانيين ككل عام، فكيف وهذه السنة مع جبال النفايات على الطرقات. كانت مكينة العمل الشّعبي للناشطين قد تحركت سابقًا في مراحل عدة وصلت في بعضها إلى الذروة التي وصفها البعض بالمفصلية، ولكني كنت ومازلت أراها حركة شعبية تُعَبِّر عن صرخة حقيقية مهما ارتفع شأنها لن تتخطى حدود الشارع المنتفض على الحرمان، والتي آسف بأن أقول أنه يفتقد في الكثير من الأماكن للقضية المفصلية التي سأتناولها لاحقًا.
اقرأ أيضاً: لغم «الحوار» ينفجر داخل «الحراك»؟
لست بوارد القول أبدًا بأنَّ الحراك غير مجد، ولكن القضية التي نبحث عنها اليوم هي بيت القصيد. عندما ينتفض الشارع تبحث في داخله عن سببٍ جوهري أي القضية التي ذكرتها سابقًا، وليس حجة عابرة لا تتطابق مع ما تم التطرق له من مطالب فضفاضة واكبت التحرك، الأمر الذي شكل المدخل الأساسي لسلوك التحرك الشعبي طريق الهاوية تدريجا.
ليس لأنَّ المشكلة بالمطالب ولكن حقيقة الأمر هي بأنَّ من خرج لمواجهتهم شباب الحراك الشعبي هم مجموعة من المتكتلين حول السُلطة التي تدر عليهم من خيراتها الطبيعية التي تم البناء لها منذ قرابة الربع قرن، كما أنَّ الحُجة تم مواجهتها بطروحات للحل كادت السُّلطة السياسية بأن تتعامل معه بذكاء لو كانت تملك الحد الأدنى من الذكاء في حل المشكلة، طبعًا مع التعالي عن بعض الصفقات والكومنسيونات التي فاحت رائحتها أقله من ردات فعل القيمين على الموضوع بشكلٍ أساسي.
هذا الخلل الجذري الذي إنطلقت منه القوّة الشبابية جعلت منها صيدًا سهلًا للطبقة السياسة التي تملك باعًا طويلًا في تدوير الزوايا، كما أثبتت خبرتهم الواسعة في التمديد والتعطيل المستمر للسياسة الداخلية تحت حجج من غير براهين حقيقية وهي أنهم ليسوا لقمة سهلة لأي فريق يريد أو تسول له نفسه بالإنقضاض على السُلطة وإزاحتهم عنها.
اقرأ أيضاً: الحراك يتراجع… السلطة تتقدم
بالإعتماد على ما تقدّم من خلل في وضع الحراك الشعبي الذي يواجه هذه الحالة السياسية الحالية التي لا بُدَّ وستزول عند وجود القضية التي ذكرتها سابقًا، فإنَّ القوة الحقيقية التي رصدها الحراك الشعبي قد تهاوت تدريجا بإنتظار أن تكون القضية مصدرًا جديدًا لثورة فعلية قد تطيح بربع قرن من الفسادالمستشري في أروقة السُلطة في لبنان.