عن المعجزة المسيحية

ساطع نورالدين

عندما يجتمع المسيحيون على كلمة سواء، على موقف، فانه يجوز الإعلان عن عيدٍ وطنيٍ يحتفي بحلول المعجزة، ويسجلها في كتب التاريخ، ويبني عليها احلاماً وردية، بدل التشكيك بها والتشهير بصانعيها باعتبارهم مرتدين الى هويتهم الطائفية الاصلية، وعصبيتهم الدينية الأولى.
المعجزة حاصلة اليوم، وهي لا تحتاج الى برهان، بل فقط الى قدر بسيط من المسؤولية السياسية، التي تسمح للمسلمين بالتثبت من كونها حقيقية، والتسليم بقدرة المسيحيين على إستثمارها في معركتهم الحالية من اجل استعادة الحقوق السليبة والتوازنات المفقودة، منذ نحو خمسة وعشرين عاماً او أكثر.
لا يهم من هو بطل هذه المعجزة الخارقة ومن هو المستفيد الاول منها.. برغم ان مفارقتها الابرز هي انها ليست من صنع الكنيسة، بل ربما على مسافة منها، وتطمح ضمنا الى تنحية المؤسسة الدينية جانباً. وهو ما لا يمكن ان يحدث مع أي من الطوائف الاسلامية التي صار المسجد منارتها الوحيدة، ومركز تجمعها، ومصدر إلهامها، بل ربما مكان تخطيطها السياسي الابرز.
ما تضمره، وما تظهره الكنيسة من رضا على حصول تلك المعجزة، لا يخفي ولا يعوض حقيقة فشلها طوال أشهر الفراغ وسنوات القحط في جمع أبنائها في غرفة واحدة وعلى بيان موحد، ومرشح أوحد لأي منصب رسمي. والبركة التي منحتها لصانعي المعجزة، او بالاحرى التي طلبت منها في اللحظة الاخيرة، كانت أشبه بتحصيل الحاصل، الذي يكسب الانجاز الالهي الجديد الذي حققه الزعماء السياسيون، زخماً دنيوياً إضافياً.

الراعي والمسيحيون
لكن ما تحقق ليس كافياً. بل هو يمكن ان يضيع مثل سحابة خريفية عبرت السماء بسرعة ولم تخلف مطراً. العودة بالزمن الى تلك المرحلة “الجميلة” من الاستقطاب الطائفي بين جناحي الوطن المسلم والمسيحي، والذي انحدر في الاونة الاخيرة الى استقطاب مذهبي وجغرافي حاد، لا تحجب الافتعال الكامن في ذلك الالتقاء المسيحي الطارىء، ولا في ذلك التوافق السني الشيعي المزيف.. ولا تلغيهما طبعا.
مع ذلك، فان ثمة تفاؤلا بان المسيحيين، حتى ولو كانوا يستفيدون من الشرخ الاسلامي الاسلامي العميق، ينتفضون الان من أجل مصلحة مسيحية فعلية، لا من أجل مكسب سياسي مؤقت وعابر وخاص. حق النقض الذي يستخدمونه الان ضد المسلمين يستدعي الكثير من الخطوات اللاحقة التي يبدو أنها اكبر من قدرة كنيستهم وقياداتهم السياسية الحالية.
ما زال التماهي بين الوطنية اللبنانية وبين الهوية المسيحية صالحاً للاستخدام، بل لعل صلاحيته زادت بعدما هاجر السنة الى السعودية وهاجر الشيعة الى إيران وعادوا من البلدين بإستنفار مذهبي لم يسبق له مثيل. وبرغم ان المسيحيين كانوا شركاء في هذه الهجرة لكن أحداً لا يستطيع ان يتهمهم اليوم بأنهم يجتمعون على كلمة سر جاءت من الرياض او من طهران او من الفاتيكان او من موسكو او من أي مكان آخر في العالم.
معجزتهم الظاهرة في هذه الايام هي محلية جداً، وقد تكون أهم إعلان مسيحي بالافتراق عن الخارج كله. وهو ما لا يستطيع ان يحلم به لا السنة ولا الشيعة. وهنا يكمن التحدي الاول: هل سينتقل المسيحيون من الاجتماع الحالي على رفض الامر الواقع الاسلامي، الى شكل من أشكال العزلة( الانعزال حسب التعبير الذي شاع في الحرب الاهلية)، ام الى نوع من أنواع المبادرة الى أفكار طموحة وجريئة من أجل إعادة إنتاج الجمهورية على أسس طائفية جديدة، بعيدة عن أوهام المدنية والعلمنة التي باتت غالبية المسلمين تعتبرها شتيمة؟
الاتهام الموجه الى المسيحيين اليوم بأنهم يقولون كلمة حق يراد بها باطل، لا سيما في قانون الانتخابات، يبرر إجراء فحص وطني عام للنوايا.. لكي يتأكد ان الجمع المسيحي المفاجىء والجمع الاسلامي الخادع، غير قادرين على المضي قدما حتى النهاية في تلك المعركة السياسية المسلية.

(المدن)

السابق
مشاهد حيّة تعبّر عن سريالية صارخة من الحرب السورية
التالي
«نصرالله»: لتسوية سياسية شاملة على مستوى الوطن