«طلعت ريحتكم» في قفص الاتهام!

في اللحظة التي كان ناشطو حملة «طلعت ريحتكم» يحتلون وزارة البيئة في وسط بيروت أمس، كتبت ناشطة في صفحتها على «فايسبوك» ساخرة: «شوهد السفير القطري يدخل معهم مبنى الوزارة». هذه التغريدة جاءت لتشكك في حملة باشرتها قوى «النظام» اللبناني بالأمس عبر مسؤوليها وصحفها، بأن سفارة خارجية تقف وراء التحرك. «حزب الله» عبر النائب محمد رعد قال: «نريد أن نعرف هوية من يقود التظاهرات». وزير الداخلية نهاد المشنوق (المستقبل) قال إن دولة صغيرة تقف وراء المتظاهرين. وقال النائب العوني نبيل نقولا إن من يقود التحرك هم «مرتزقة» يعملون لمصلحة سفارات.

والحال أن المسارعة للبحث عن هوية ناشطي حملة «طلعت ريحتكم» وتوجهاتهم أفضت بمن باشرها إلى متاهة «السفارات»، فالناشط عماد بزي، وهو أحد الوجوه البارزة في التحرك، تعرّض لحملة من مناصري «حزب الله» على الـ «سوشيل ميديا» أطلق عليه أصحابها اسم «صبي السفارات»، فيما تولى التيار العوني حملة موازية عبر موقعه الإلكتروني على الناشط أسعد ذبيان، مستعيناً بتغريدة قديمة له على «فايسبوك» سخر فيها من الأعياد الدينية لدى المسيحيين، فأشار موقع التيار إلى أن بين قادة التظاهرة من هو «ملحد».

ومتقصو سير وأحوال حملة «طلعت ريحتكم» لن يعثروا على أكثر مما حفلت به سير ناشطين كانوا أطلقوا التظاهرات في معظم دول «الربيع العربي» في اللحظات الأولى من تحولاتها، وهم شباب في أعمار تراوح بين 24 و35 عاماً، من أبناء الطبقة المتوسطة وممن حازوا تعليماً جيداً واحتكوا في جامعاتهم بخبرات في العمل اللاعنفي. عماد بزي الذي درس في كندا، تخصص في الإعلام الجديد، ولوسيان بورجيلي مخرج مسرحي شاب نال جوائز على أعمال قاوم بها الرقابة، ومروان معلوف محام في مجال حقوق الإنسان، وآخرون تحفل سيرهم بمهارات من هذا القبيل. ومن الواضح أن مجموعة «طلعت ريحتكم»، وهي المجموعة الرئيسة والأكثر حيوية بين المجموعات التي خاضت التحرك، هي الأقل ارتباطاً بقوى يسارية حاولت احتواء التحرك سياسياً وتحويله عن مساره.

عبارة «كلن يعني كلن» جاءت رداً على محاولات قوى قريبة من «حزب الله» حذف صورة الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله من المشهد الذي جمع «أركان النظام» بصفتهم مسؤولين عما يجري في لبنان من فساد. وشباب «طلعت ريحتكم» استجابوا لتهديدات تلقوها بضرورة نزع صورة نصرالله بأن سحبوا صور جميع المسؤولين، فيما تولت فرقة «الراحل الكبير» مهمة إطلاق أغنية «كلن يعني كلن» غنت فيها عن غياب سعد الحريري في جبال الألب وعن قتال نصرالله في سورية وعن توريث ميشال عون تياره لصهره جبران باسيل.

وإذا كان للثورات العربية كليشياتها، كـ «الشعب يريد إسقاط النظام» في تونس، و «سلميي سلميي» في سورية، فإن كليشيه التظاهرات اللبنانية هو عبارة «كلن يعني كلن»، التي جاءت رداً على مساعي قوى حليفة لـ «حزب الله» استبعاده من شعارات التظاهر. لكن اللافت أن الناشطين يحاولون تفادي المواجهة مع أي جهة سياسية وطائفية، ويسعون لتركيز شعاراتهم على مطلبهم المباشر، وهو استقالة وزير البيئة ومحاسبة المسؤولين الأمنيين على ممارستهم عنفاً على المتظاهرين، فيما يسعى يساريون وعروبيون من غير القوى الشبابية، لرفع سقف الشعارات إلى مستوى إسقاط النظام، على أن يُستثنى منه «حزب الله».

ومن الواضح أن التظاهرات أفضت إلى إرباك كبير أصاب القوى الطائفية الرئيسة في لبنان، فقد شارك عونيون من دون تيارهم في تظاهرة السبت الماضي، واتصل قواتيون (القوات اللبنانية) بالمشاركين راغبين بمؤازرتهم من دون قرار من قيادتهم، وشارك أيضاً مؤيدون لـ»حزب الله»، في سابقة عصيان هي الأولى من نوعها، وإن كانت لا تكفي للقول بأن تمرداً حصل داخل بيئة الحزب، لكنها مؤشر قابلته وسائل إعلام قريبة من الحزب باتهام المنظمين بأنهم «صبيان السفارات».

(الحياة)

السابق
مجموعة مسلحة قتلت سوريا في عرسال
التالي
إستنفار أمني أمام «مصرف لبنان»: معلومات عن نية لإقتحامه؟