عن ديما صادق ودعوى حزب الله

ديما صادق

علها من سخريات الحياة السياسية اللبنانية أن نقرأ خبًرا عن استدعاء حزب الله للإعلامية اللبنانية في محطة «إل بي سي» ديما صادق، أمام محكمة الجنايات بتهمة التشهير بالحزب. ثمة عنوانان للسخرية؛ الأول أن الحزب لا يحتاج إلى القضاء لأخذ حقوقه. فمن حظ الحزب أن إسرائيل (ويا للعجب!) تكفلت بتصفية أعتى خصومه الإعلاميين، كسمير قصير وجبران تويني. كما أن حزب الله يعد بين أقرانه اللبنانيين الأقل اعتراًفا بالدولة في قضايا أكبر بكثير من الاعتراف المفاجئ بالقضاء واللجوء إليه ضد إعلامية شاكسته كتابًة أو حديًثا، بل هو في موضوع القضاء نفسه لا يقيم وزًنا لأي اعتبار قانوني يتصل بمتهمين من قادة حزبه، لا سيما المتهمين بقضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، بل ويجاهر بأنه يحميهم ويعّلي من شأنهم إلى مرتبة القداسة، ويتحدى أن يوقفهم أحد خلال 300 سنة! أًيا كان، لا يستقيم الاعتراف بدعوى تقيمها ميليشيا ضد إعلامية، بينما الميليشيا نفسها لا تفعل يومًيا إلا كل ما هو مهين للقضاء ولبقية السلطات في لبنان.

ثاني عناوين السخرية أن الحزب الذي احترف التشهير بخصومه يقاضي إعلامية بتهمة التشهير! الحقيقة أنه إذا كان من سبب منطقي للدعوى، فالأجدى أن يكون الدفاع عن حقوق الملكية الحصرية؛ إذ إن التشهير والاغتيال المعنوي (والجسدي!) هو لعبة حزب الله المفضلة؛ فالإعلاميون من خصوم حزب الله، ممن قتلتهم إسرائيل (تخيلوا الصدف!)، كانوا «بمحض الصدفة» قبل تصفيتهم عرضة لأبشع حملات التشهير من قبل حزب الله أو حلفائه أو من قبل جمهوره الذي يقوم من موقعه «غير الرسمي» بما يتحرج الحزب كمؤسسة من القيام به. يذكر اللبنانيون مظاهرة لكتيبة من فيلق «أشرف الناس»، رفعت صور الوزير السابق والنائب مروان حمادة وابن شقيقته رئيس تحرير «النهار» جبران تويني، بهيئة حاخامات يهود. ويذكرون أنه سبق اغتيال تويني التشهير به والطعن في وطنيته وإهدار دمه بتهمة العمالة، بل مهد ذلك للاغتيال باعتباره الثمن المنطقي الذي ينبغي أن تدفعه «للأصوات الصهيونية»، سواء كان الاغتيال من مسؤولية نظام بشار الأسد أو حزب الله أو «نمور التاميل»! ومن يراجع سجل حزب الله يعثر على أطنان من اللغو الذي يطعن في وطنية خصومه وإحالة مواقفهم إلى التآمر والعمالة، وبالتالي هو أكثر من يعرف أثر التشهير في موقف الرأي العام من المشهر بهم. فكيف إذا كان الفضح الإعلامي يأتي في وقت ما عاد الحزب يحتمل فيه الإحراجات المتفاقمة التي يواجهها في بيئته؟ وقد أشار الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إلى ذلك بوضوح في خطاب له مؤخًرا بالقول: «في الموضوع المعنوي، أنا أو أي أخ من إخواني، في كرامته الشخصية يتجاوز، لكن عندما تكون هناك كرامة ناس وتيارات طويلة وعريضة، ونشعر أن هذه الكرامة يتم المّس بها، كلا، الموضوع مختلف».

اقرأ ايضًا: حزب الله بين مي شدياق وديما صادق

للإعلامية الصديقة ديما صادق أسلوب خاص في إدارة الحوار السياسي. حادة هي في أخذ مسافة من الموضوع والضيف ومن وقائع ما يناقش. عَّرضها هذا الأسلوب لشتى أنواع التهم. فهي ضد حزب الله عند جمهوره، وهي ضد «14 آذار» عند جمهورها. وأكثر ما يزعج حزب الله أن يأتي الطعن به عن طريقها ومن هذا الموقع بالذات، لأنها لا تنطلق في تعاطيها مع الملف من موقع خصومة معلنة مع حزب الله. ثم إن انتماءها إلى الطائفة الشيعية، بصرف النظر عن قناعاتها الخاصة، وهذان أمران مختلفان في لبنان، يجعل حزب الله أكثر حساسية حيال استعادة صادق «الشيعية» بمبادرة شخصية أو بإعادة نشر حيثيات تربط بين حزب الله أو أشقاء مسؤولين فيه، وبين ملف صناعة وترويج الكبتاغون، في الوقت الذي يبالغ فيه الحزب في الاستثمار بالخبر لصالح الإساءة للسعودية. المسألة في الحقيقة أبعد من مسألة الحريات العامة وحرية التعبير وحماية مهنة الصحافة.. هي في العمق مواجهة مع محاولات حزب الله تطويع الدولة في خدمة مشروعه، مما يجعل من الدولة أداة إسناد له، تخضع لمتطلباته ولا يخضع هو لسلطتها. وعليه، لا ينبغي التعامل مع دعوى حزب الله، أو أي دعاوى مستقبلية، بأي جدية، بل ينبغي رفع التحدي في مواجهته إلى أعلى مستوى ممكن، حيث لا استجابة لأي تبليغ قضائي من حزب الله قبل أن يلتزم الحزب نفسه بموجبات هذا القضاء، وتكون البداية بتسليم المتهمين الخمسة في جريمة اغتيال الحريري.

(الشرق الأوسط)

السابق
تجسّس عليها فاكتشف خيانتها وطعنها 51 طعنة!
التالي
بالفيديو: هكذا احتفلت «مجاهدي خلق» الايرانية المعارضة بذكرى عاشوراء