السيد محمد حسن الأمين: غياب «النقد الديني» يعني نهاية الدّين…

"النقد الديني" مصطلح غير متوافق عليه، ودونه محاذير، فكلّ من يحاول ان يتصدّى ويدعو الى اعمال العقل ونبذ التقليد القديم المتوارث، يتعرّض لهجمات شرسة من قبل الجمهور والعامة الذين يخلطون بين المقدّس العقائدي الديني، وبين أحكام الشريعة الاسلامية التي تنظم حياة المسلمين وفق الأزمنة والأمكنة المتغيّرة.

سماحة العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين يعرض لموضوع “لنقد الديني ويلفت الى “أن هناك سوء فهم في التمييز ما بين ما هو دين محض وبين ما هو فكر دينيّ.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: لا يجوز لمن يمجّد ثورة الحسين ان يدعم أنظمة ظالمة

ويفصّل سماحة السّيد قائلا: “الدين المحض هو العقيدة الأساسية التي يقوم عليها الدين، كالتوحيد بالنسبة للإسلام والنبوة، والإيمان بأصول الدين أو ما هو ثابت بالضرورة من أحكام الدين. وهذا الذي لا يخضع عند المتدينين للجدل والنقاش واختلاف الآراء والاجتهاد.

وأما الدين بوصفه نصوصاً واسعة ومتعدّدة وبشريّة والتي تحول إلى منظومة دينية قد يصبح لبعضها صفة المقدس بدون أساس لهذا التقديس لأنها من الاجتهادات البشرية وليست من النصوص المحكمة. فهذا النوع من الدين إذا صح تسميته كذلك مع العلم، فإنه يخضع للنقاش والاختلاف والاجتهاد وتعدّد الآراء”.

ويضيف السيّد الأمين: “من المعلوم بالنسبة للإسلام كما لغيره، ان الجانب التاريخي البشري من الدين والذي تحوّل إلى نوع من العادات والتقاليد المقدسة هو في حسبان البعض أنه دين مقدس لا يجوز مناقشته ولا الاعتراض عليه ولا الاجتهاد بشأنه، وهذا غير صحيح، فالعلاقة البشرية بالدين كانت وستبقى علاقة خاضعة للتبدّل والتحوّل والجدل والنقاش والاجتهاد، وبهذا اللحاظ، تتطوّر علاقة الإنسان بالدين وتتطوّر المفاهيم الدينية لديه، ولعلّ هذا هو ما جعل الإسلام قابلاً للاستمرار عبر هذه القرون الطويلة من الزمن وصالح للاستمرار إلى جميع الأزمنة القادمة، فلا يوجد في ثوابت الدين ما يتناقض مع أي شكل من أشكال التطوّر البشري وليس فيه ما يمنع بين ما نسمّيه التجديد والأصالة”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: الاكتشافات العلمية نعمة الّا ما يعارض منها فرادة الانسان

ويستشهد السيّد الأمين “بقول حكيم لوالد الشاعر محمد إقبال المفكر الإسلامي الكبير، فهو يروي أن والده وقف إلى جانبه وهو يقرأ القرآن وقال له: ‘يا بني إقرأ هذا القرآن وكأنه يتنزّل عليك للتوّ’.

ويعلّق سماحته قائلا:” في التأمّل العميق بهذه الحكمة، نلتفت إلى أن القرآن ما زال دائم النزول ما دام معدّاً لكي يكون كتاب الدين في كل العصور بما يعني أن إمكانية القراءات المتجدّدة لهذا الكتاب تظل قائمة ولا تتوقف، فلو افترضنا أننا قدمنا له قراءة حاسمة ونهائية ودائمة ولا تحتمل أي اختلاف فهذا يعني أن مهمة القرآن والاسلام قد انتهت، بينما نحن مطالبون بأن نجدّد هذه القراءة ودائماً وفق معطيات جديدة نكتسبها من الفكر والثقافة والحياة الإنسانية.ومن الطبيعي في هذه الحال أن تتعدّد وتختلف قراءاتنا للقرآن وللنص الديني، والخلاصة أن الفكر الديني قابل دائماً للجدل من الاختلاف وليس صحيحاً أن هناك فكراً دينياً مقدّساً بوصفه فكراً”.

ولكن هل يحتمل الاسلام التعدّد والتنوّع ونشاط المجتمع المدني؟

يجيب السيّد الأمين: “من البديهي القول أن فكرة التنوع والتعدّد هي من أدبيات النص الديني ومن الآيات القرآنية الواضحة ومنها: (يا أيّها الناس إن خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوب وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم)، (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة)، فالتعدّد والتنوّع هو سمة طبيعية للاجتماع البشري.

السيد محمد حسن الامين

يبقى السؤال أنه في دائرة الإسلام نفسه إلى أي مدى يمكن رؤية هذا التعدّد والتنوّع؟ والإجابة “فيما نراه فإن هذا التعدّد في الاجتماع الإسلامي كان في البدايات الأولى للإسلام وحتى عصرنا الراهن مروراً بكل العصور التاريخية للاجتماع الإسلامي. وأبرز ما في هذا التعدّد والتنوع هو تعدّد المذاهب في الإسلام، بما يعني أن المسلمين أجازوا لأنفسهم هذا القدر الواسع من الدوائر المتعدّدة داخل دائرة الإسلام الكبرى، وأما بِشأن حرية الفرد بموجب الرؤية الإسلامية فإنها مضمونة له حتى فيما يتعلّق في عقيدته للدين نفسه، فيما لا بد من الإشارة إلى أن المجتمع الذي تقوم بين أفراده رابطة القانون، فإن حرية الفرد تصبح كحرية أي فرد آخر حتى في المجتمعات غير الدينية محدودة باحكام القانون، فإذا كان القانون يحرّم تعاطي المخدرات مثلاً في بلد غير إسلامي أو ملحد، فإنّ الحرية المبدئية للفرد هنا تقف عند حدود القانون، وذلك لأنه لا يوجد في الاجتماع البشري ما يسمى بالحرية المطلقة، أي بما يعادل الفوضى وبما يؤدّي إلى اصطدام الحريات الفردية بعضها بالآخر ويفسد بنية الاجتماع البشري، والإسلام لا يختلف عن غيره في هذا الأمر”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الامين: موجة الابتعاد عن الدين سببها التطرّف الإسلامي

السابق
«35 داعشياً» تسللوا إلى لبنان لتنفيذ تفجيرات ضد «حزب الله» في الضاحية‏
التالي
أهالي العسكريين بعد لقائهم السفير التركي: رفعنا رسالة الى أردوغان للمساعدة