اتفاق فيينا: هل تعود إيران الى الشرعية الدولية؟

انتهت ليالي الديبلوماسية الطويلة في فيينا، وفق “المستقبل”، الى اتفاق بين مجموعة 5 +1 وإيران بشأن البرنامج النووي. الجميع كان يتوقع التوصل الى اتفاق، نظراً الى لهفة الرئيس الأميركي باراك أوباما الى إنجاز ديبلوماسي يطرز به ولايتيه الرئاسيتين، والى حاجة الرئيس الإيراني حسن روحاني لنافذة على العالم يراهن أن تهب منها ريح تخفف ثقل أوضاع شعبه الاقتصادية والمعيشية بل والسياسية وتعزز مكانته في هرمية نظام ولي الفقيه. مع ذلك كان الوصول الى “اتفاق فيينا” عملية صعبة استغرقت سنتين من المفاوضات الشاقة لتحديد تفاصيله، وربما سيكون فرض إقراره وتطبيقه واحترامه صعباً بالقدر نفسه، نظراً الى قوة المعارضين له في الولايات المتحدة وإيران والمنطقة، ونظراً أيضاً الى ثقل السؤال الذي يفرضه الاتفاق حكماً: هل سنرى عودة النظام الإيراني الى حضن الشرعية الدولية؟.

ورأت “النهار” أن الخريطة السياسية الدولية لن تكون كما كانت من قبل، ولن تكون خريطة المنطقة كما عرفناها منذ الثورة الاسلامية في ايران عام 1979. وسيبدل الاتفاق النووي الايراني وجه المنطقة، وستذهب الأمور بالتأكيد نحو تغيير للأولويات، وللأهداف وربما أيضا للتحالفات. انتظر الجميع مسار المفاوضات بفارغ الصبر، وتابعوا محطاتها وجولاتها التي تنقلت بين مدن وعواصم كثيرة، ووقفوا عند تفاصيل التفاصيل، منهم من هلل للاتفاق من حلفاء ايران، واعتبروه محطة مفصلية في مسار الصراع مع الطرف الآخر، ورأوا في التوصل اليه تدعيما لمواقعهم. أما المتضررون، فحاولوا قطع الطريق عليه مرارا وتكرارا، كمن يحاول ابعاد الكأس المرة عن شفتيه.

وأشارت “المستقبل” إلى أن أوباما وروحاني احتفيا بالاتفاق. وكلاهما اعتبرا أنه يحقق له الأهداف التي سعى اليها. وبانتظار تكشف كل تفاصيل الاتفاق وبنوده ليصبح ممكناً قراءته من منطلق الخسارة والربح، فإن الأسلم التعاطي معه حالياً على أساس أنه “يفتح صفحة جديدة”. قد تكون  للداخل الإيراني تنعش تطلعات الشعب للتنعم بخيرات بلدهم التي استنزفتها سياسة المتشددين في تمويل أحلام توسع مذهبي في المنطقة، وتقوي الخيار الإصلاحي الذي جاء روحاني الى الرئاسة ممثلاً له. قد تكون أيضاً  بين طهران والغرب الطامع بسوق متعطشة الى أقصى حد لعشرات مليارات الدولارات التي سيفك الحجز عنها لإنفاقها على بنية تحتية متآكلة. لكنها قد تكون أيضاً  تستهل فصل سباق تسلح غير مسبوق في الشرق الأوسط حيث لن يرضى كثيرون بالتفرج على “إيران نووية” بعد “إسرائيل النووية”، خصوصاً أن التاريخ أثبت أن ما من سلاح دخل الى المنطقة إلا واستخدم. وفي الجرائم الكيميائية التي نفذها بشار الأسد أكثر من عبرة.

