لماذا قطع رئيس المجلس الطريق على «الجنرال»؟

أن يهيل الرئيس نبيه بري التراب على لبننة الاستحقاق الرئاسي، ففي ذلك ما يدعو الى التوقف عنده. أمّا أن يعلن أنه لن ينتخب العماد ميشال عون رئيساً، فذاك مما يستدعي فتح أبواب الأسئلة والاجتهادات على مصراعيْها.
صحيح أن موقف بري من عون ليس مفاجئاً، الا ان «الكيمياء» الضعيفة بين الرجلين، كي لا يُقال المفقودة، لم تحل دون الحفاظ دوماً على «خط الرجعة». فمنذ ان حكمت الظروف ان يكون الطرفان حليفين لحليف مشترك لهما، اي «حزب الله»، والمناكفات تتواصل بينهما على خلفية ملفات واستحقاقات متعدّدة. لكنهما كانا دائماً يبقيان كوة تنفذ منها التوافقات والحلول. والدقة تقتضي الاشارة الى جهد أكبر يبذله بري في هذا المجال، له علاقة بطبيعة شخصية كل منهما وخلفية تجربته.
إلا أن بري ذهب بعيداً هذه المرة. فهو يعرف جيداً ما تعنيه الرئاسة الاولى للعماد عون. ويعرف انها، اضافة الى انتخابات توريث «التيار الوطني الحر»، من أواخر معارك الجنرال التي لن يتهاون فيها.
ولم يكتف بري. فقبل أن يهضم عون استبعاد رئيس المجلس له من السباق الى الرئاسة، عاجله بالتأكيد أنه ورئيس الحكومة تمام سلام واحد، في تكرار متجدّد ومباشر من قبل بري بأنه لن يسمح بفرط عقد الحكومة. وهي الحكومة نفسها، التي ستمدّد للقادة الأمنيين، على رغم اعتراض عون الشديد.
ومع ذلك، قال بري ما قاله عن سابق تقصّد. وهو ما حرّك لدى معنييّن كثراً ملف رئاسة الجمهورية، وحاولوا التدقيق في خلفية كلامه ومدى استناده الى معلومات واتصالات خارجية، سواء لجهة اقتراب تاريخ التوقيت او الاسم المرجّح.
في هذا الإطار، نفى سياسي مستقل، على علاقة جيدة برئيس المجلس، أن يكون لدى بري معلومات عن توقيت قريب او محدد لانتخابات الرئاسة. لكنه، وهو المجتهد في قراءة التطورات ومسار الأحداث، يتأكد له يوماً بعد يوم، خروج اللعبة الرئاسية من الأيدي اللبنانية بالكامل. لقد كان بإمكان اللبنانيين، بحسب ما ينقل السياسي عن بري، «التوقف عن شد الحبال قبل أن تتقطّع بهم وبين ايديهم، وهذا ما هو حاصل اليوم. بالتالي عليهم أن ينتظروا ترجمة مفاعيل الاتفاق النووي ليحظوا برئيس توافقي. وهي فترة غير قصيرة لمن أصبح لهم نحو 450 يوماً من دون رئيس للبلاد، انما لن تكون طويلة بالقدر الذي يروّج له بعضهم».
يشير الى وجوب التنبّه الى «نقطة مبدئية» عند الرئيس بري، كما عند كثيرين ممن يعرفون البلد وطبيعته، وهي أن «هذا البلد لا يمكن ان يُحكم الا برئيس توافقي. وهذا لا يعني مطلقاً رئيساً لا لون او قدرة او حاضنة شعبية له. على العكس. هو رئيس يحظى عند كل طائفة بحصة وحيّز. وله عند كل استحقاق ومفصل رأي حاسم وموقف. لكنه في الوقت نفسه مترفّع عن الدخول في صغائر المناكفات، والأهم أنه بعيد عن التجييش الطائفي والمذهبي. فالبلد لم يعد قادراً على تحمّل أي نوع من المغامرات».
وهل يحمل بري اسم هذا الرئيس، او هل سمع به في أروقة لقاءاته واتصالاته الخارجية؟ يجيب السياسي أن «الرئيس بري لا يسمح لنفسه بأن يفرض على اللبنانيين رئيساً. لكنه بالتأكيد وهو يضع ملامح الرئيس المفترض وصفاته، يحاكي شخصية محددة. وفي الوقت نفسه هو منفتح على كل توافق».
لكن يبدو من الصعب اليوم التوافق على رئيس توافقي. وإذا كان العماد عون هادن بري بعد اجتماع «تكتل الاصلاح والتغيير» بالأمس، مؤكداً عبر الوزير السابق سليم جريصاتي أن «المجلس غير شرعي ولكنه قانوني»، وبعث برسالة ربط نزاع واضحة ومباشرة عبر قول جريصاتي «لم ننكرعلى أحد قانونيته وموقعه في الدولة، المهم ألا يُنكر أحد دورنا وموقعنا». لكن المهادنة، كما الرسالة المباشرة، لم يغب عنها التلميح بخطايا وتجاوزات وردت كلها، ببراءة، في مستهل كلام جريصاتي تحت بند «في المالية العامة»، طالباً توضيحات من وزارة المال حول مبلغ 873 مليار ليرة فقط.
ويصدف أن وزير المال يُدعى علي حسن خليل وهو عضو مجلس قيادة «حركة أمل»، واليد اليمنى للرئيس بري.

(السفير)

السابق
هل دخلت البلاد مرحلة «إدارة الانهيار»؟
التالي
الأسد يلعب.. والآخرون يضيعون الوقت!