البحث عن «المجرور» أولا؟

مظاهرة طلعت ريحتكم
أراد أحدهم بناء بيت له في ربوع قريته التي تتمتع بجمال أخاذ، بدأ مهمته بالبحث عن مسار أقنيه الصرف الصحي، "المجرور" باللغه العامية. وعندما سئل عن السبب؟ قال إنّه يريد تأمين بيئة نظيفة وتطبيق ما رآه في بلاد الاغتراب من تنظيم وحفاظ على البيئة. وعن تكاليف البناء قال إنّه سيرتب الأمر فيما بعد فأولويته اليوم هو موقع "المجرور". هذا حال البلد اليوم، هل أصبحت "أزمه الزبالة" منطلق بناء البلاد على "الأصول"!

هي قضيه محقة لا شك، لكن العلاج للعلل يبدأ من البحث عن أصل الداء، وعوارض الداء تستخدم للاستدلال على السبب لعلاجه وليس العكس.

الفساد والنفايات والتهريب والمخدرات والرواتب والبطاله، وكل القضايا المعيشيه المحقه طبعًا، هي “العوارض” وليست أصل الداء.

كيف يمكن أن نعالج هذه القضايا وليس لدينا انتظام في الحياة السياسية وعمل المؤسسات التي لا تستطيع أن تمارس صلاحياتها في مواضيع معينة وتمارسها في أخرى بسبب النفوذ السياسي، أكان في المرفأ وشركة الكهرباء والمطار مثلا.

كيف يمكن أن نحاكم ونحاسب ولدينا عجز عن محاكمة مطلوبين في قضايا بحجم البلد من قديسي حزب الله المطلوبين للمحكمه الدولية، وقاتل الضابط الطيار سامر حنا والمتهم بمحاوله اغتيال النائب بطرس حرب وغيرهم الكثير من القضايا المشوهة للعدالة.

وربّ قائل إن هنالك تجارب ناجحة في دول أخرى اتخذت من القضايا المعيشية منطلقا لتغيير حقيقي، اليونان مثال على ذلك، ولعل المقارنه تجوز مع حالات مشابهة، إلاّ إن المقارنة تجوز في حال توفر الحدّ الادنى من وجود مؤسسات ونظام وآليات محترمة من كل الأطراف يلجأ إليها المتخاصمون. فخلال سنة واحدة أجرى اليونان انتخاباته النيابية مرتين واستفتاء واحدا، في ظل أزمته المالية، فحصل حزب “سيريزا” على الأغلبيه التي خولته المضي في محاولة مواجهة الأزمه بناء على مشروعه، أما في لبنان فلم يتوفر لدينا حتى الآن هذا الحد الأدنى المتوفر لليونانيين.

وعلى سبيل المثال لا الحصر ما أورده في مقابلته الأخيره بتاريخ 26 أيلول أمين عام حزب الله حسن نصرالله عن الانتخابات النيابية 2005 و 2009 وحصول قوى 14 آذار على الأغلبية في ظل السلاح، كمن يقول “لا اله!”، فالواقع أنّ نتائج هذه الانتخابات تعطلت بسبب السلاح غير الشرعي وبذلك تكون الانتخابات أيضًا معطلة.

إنّ المشترك بين اللبنانيين لم يكتمل بعد، وبناء على ذلك لا يمكن معالجة القضايا المعيشية أو الانطلاق منها لإصلاح النظام الذي هو في الأصل معطل، بسبب غياب الاتفاق على النظام وتفعيله فهناك من يدعو الى مؤتمر تأسيسي وآخر يدعو الى تطبيق الطائف وآخر يريد إسقاط النظام بكامله.

دولة بلا رئيس منذ سنة ونصف، مجلس نيابي ممدّد له ومعطل لم يستطع عقد جلسة لانتخاب رئيس وهذا غيض من فيض.

إنّ القضايا التي تحملها الشعوب تشكل جزءا من هوية اهلها وتشكل صورتهم، أما الشعوب الأخرى فأي صورة وأي هوية يتشكلان من اعتبار أزمة النفايات مدخلا لإصلاح أو إسقاط النظام، وبناء نظام آخر لا يملك الداعون له أي طرح حول شكله أو مضمونه أو آلياته أو خارطة طريق زمنية تبين نهاية النفق الذي دخل فيه البلد.

لدينا من القضايا الوطنية الكثير لنضحي من أجلها، ومنا من ضحى بحياته من أجلها فلماذا هذا الانحلال في ما يقدّم من قضايا تشوبها العبثية وقصر النظر وجهل بتاريخ وواقع هذا البلد؟ هنالك من يصرّ على أن إصلاح البلاد يبدأ من “المجرور” أولاً.

السابق
تايمز: على بريطانيا التدخل عسكرياً وإجبار الأسد على المفاوضات
التالي
اعتصام الحراك الشعبي أمام منزل مدعي العام التمييزي سمير حمود في وطى المصيطبة