لكن الولايات المتحدة، وفق “النهار”، بادارة الديموقراطي أوباما اتخذت القرار واطلقت مفاوضات مع ايران بعد اسابيع قليلة من وصول المعتدل روحاني الى الرئاسة الايرانية، وراهنت على الاتفاق بصداقات وتحالفات تاريخية، واليوم بات الاتفاق واقعاً لا مفر منه، وعنوانه العريض: قطع الطريق على ايران ولمدة 10 سنين على الاقل لانتاج قنبلة نووية، لكن ايران تحوّلت اليوم، وباعتراف المجموعة السداسية ولاحقاً الامم المتحدة، دولة ذات تكنولوجيا نووية سلمية، تمتلك الدورة الكاملة للتخصيب، وفي المقابل رفع عقوبات أنهكت الاقتصاد الايراني والايرانيين معاً، وستتمكن ايران في وقت قريب من استعادة عشرات المليارات (الرقم التقريبي يراوح بين 100 مليار و180 مليار دولار) من الأرصدة المجمدة في المصارف الغربية ومن عائدات النفط التي صدرتها ايران خلال الفترة الماضية من غير أن تتمكن من تحصيل أموالها بسبب قرار الحصار المالي المفروض عليها، كما ستتمكن من معاودة تصدير انتاجها النفطي بكل أشكاله، واستيراد ما تحتاج اليه من معدات وتقنيات مدنية. وما هي الا ايام قليلة حتى ينتقل كل ما اتفق عليه الى مجلس الامن كي يتحول كل ذلك الى وثائق رسمية تعيد ايران الى الحظيرة الدولية دولة كاملة الحقوق والواجبات، ولو ببرنامج نووي محدود بالاستخدام المدني لكنه طموح مستقبلاً.

وأكدت أوساط ديبلوماسية أميركية لـ”النهار” أن الاتفاق يشكل مدخلاً حقيقياً لعلاقات جديدة بين ايران والولايات المتحدة وتالياً “ستكون لذلك تداعيات مباشرة على مقاربة ملفات المنطقة”. وأوضحت هذه الاوساط في معرض تعليقها على علاقة الاتفاق النووي بملفات المنطقة، أن التفاهم بين إيران والولايات المتحدة، وهما دولتان منغمستان الى حد بعيد في تلك الملفات، لن يكون محصورا بالبرنامج النووي وحده “فهذا اتفاق سياسي في الدرجة الاولى عنوانه العريض نووي ولكن من الطبيعي أن يطاول التفاهم ملفات ذات اهتمام ومصالح مشتركة”. ويتقاطع هذا الكلام مع اشارات واضحة أمكن رصدها من مواقف وتصريحات الاطراف بعيد اعلان الاتفاق.

وفي نيويورك، توقع ديبلوماسيون غربيون في مجلس الأمن بحسب “النهار” أن تضطلع ايران بـ”دور مسؤول” في حلّ الأزمات التي يواجهها الشرق الأوسط، من سوريا الى اليمن ومن العراق الى لبنان، فيما قالت “الجمهورية” أنه ما بعد الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية سيكون غير ما قبله لبنانياً وإقليمياً ودولياً، إذ يتوقّع الجميع ان ينعكس إيجاباً على الازمات في لبنان والمنطقة، وربما يكون اليمن، ومن بعده، او الى جانبه، لبنان أول المستفيدين من هذا الاتفاق، ولكنّ الاولوية يرجّح ان تكون تفعيلاً للتحالف الدولي ـ الاقليمي لمكافحة “داعش” وأخواتها كخطوة مطلوبة بإلحاح لإنهاء الازمات الاقليمية، خصوصاً في سوريا والعراق واليمن الذي يرجّح ان تنشط الاتصالات في شأنه لتوفير حلّ يطمئن المملكة العربية السعودية الى خاصرتها اليمنية، ما يؤسّس لتعاون إقليمي لمعالجة بقية الازمات.

السابق
3 جرحى في حادثي سير
التالي
أوباما: الاتفاق مبني على «التحقق» وليس «الثقة»