بشار الأسد أصل الأزمة السورية

في خضم التطورات المتلاحقة التي تمر بها المنطقة العربية، والتي يكتنف بعضَها قدرٌ كببر من الغموض، يتساءل المراقبون الذين يبحثون عن الحقيقة: هل التحركات السياسية التي تجري الآن هي محاولات لإضاعة الوقت، أو لكسبه، أو هي تحركات ديبلوماسية جادة لإيجاد تسوية عادلة للأزمة السورية؟. وهل توَافقَ القطبان المتصارعان على التوصل إلى مخرج من المأزق الذي دخلا فيه، أم تراهما قد فشلا في الانتهاء إلى توافق ينقذهما من تورطهما فيه حينما عجزا عن التحكم في مسار الأزمة عند اندلاعها في الوقت المبكر؟. وهل هناك مبادرة روسية فعلاً تطرحها للنقاش في هذه الاجتماعات المتعاقبة التي تعقد في فيينا؟. وما هي ملامح هذه المبادرة؟. وهل ستكون حلاً يحقق آمال الشعب السوري وثورته ضد الطغيان؟. أم ستكون إجهاضاً لها؟.

إن الإصرار الذي تبديه روسيا على بقاء نظام بشار الأسد جاثماً على صدور المواطنين السوريين، يغلق الباب أمام أية تسوية عادلة للأزمة السورية، لأن بشار أصل المشكلة ورأس الأزمة، ولا سبيل للقضاء على المشكلة وحل الأزمة إلا بإخراجه من المعادلة وتقديمه إلى العدالة الدولية، لأنه مجرم حرب ولغ في دماء الشعب السوري، ولا يمكن إعفاؤه من المتابعة القانونية أمام محكمة الجزاء الدولية، ولا يجوز إطلاقاً أن يكون له دور، أياً كانت طبيعته، في رسم خريطة المستقبل لسورية. وأية محاولة لتجاوز هذه الحقيقة هي ضربٌ من العبث، إن لم تكن هي بعينها التواطؤ مع المجرم الذي قتل الشعب وخرب البلاد وسعى في تهجير عشرة ملايين مواطن سوري يهيمون في أرجاء الأرض. فكيف يريد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يقبل العالم أطروحته غير المنطقية، وأن يوافق على السياسة العبثية التي يتبعها؟.
ولكن ليس بوتين وحده من سقط في مستنقع هذه الأطروحة، فإن باراك أوباما الذي أظهر عجزه المطلق، وأبان عن تخاذله أمام الضغط الروسي، يقول هو الآخر بقبول بشار الأسد لفترة انتقالية. وهذا تعبير مبهم للغاية. فماذا يقصدون بهذه الفترة الانتقالية؟. وما هو الموقف من القوات الغازية الروسية والإيرانية وميليشيات «حزب الله» والمليشيات العراقية والأفغانية التي تشارك في قتل الشعب السوري؟.

إن ثمة أكثر من مؤشر يؤكد أن روسيا دخلت سورية لتبقى فيها لا لتغادرها، وأن الدولة السورية فقدت سيادتها كاملة، وأن هذه السيادة باتت موزعة بين روسيا وبين إيران، وأن العراق يقترب من أن يقع هو الآخر تحت نفوذ روسيا، وأن الولايات المتحدة الأميركية تتابع تنفيذ هذا المخطط من دون أن تقدر، وهي الدولة العظمى، على التصرف السليم والحكيم المطلوب، بحيث تقف في وجه السياسة الروسية التوسعية. فهل سلمت واشنطن مفتاح الشرق الأوسط إلى موسكو مقابل أن تطلق يدها في جنوب شرقي آسيا والباسيفيكي، وأن تكون إيران الوكيل المعتمد لديها في المنطقة؟. وهل نحن مقبلون على عصر استعماري جديد يكون العرب ضحاياه، وتكون روسيا هي سيدة الموقف وصاحبة الأمر والنهي، كما كان الشأن مع الاستعمار القديم.

إذا بقي بشار الأسد يقتل الشعب السوري بالبراميل المتفجرة، ويرتكب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، تحت حماية روسيا وإيران، وفي ظل ضعف وتردد أميركا، فلا أمل بحل الأزمة السورية. وإذا استمرت إيران في تنفيذ مخططها الطائفي في إطار ما تسميه القمر الشيعي الذي يمتد من طهران ويمر ببغداد حتى يصل إلى بيروت والخليج وصنعاء، فلا أمن سيستتب في المنطقة، ولا سلام سيعم العالم.
أفلا يدرك عقلاء العالم وحكماؤه هذه الحقائق الناصعة، فيبادرون إلى كبح جماح اللاعبين الكبار الذين يتجاهلون المبادئ الإنسانية، ويدوسون بأقدامهم على القوانين الدولية، ويسعون إلى تفتيت بلداننا وقهر شعوبنا وارتهان مستقبل أجيالنا؟. وهل يعي العرب ما يدبّر لهم في العلن، وليس في الخفاء كما كان من قبل، فيبادرون إلى توحيد صفوفهم، وتحصين بلدانهم، والتحرك في الاتجاه الصحيح، ليقطعوا الطريق على العابثين بمصيرهم، والوالغين بدمائهم؟.
نعتقد بأن هذا هو السؤال المحوري الذي يتعيّن على العرب كافة، أن يتدبروه ويتأملوه ويتعمقوا في البحث الجاد لإيجاد إجابة منطقية عنه، قبل فوات الأوان، ولات حين مندم.

(الحياة)

 

السابق
أحمد خليفة يوقّع «صفحات تربوية من القلب».. وسط حضور تربوي وثقافي لافت
التالي
72 ساعة للتشريع: هل من مخرج يفاجئ الجميع؟