لماذا لا يُحيي السنّة عاشوراء؟

عاشوراء
طالما ان الشيعة والسنّة متفقون في تراثهم الاسلامي الواحد بأن الامام الحُسين حفيد رسول الله قُتل مظلوما، وأن ثورته ثورة مُحقة، وانه واجه الحاكم الظالم، وينقلان كافة الأحاديث التي تؤكد هذه المقولة، فلماذا لا يُحيي السنّة كما الشيعة ذكرى عاشوراء؟ ولماذا يُهملون الذكرى التي تُشبه أية مجزرة بالمعنى الماديّ للكلمة، كالإبادة الأرمنية، والنكبة الفلسطينية، وإبادة الهنود الحُمر في أميركا، والكثير من المجازر التي ارتكبت حول العالم!؟

لماذا لا يحيي أهل السنّة ذكرى عاشوراء الامام الحسين، وهم أولى بحفيده من الفرقة الشيعية التي نشأت فيما بعد؟ وهم أحق وأوجب بالدفاع عن الحق والحقيقة؟

لماذا؟ وما الذي غيّر الإتجاهات طالما أن كتبهم التراثيّة التي تهتم بالأحاديث المروّية تقول ما تقوله كتب السنّة؟ ومنها ما عثرت عليه موّثقا، ولكني فضّلتُ الإكتفاء بأسماء الرواة، وذلك لعدم الإطالة، ويمكن لمن يهتم أن يجد الدلائل وهي متوفرة بسهولة في كتب التراث لدى الطرفين.

فقد وردت بعض الأحاديث الموثقة الواردة في كتب السنّة في أهمية إحياء عاشوراء في كتب كل من المحدّث الطبراني في معجمه، وأبو داوود، والحاكم عن أم الفضل بنت الحرث، والبغوي في معجمه، والترمذي في صحيحه، وعمر بن سليمان عن الأعمش، وسعيد بن جبير، والربيع بن منذر الثوري، وأُمّ سلمة، وعائشة، ومحمّد بن‌ سيرين، وسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة، والبخاري، وابن تيميه على الرغم من نصبه وعداوته لأهل البيت وشيعتهم فهو يقول “والحسين رضي الله عنه قتل مظلوماً شهيداً، وقتلته ظالمون معتدون”.

إقرأ أيضاً: عاشوراء أنصار حزب الله: «شوفيني يا منيرة»

والغريب انه بالرغم من أن كتب أهل السنّة مليئة بالأخبار التي تدعو المسلمين جميعا الى إحياء عاشوراء، الا أن بعض الفرق كالسلفيين، وهم الذين يفترض انهم يلتزمون بسنّة النبي تراهم يشنّعون على من يُحيي هذه السنّة النبوية، ويقيم الشعائر الحسينية، ويعتبرونها بدعة، بل وحتى يكفّرون أصحابها. مع ان الحزن والبكاء على الحسين وإقامة العزاء في مُحرم وزيارة الحسين سبط الرسول الشهيد يجب ان يكون من المستحبات.

وبالعودة الى الفئة الثانية من المسلمين(الشيعة)، الذين يُحيون المناسبة الحزينة بكثير من المبالغات خاصة في وقتنا الحالي، فاني اذكر انه قبل قيام الجمهورية الإسلامية في إيران وإنتشار حزب الله على الساحة الشيعية، كانت المجالس العزائيّة تُقام في المسجد ويحضرها كبار السن فقط من النساء والرجال، ولم تكن ذات تكليف شرعي كما هو حالها اليوم او ذات أبعاد سياسية او مذهبية.

إقرأ أيضاً: المغالاة في ذكرى عاشوراء.. على عكس وصاياها

لذا، على السنّة في لبنان والعالم العربي وخاصة في الدول التي يشترك فيها السنّة والشيعة بالمواطنة الواحدة، كما هو الحال في العراق والبحرين والسعودية وسوريا والمغرب العربي وغيرها من البلاد العربية والإسلامية، عليهم ان يُحيوا الذكرى بشيء من المظاهر التي يرونها مناسبة، وعدم إهمالها وعدم التغاضيّ عنها، بل جعلها صورة عن واقعنا اليوم في فلسطين حيث أن أهلها كالحُسين وأهله وحيدين في المواجهة مع يزيديّ العصر الصهاينة ولا يملكون من امرهم شيئا.

وما المانع ان يكون إحياء الذكرى الحزينة، ولو في اليوم العاشر من قبل السنة بهدف نزع الفتيل نهائيا في الإتهام الضمنيّ لكل سنيّ باعتباره موافقا على ما جنته أيدي القتلة حينها في كربلاء؟

نعم ان تعبيرات الشيعة في كل انحاء العالم مبالغ في مظاهرها، لكن إحياء السنّة لهذه المناسة يدفع الكثير من الشيعة وخاصة في العراق الى التخفيف من غلوّهم، ويدفعهم نحو العقلانية في نقل الروايات والأشعار العاطفية.

والغريب ان الشيعة يقفون دوما مدافعين، ويلعبون دور المحامي عن تصرفات بعض الشيعة المبالغ فيها، ويحاولون شرحها وتفسيرها وإعادتها الى الأسباب العاطفية التي ربطت الموالين بأهل البيت على مدى التاريخ.

يقول الشيخ المحامي مصطفى ملص:” عاشوراء في المفهوم السنيّ التقليدي لا تقتصر على مأساة الحسين عليه السلام، فقد ألصق بها من المناسبات ما يشوّش على الحدث الأهم فيها، وهو مصرع الإمام الحسين”.

إقرأ أيضاً: عاشوراء وأيّامنا السوداء… الحزن كقدر يومي

ويضيف الشيخ ملص فيقول: “والذي أعتقده أن السلطة عملت جاهدة على طمس حادثة الطف بروايات مصطنعة كرواية حادثة نجاة موسى، وابراهيم ونوح عليهم السلام. حيث عملت هذه السلطة على بث تلك الروايات في الخُطب والكتب والدروس حتى إختلط الأمر على عامة المسلمين، وصاروا يتقربون الى الله بصيام التاسع والعاشر من محرّم عملا بحديث، الراجح أنه وُضع نظرا لإضطرابه وتضاربه مع التاريخ الصحيح”.

ويشرح سبب عدم إحياء المناسبة بالقول “الأمر الآخر هو اعتبار حادثة كربلاء فتنة تعمّق الشرخ بين المسلمين، وأهل السنّة لا يكفّرون يزيد، وان كان معظمهم يعتبرونه فاسقا، ولا تصح إمامته، لذلك يرون على انه خاص بفئة من المسلمين”.

ويختم “مع التأكيد على ان مكانة الحسين وأهل بيته لا يُقارن بها أحد من بني أميّة، ولا سواهم، من المسلمين بعد صحابة النبي”..

السابق
هكذا ردّ نصرالله على نهاد المشنوق ودعاه للرحيل عن الحكومة…
التالي
ليندسي لوهان… نحو البيت الأبيض؟!