العيد .. لمن؟

اللاجئين السوريين
العيد..لمن؟ العيد للذين اغتيلت طفولتهم، للذين قتلت سنواتهم الأولى برصاصة طائشة، بقذيفة عبثية، أو غرقًا في رحلة المجهول، للذين وقعت أيامهم منهم في حفرة الحروب، للذين فرت لحظاتهم بين النزاعات، لأطفال ما عرفوا الطفولة يوما، كما لم يعرفوا وجوههم الباسمة وأرواحهم الفرحة، كما لم يستشعروا ثيابهم الملونة على المرآة.

العيد للذين لا يعرفوا ملمس البالونات ورؤية الألوان في السماء الواسعة، للذين تغيب عنهم مواسم الضحك، للذين يفتقدون لنكهة الحلوى، ولطعم الملاهي المسَكَرة، ومذاق الركض خلف الأحلام، وخلف الطائرات الورقية. لأصوات التكبيرات والتهليلات، للعب على وقع السلام. للذين لم يغنوا يومًا إلاّ صوت بكائهم، للذين غنّت لهم الحروب مواويل طويلة، ولم تتوقف.

للذين لا يعرفوا أفلام الكرتون، للذين كتبوا رسائلهم أشعارا للموت، للذين لم يرقصوا يومًا إلا أوجاعهم. العيد للاجئين، للقابعين في المخيمات، العيد للخيام والملاجئ، لصنبور الماء الجاف، وأكياس الدقيق الفارغة. للذين يدفعون كل فواتير الحروب هناك، ولا فرق في أيامهم بين الأعياد والجنائز، ولا بين الأعراس وزغاريد زفات الشهداء.

اقرأ أيضاً: أزمة اللاجئين السوريين هي الأكبر في العالم منذ ربع قرن

العيد للقابعين وتلف أوجههم الأحزان، تغسلهم عذاباتهم بالماء والصابون، ترش عليهم الكافور وترميهم بالأرز والورود. العيد للأوطان المفقودة، المغتصبة، للأوطان التي خربها السياسيين، المحتلة بأبواق الفتنة والطائفية، للأراضي الفارغة من الأقدام، الممتلئة بالروائح والدم وطعم البرتقال، العيد لمواطنين دون أوطان. لأوطان صار يسكنها الموت والذل، لأراضي دون مزارعين، ولمزارعين فروا من أراضيهم، لأشجار تنبت من الآهات والأنين ولورود تسقى بدماء الإنسانية، للهاربين من الموت المحتم.

العيد للمنكوبين، للمهجرين من ديارهم، العيد للهاربين من روائح الجثث، وأصوات القذائف، ونداءات الاستغاثة، وسيارات الإسعاف، العيد للهاربين من قبورهم المفتوحة، العيد للناجين من الحياة. العيد للواقفين على الحدود محملين بالذكريات ورائحة الياسمين، ممتلئين بالبكاء والحياة. للذين ينتقلون بين بلد وآخر راجلين، حاملين الأعضاء الإصطناعية لذويهم بيد، وحزنهم ومواويلهم البكائية في قلوبهم وعلى شفاههم، العيد لأولئك الذين رفضتهم “شرقستان” و”غربستان”. العيد للمسافرين دون جوازات سفر، للذين قُصِفت أوراقهم الثبوتية، فماتت أوطانهم بدلا منهم، الذين أكل البحر أمتعتهم ما عدا حزنهم. العيد لأولئك الذين قذفتهم الأمواج على الشطآن، العيد لصورهم التي تدخل في طومبولا أحسن صورة كل سنة.

اقرأ أيضاً: إلى السيد حسن نصر الله: «بعد إلك عين تتهم حدا بالعمالة»؟!

العيد للذين يركبون البحر على سفن بلاستيكية، فيفتح لهم الموت فاهه الضخم بثقب صغير فيها، العيد لهم وهم في بطن الحوت ورئة الموت، وهم يصعدون السماء في صف طوله أعوام ونكبات، العيد لدموع الأمهات، لحزن الأرامل، لكآبة الثكالى، لبؤس اليتامى، العيد للذين يحتاجون حفاظا وحليبا وقطعة حلوى لأطفالهم في العراء، العيد لمريض يبحث عن أنسولين ثم يموت. العيد للذي ينتظر الموت في مكانه فقط لأنه مقعد، العيد للمحتاجين والمعوزين الذي لا يؤمنون ربطة خبز ولا ثمن غسيل الكلى، ولا علبة الدواء.

اللاجئين السوريين

العيد للمتظاهرين والمتظاهرات، للباحثين عن الحرية والباحثات، للمطالبين بكلمة الحق، العيد للمناضلين والمناضلات، للمكافحين والمكافحات، للماكثين في السجون ظلما وبهتانا، العيد للشهداء والشهيدات في ثياب أعراسهم في الجنة. العيد للدمى واللُّعب التي تلفظ أنفاسها وترتقي إلى الله يدا بيد مع أصحابها، العيد للذين يقطعون كعكة ميلادهم في الريان، العيد للمظلومين والمظلومات، للمستضعفين والمستضعفات، العيد للمرابطين في الأقصى والمرابطات، العيد للواقفين على المعابر، في فرصة أخيرة للنجاة من جحيم الحصار، العيد لأمتعتهم التي ملت الذهاب والرجوع، العيد للجسور التي اشتاقت العبور، العيد لأصحاب الثياب الرثة، للعراة والحفاة، للباحثين عن أغطية للشتاء، ومكان بارد للصيف، العيد للصائمين عنوة ودون نية، العيد لهؤلاء وحدهم.

السابق
أماكن في العالم يُحذّر دخولها…
التالي
50% من النساء معنّفات والأسباب: الموروث والعادات والتقاليد؟!