«شكراً سوريا»

خيرالله خيرالله

كشفت سوريا الجميع. تستحقّ كلّ شكر على ذلك. يمكن الآن قول «شكراً سوريا» من دون خجل أو وجل، وليس لتغطية الجرائم التي ارتكبها النظام العلوي في حقّ لبنان واللبنانيين.

كشفت سوريا أوّل ما كشفت بشار الأسد والنظام الذي يرمز اليه والذي عمره من العام 1970 حين احتكر والده السلطة واستخدم البعث كي يصبح أوّل رئيس علوي للبلد. الرئاسة في سوريا حقّ من حقوق أي مواطن سوري مسلم. لكنّه ليس مقبولاً فرض شرعية عن طريق انقلاب عسكري وعن طريق الطائفية والمذهبية والأجهزة الأمنية.

ما كشفته ثورة الشعب السوري أن لا شرعية للنظام مهما تلطى بحزب البعث الذي هو في الأصل حزب علماني. كان يمكن لشعارات البعث أن تكون جذّابة لو لم يتبيّن أنّه لا يبقى، في أحزاب فارغة من هذا النوع، سوى المتخلّفين. هؤلاء يعتقدون أن في استطاعتهم التغلّب على منطق التاريخ عن طريق استخدام شعار «العروبة» أو «الممانعة» وكلّ ما له علاقة بمواجهة اسرائيل. تبيّن أيضاً أن البعثي، الذي يبقى بعثياً، لا علاقة له بأي شيء حضاري في هذا العالم وأنّه ليس سوى أحد دعاة حلف الأقلّيات الذي لا مستقبل له في الشرق الأوسط، اللهمّ إلّا إذا كان المطلوب تفتيت المنطقة وجعلها دويلات طائفية ومذهبية تدور في الفلكين الإسرائيلي والإيراني.

كشفت سوريا «حزب الله» أيضاً ومدى ارتباطه بالنظام العلوي السوري من زاوية محض إيرانية. كشفت أن «حزب الله» مرتبط بإيران إلى درجة أنّه كان كافياً أن تأتي تعليمات «المرشد» بالمشاركة في الحرب التي يشنّها النظام على شعبه، حتّى غرق الحزب، الذي يفترض أنّه لبناني، في الرمال المتحركة السورية. لا مجال لأيّ أخذ ورد في شأن «الكلفة» عندما يتّخذ علي خامنئي قراره. لا يعود أمام الحزب سوى التزام قرار «المرشد» بغض النظر عمّا إذا كان هذا الالتزام يعني خرق ما بقي من سيادة للدولة اللبنانية والحدود الدولية لهذه الدولة. العامل المذهبي يتقدّم، من وجهة نظر «حزب الله» وامينه العام السيّد حسن نصرالله على كلّ ما عداه، بما في ذلك الحدود اللبنانية ومصير مئات الشباب.

نعم، كشفت سوريا الجميع. كشفت القدرة التركية المحدودة على التدخل وحجم المشكلات التي يواجهها الرئيس رجب طيب إردوغان في الداخل التركي، خصوصاً مع الأكراد.

كشفت سوريا حقيقة النظام الجديد في العراق الذي فرضته الدبابة الأميركية. ظهر بوضوح أن الحكومة المركزية في بغداد لا تزال تحت الهيمنة الإيرانية وأن لا فارق كبيراً بين نوري المالكي وحيدر العبادي، حتّى لو كان رئيس الوزراء الحالي يمتلك كلّ النيات الحسنة. مركز القرار في بغداد لا يزال في يد الميليشيات المذهبية الموالية لإيران والتي حاربت معها ضدّ العراقيين بين العامين 1980 و 1988.

لكنّ اهمّ ما كشفته سوريا هو حدود الدور الإيراني، بالتعاون مع «حزب الله» أو من دونه. تستطيع إيران بفضل تدخلها المباشر وأدواتها اللبنانية والعراقية والأفغانية، أي الميليشيات المذهبية التي تستخدمها لدعم النظام، المشاركة في تقسيم سوريا. لكنّ إيران لا تستطيع تحويل كلّ سوريا مستعمرة، كما حاولت، وما زالت تحاول، أن تفعل في العراق واليمن والبحرين…

كان العجز الإيراني، الذي لم يبدّله الاتفاق في شأن الملف النووي مع «الشيطان الأكبر»، وراء الاضطرار الى الاستنجاد بالدبّ الروسي الذي لديه مصالح خاصة به في سوريا. في مقدّم هذه المصالح الغاز السوري. الأمر لا يقتصر على كميّات الغاز الموجودة في سوريا، وهي كمّيات كبيرة، بل يشمل أيضاً منع أن تكون الأراضي السورية ممرّاً للغاز الخليجي الذي يمكن أن يصل إلى أوروبا.

فرض العجز الإيراني الاستعانة بالقوّة العسكرية الروسية التي لا يمكن أن تنقذ رأس بشّار الأسد ونظامه المتهاوي. لعب هذا النظام دوراً محورياً في تمدّد «داعش» التي يدّعي الروسي محاربته، في حين أن حربه الحقيقية هي على الشعب السوري.

إذا كان من حسنة للتدخل الروسي المباشر، الذي يتمّ بالتنسيق الكامل مع إيران وإسرائيل، فهو أثبت أن النظام انتهى. انتهى النظام من جهة وظهر أن العلويين ليسوا مغرمين بدعوات التشيّع الإيرانية من جهة أخرى. يفضّل العلويون الروس على الإيرانيين في مناطقهم!

فوق ذلك كلّه، كشفت سوريا العجز الأوروبي. أوروبا لم تعد لاعباً في الشرق الأوسط لا أكثر ولا أقلّ، خصوصاً في غياب الإستراتيجية الأميركية وزيف مثاليات إدارة اوباما. يعبّر عن هذا الغياب الكلام الكثير الصادر عن رجال الإدارة الذي يظلّ كلاماً بكلام.

ما الذي تريده الإدارة الأميركية في سوريا؟ لا جواب عن ذلك. هل هي مع التدخل الروسي أم لا؟ لا جواب أيضاً.

هل كشفت سوريا أن الشرق الأوسط لم يعد همّاً أميركياً أساسياً؟ ربّما كان ذلك الجواب المعقول، أقلّه في ما يخصّ الأشهر الـ14 المتبقية من ولاية أوباما الذي اختزل المنطقة ومشكلاتها وأزماتها بالملفّ النووي الإيراني.

يتجاهل الرئيس الأميركي أن حرباً حقيقية تدور حالياً في غير مكان، في سوريا تحديداً، وأن التدخل الروسي الوقح لن تكون له من نتائج سوى إطالة هذه الحرب الى ما لا نهاية… مع انعكاسات في غاية السلبية على بلد صغير مثل لبنان تحاول إيران تغيير طبيعة نظامه وتركيبته السكانية، وتغيير طبيعة المجتمع الشيعي المعروف بانفتاحه وطليعيته على غرار ما تفعل في سوريا.

(المستقبل)

السابق
عون يكيل الشتائم ويلوّح بـ«التصادم»..
التالي
وصول موكب جثمان النائب والوزير السابق الياس سكاف الى الكحالة