إيران للتسوية و«حزب الله» للتهدئة

لم تظهر بعد أيّ نتائج جدية للقاء الذي جمَع الرئيس الاميركي باراك أوباما بالعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، فالمواقف التي صدرت لا يمكن البناء عليها وهي ليست كافية. إذ إنّ الدعوة إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية في أسرع وقت ممكن قابلها قرار مشترك بتزويد السعودية بأسلحة جديدة تتناسب مع طبيعة الحرب التي تخوضها في اليمن، إضافة الى تجديد موقفها الداعي لتنحّي الرئيس السوري بشار الاسد.قبل ذلك وخلال زيارة وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس الى طهران، طرح الملف اللبناني من زاوية الانتخابات الرئاسية مع وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف أولاً، ثم مع الرئيس الايراني حسن روحاني، لكنّ فابيوس لم ينجح في انتزاع موقف ايراني واضح باستثناء عبارة أطلقها روحاني دعا فيها لسماع موقف السعودية.

وجاء بعد فترة مَن يفسّر الكلام الإيراني الرسمي، كما يحصل عادة عبر التواصل الديبلوماسي غير الرسمي. قيل يومها إنّ ما لدى طهران من معلومات يؤشّر الى مرحلة تصعيد سعودية في المنطقة، وإنّ المأزق العسكري الذي وقعت فيه الرياض في اليمن مرشّح لمرحلة جديدة من العنف العسكري لتحقيق مكاسب ميدانية اضافة الى التنسيق مع تركيا لتنفيذ حملات عسكرية جديدة في سوريا، وإنّ السعودية ترفض أي حلول تسووية في لبنان وستدفع في اتجاه مواجهات سياسية عنيفة هدفها محاصرة «حزب الله».

وحسب أوساط ديبلوماسية أوروبية فإنّ «التفسير» الايراني لموقفها الرسمي بأنّ السعودية هي التي تدفع في اتجاه مرحلة ساخنة، فكيف يمكن لطهران فتح باب المفاوضات من طرف واحد. وفي تأكيد وجهة النظر هذه، قال هؤلاء إنّ ايران أعلنت تأييدها الكامل لانتخاب العماد ميشال عون، ولكن حتى الآن لم تسمع موقف السعودية من الاستحقاق ولا من تؤيّد ولا حتى خريطة طريق في هذا الاتجاه. فكيف لنا أن نذهب أبعد فيما الابواب السعودية موصدة بالكامل؟

من هذه الزاوية ربما، قرأ الديبلوماسيون الكلام المثير الذي صدر يومها عن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، والذي جاء مكتوباً حين قال إنّ العماد عون ممرّ إلزامي للاستحقاق الرئاسي. يومها ظهرت تعليقات عاصفة على هذا الكلام من الجهات السياسية المحسوبة على السعودية في لبنان، لكن من باب «التمريك» وليس من باب الشروع في نقاش جدي وعلى طريقة تساجل المراهقين، ما يؤكد وجهة نظر طهران.

وتشير المعلومات الى أنّ وزير خارجية إيران طلب لقاءات مع مختلف وزراء خارجية دول الخليج العربي بمَن فيهم وزير خارجية السعودية، وذلك على هامش أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة في النصف الثاني من أيلول الجاري.

وحسب المراقبين فإنّ «طهران ما بعد الاتفاق»، وإن كانت تبدو مضطرة لمجاراة التصعيد العسكري في اليمن وسوريا، إلّا أنّها أكدت مجدداً التزامها الاستقرار الامني والحكومي في لبنان على رغم كل شيء.

وتعتقد هذه الاوساط أنّ طهران الملتزمة الحفاظ على مكاسبها في سوريا، انما قد تكون تنظر بعين الريبة الى الدخول العسكري الروسي الواسع الى سوريا تحت شعار مواجهة الشهوات العسكرية لتركيا في شمال سوريا. ذلك أنّ الدخول الروسي سيمنح موسكو تعزيزاً لدورها، وبالتالي تأثيرها لاحقاً على التحكّم اكثر بالمفاوضات حول مستقبل سوريا.

كذلك ما يمرّ به الدروز في السويداء وهو ما أدى الى إنضاج الدعوة لتطبيق الحكم الذاتي للدروز، يؤشّر الى طبيعة التسوية المنتظرة في سوريا. اضافة الى أنّ طهران باتت تُدرك خطورة موضوع النازحين السوريين على لبنان، خصوصاً أنّ البعض يحاول استخدامه في إطار الضغط على «حزب الله».

لذلك، تُبدي إيران خشية من تصاعد النزوح في اتجاه لبنان في حال توسّع العنف، وبالتالي تهديد المكاسب الجغرافية داخل سوريا وداخل لبنان، حيث شكّل النازحون عبئاً أمنياً وديموغرافياً عانى منه «حزب الله» إضافة الى غيره من المكوّنات اللبنانية.

وفي اليمن، يحلو لبعض هؤلاء الديبلوماسيين قراءة التصعيد العسكري في اتجاه قوات التحالف العربي ما أدى الى خسائر جسيمة قد لا تتحمّلها هذه الدول في حال تكرّرت مستقبلاً، على أساس دفعها للتخلّي عن مشروع التصعيد العسكري والمباشرة بفتح خطوط التفاوض.

وفي لبنان حيث تابع «حزب الله» بكثير من التدقيق خلفيات الحراك المدني، فإنّ قيادة الحزب جددت التزامها الاستقرار الامني من خلال تفعيل قنوات التواصل والتعاون مع وزارة الداخلية والقوى الامنية، اضافة الى الاستقرار الحكومي حيث يدفع الحزب في اتجاه إنجاز تسوية شاملة تُعيد فتح أبواب مجلسي النواب والوزراء.

لذلك مثلاً قرّرت واشنطن أنّ الوقت قد حان لأن يغادر سفيرها في لبنان ديفيد هيل الى مقرّ عمله الجديد في باكستان بعد تمديد إقامته في بيروت بسبب التعقيدات التي طاولت ملف الحكومة والتعيينات.

وفيما يستعدّ هيل للرحيل قريباً جداً، بَدا مهتماً بأوضاع المخيمات الفلسطينية خصوصاً مخيم عين الحلوة والتطورات العسكرية التي شهدها والمدى الذي بلغه تغلغل التنظيمات الاسلامية داخل الجسم الفلسطيني في لبنان.

كذلك تواصل مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في شأن الأسباب الفعلية لتجميد صفقة إطلاق العسكريين المحتجزين لدى «النصرة» على رغم إتمام المفاوضات بالكامل، اضافة الى مصير المحتجزين لدى «داعش» وآخر المعطيات حولهم والتي تبدو مثيرة في بعض جوانبها.

وقد خرج بانطباع إيجابي في شأن المخطوفين التشيكيين وسط معلومات عن قرب حلّ قضيتهم بعد مفاوضات حصلت بعيداً عن الاضواء طوال المرحلة الماضية وتولّاها اللواء ابراهيم.

كذلك بَدا مطمئناً الى الوضع الأمني الداخلي في ظلّ الحرفية التي أثبَتتها القوى الامنية اللبنانية إضافة الى إمساك الجيش بالحدود، وخصوصاً منطقة جرود عرسال والمناطق المحيطة، والتي أصبحت آمنة من أيّ مخاطر قد تظهر مستقبلاً.

(الجمهورية)

السابق
المؤتمر الوطني الجامع: توحيد الخطاب الديني وتفعيل المؤسسات وكشف مصير المفقودين
التالي
تظاهرات لبنان وهاجس الإعلام