إيران تنعي ولاية الفقيه وتخرج منها

يبدو أن تجربة الجمهورية الإسلامية الإيرانية باتباع الإسلام السياسي والعزلة الدولية لم تنجح، لذلك عادت ايران منذ مدة قصيرة الى الاتفاق مع المجتمع الدولي للدخول من جديد في المنظومة الدولية. وعليه فإن المجتمع الإيراني سوف يسير حتما بعد الانفتاح المأمول على الغرب نحو العلمانية والدولة المدنية ويدفن نظرية "ولاية الفقيه".

شكّل الاتفاق المعقود بين إيران والقوى الكبرى وما تبعه بفترة قصيرة جدًا لا تتجاوز الاشهر بعد، آخر مسمار في نعش ما اصطلح على تسميته بتجربة الإسلام السياسي.
إيران حاولت ومنذ انطلاقتها على يد الإمام الخميني منذ 1979 من القرن الماضي، ولأكثر من ثلاثة عقود، أن تقدم نفسها على أنها تجربة رائدة لنموذج جديد من الحكم الاسلامي المتكّئ فقط على عصا المفاهيم الاسلامية، والتشريعات المستقاة من القرآن والسنّة حصرًا. إلاّ أنّ الواقع فرض ومنذ اللحظات الأولى لقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية اتجاها آخر.

اكتشف القيمون على الثورة الإسلامية من علماء الدين استحالة الاعتماد الكلي على الإرث الديني

هذا بعدما اكتشف سريعًا القيمون على الثورة وإدارة البلاد من علماء الدين استحالة التفرد وعدم إمكانية الاعتماد الكلي على ما يمتلكونه من إرث ديني ومنظومة تشريعية. كانوا يظنون خطأً أنها كفيلة وحدها بتسهيل إدارة شؤون البلاد والعباد. وتفاجأوا مبكرًا، كما يقول رئيس القضاء الأعلى، بأن ما بين أيديهم من مخزون تاريخي لا يتعدى 2 % من حاجة المجتمع الحديث ومتطلباته الادارية، فضلا عن المستجدات التشريعية التي لا يمكن الإستغناء عنها، إذا ما أريد للمجتمع الايراني أن يجاري متطلبات المرحلة.

هذا الفراغ التشريعي الهائل والمكتشف عمليًا بعد استلام سدة الحكم من قبل الحوزة برئسة الولي الفقيه، ساهم نظريًا  بالتهافت السريع لشعار “الاسلام هو الحل”. إلاّ أنّ الإمام الخميني استطاع ردم هذه الهوة السحيقة بين الشعار من جهة، ومستلزمات الحكم من جهة اخرى. وذلك عبر ابتكار فرضية أن التشريع الإسلامي يسمح من خلال عناوينه العريضة أن يستعير نظم وقوانين مبتكرة موجودة عند الآخرين طالما هي لا تتعارض بنظرهم مع جوهر المقاصد التشريعية.

التشريع الإسلامي يسمح من خلال عناوينه العريضة، أن يستعير نظم وقوانين مبتكرة  موجودة عند الآخرين

عندها عملت “الجمهورية الاسلامية”، منذ الأيام الأولى من ثورتها، الى إعادة إحياء الكثير من النظم والقوانين المعمول بها أيام الشاه، أو الاستعانة بقوانين أوروبية جديدة، تعالج أكثر الامور حساسية كالقضاء والاقتصاد وآلية إنشاء السلطة فضلا عن التعليم والجمارك والبلديات وغيرهم.

لم يكتف المشرع الإيراني  بهذا، بل عمد أيضا الى تجميد العمل بأحكام دينية تعتبر من الثوابت الواضحات كأخذ الجزية من المواطنين المسيحين، والرجم، وقطع يد السارق، تحت عناوين أن تشخيص مصلحة النظام تقضي بتجميد العمل بها.

فإن كل هذا هو بمثابة القول فعليًا إن الاسلام بمحموله الثقافي هو عاجز عن إدارة المجتمع، وتبيان خطيئة ما حاول الإسلاميون تصويره وتقديمه بما لم يقدم الاسلام به نفسه على المستوى النظري… إلاّ أن هذا أبقى في إيران كما في أي بقعة يصل فيها الاسلاميون الى السلطة، فكرة الادعاء بأنهم سيقدمون تجربة مختلفة عن السائد في عالمنا الاسلامي في المجال السياسي هذه المرة.

وعليه فقد استمر النظام الايراني مسكونا  بشعار آخر لا يقل نرجسية ولا واقعية من شعار “الاسلام هو الحل”، بشعار كلّف المجتمع الايراني سنوات من التخبط والتقوقع ودفع الكثير من ثروته ومقدراته وهو شعار “لا شرقية ولا غربية جمهورية اسلامية “… ليأتي أخيرا التوقيع على الاتفاق النووي بمثابة إقرار متأخر، بأن هذا الشعار هو الآخر كمثيله، “الإسلام هو الحل”، ليس أكثر من شعار أجوف أكّدت التجربة أنه غير قادر على الصمود.

فإن كان استيراد االكثير من القوانين والانظمة المعمول بها في الغرب يفضح انكشاف زيف مقولة قيام حكومة “اسلامية”، فإن الحاجة إلى الدخول في منظومة المجتمع الدولي عبر الاتفاق معه وعدم معاداته أو حتى محاولة التمايز عنه، هو بمثابة نعي أخير لما سمي بالإسلام السياسي.

وعليه فإن المجتمع الإيراني سوف يسير حتما بعد الانفتاح المأمول على الغرب نحو العلمانية والدولة المدنية ويدفن نظرية “ولاية الفقيه”.

السابق
سامي الجميل إلى سلام: للدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء ومن لا يريد الحضور عمرو ما يحضر
التالي
مقدمات نشرات الأخبار المسائية ليوم الإثنين في 3/8/2015