جرائم رمضان.. جنوب لبنان

جريمة البابلية
ما سرّ هذه الجرائم التي وقعت في إسبوع واحد في ثلاثة أقضية في الجنوب: صيدا، النبطية، بنت جبيل؟ خاصة أن الاشكالات التي كانت سببا لإطلاق النار والقتل لا تبرّر كل هذا الاجرام؟

في العدد 100 من مجلة “شؤون جنوبية” الذي صدر في شهر آب من العام 2010 كتبتُ تحقيقا بعنوان: “4 رجال يقتلون زوجاتهم في شهر واحد ما هي الدوافع العامة لإرتكاب مثل هذه الجرائم؟”
فالجرائم الاربعة تتشابه في عناوينها العامة: زوج يقتل زوجته. هذه الجرائم الأربعة حصلت ضمن فترة زمنية قصيرة لا تتعدى الشهرين.

اما الجرائم الثلاثة الاخيرة التي وقعت خلال أسبوع واحد وفي الجنوب أيضا في كل من البابلية وشقرا وعدشيت، تمت بين رجال وعلى يد رجال. فهل ثمة خلل ما في البنية الاجتماعية للمجتمع اللبناني بشكل عام؟ والجنوبي بشكل خاص؟

حادثة البابلية
كتب د. عباس مزهر: “أمس بعد الإفطار دخل أخي علي مزهر إبن العشرين عاما غرفتي ليمازحني، فطلبت منه تركي وشأني لأنني منشغل بتحضير دراسة حول ثقافة الإرهاب. فخرج مع أصدقائه إلى استراحة البلدة، وإذا بشخص لعين يعتدي على الآمنين بإطلاق النار، فأصيب أخي بطلقات في العنق سحقت ثلاثة فقرات وقطعت حبل الوريد، وأصيب صديقه علي قاسم إصابة خطيرة في الكبد والكلية والطحال وصديقه الآخر هادي حطيط إصابة متوسطة. اليوم قال لي كبير الأطباء: لقد فعلنا أقصى ما تستطيعه القدرة البشرية، ننتظر معجزة إلهية، وإن حدثت المعجزة قد تؤدي إلى شلل كامل. يعني فقط يمكنه أن يحرك عينيه الزرقاوين الجميلتين.

اندلع اشكال بين حركة أمل وحزب الله في بلدة عدشيت في جنوب لبنان قضاء النبطية أدى الى تضارب بالايدي والعصي، ومن ثم اطلاق نار مسفراً عن سقوط 3 جرحى

إخواني.. إن المعتدين ليسوا من داعش، بل من منطقتنا، ولكن ثقافة الإرهاب تعممت. إخواني إمنعوا أولادكم من مشاهدة جرائم الإرهاب حرقا وغرقا وذبحا، لأن العدوى أصابتنا. أخي وأصدقاؤه أصيبوا عن طريق الخطأ، وهم لا يعلمون لماذا سقطوا. الجرحى الآخرون: قاسم ريحان، علي ريحان، ابراهيم ريحان، أصيبوا في باحة المسجد. والجريح حسن مخدر على الطريق العام. لا زال اثنان من المعتدين هاربين. الصبيان الثلاثة اخي وصديقاه الخجولان المهذبان وهم الذين ما زالوا في صبا الطفولة أصبحوا ضحايا ابرياء. أعتذر بسبب عجزي عن الرد على رسائل كل الذين راسلوني. وسأغيب عنكم لمتابعة الملف القضائي بهدف إنزال أقصى العقوبة بحق أصحاب السلوك الإرهابي”. ومساء أمس أعلن عن وفاة الشاب الضحية البريئة علي مزهر، وتم تشييعه اليوم في بلدته البابلية.

حادثة شقرا
“جريمة قتل وقعت قرابة الساعة الرابعة والربع من فجر يوم الثلثاء الماضي في بلدة شقرا- قضاء بنت جبيل، وفي التفاصيل وفقاً للمصدر إن حسين محمود ديب 55 عاماً اطلق النار من سلاح حربي على مختار محمد ويزاني 20 عاماً فاصابه اصابة حرجة نقل على اثرها الى مستشفى تبنين الحكومي لكنه سرعان ما لبث ان فارق الحياة. وتولت فصيلة درك تبنين التحقيق بالحادث الذي تبينت أن اسبابه انزعاج ديب من مرور ويزاني بالشاحنة التي يعمل عليها على طريق داخلية مشتركة للجاني والمجني عليه، وبعد علم والد ويزاني محمد حسين ويزاني 77 عاماً بوفاة ابنه اصيب بسكتة قلبية وتوفي على الفور.
وفور شيوع نبأ مقتل الشاب ووفاة والده توجه اشقاء القتيل مع مندفعين الى محيط منزل الجاني في محاولة لهدمه واضرام النار فيه ولكن الجيش كان حاضرا وحاول منع الهدم، غير ان حريقا اتى على قسم من المنزل من الخارج”.

اخواني.. إن المعتدين ليسوا من داعش، بل من منطقتنا، ولكن ثقافة الإرهاب تعممت

حادثة عدشيت
“اندلع اشكال بين حركة أمل وحزب الله في بلدة عدشيت في جنوب لبنان قضاء النبطية أدى الى تضارب بالايدي والعصي، ومن ثم اطلاق نار مسفراً عن سقوط 3 جرحى أحدهم اصابته حرجة. اندلع الاشكال ما قبل الافطار على خلفية تمزيق صورة شهيد حزب الله علي صالح ، مما استدعى نوع من ردة فعل. تم اتهام شخص ينتسب الى حركة أمل بالاقدام على هذا الفعل الا انه نفى ذلك. لكن الاشكال الاخير تطور، وتخلل الاشكال تضارب بالايدي والعصي قبل الافطار وما لبثت ان هدأت الأمور الى ان عاد وتطور الى حد اطلاق الرصاص بعدما تهجم مسلحون من حزب الله على مقر الحركة في المساء، وبدأ اطلاق النار من الطرفين وقد اصيب المسؤول العسكري لحركة أمل حسن علي ناصر اصابة حرجة، وأطلق عليه النار عمداً، اضافة الى اصابة اثنين آخرين، شاب من آل صالح وآخر من آل سعد. على الفور تدخلت قوى من الجيش اللبناني واجتمعت اللجنة الامنية التابعة للحزب والحركة لحلّ الاشكال”.

شقرا
المغدور مختار ويزاني ووالده من شقراء

لماذا؟
هو شهر رمضان شهر العبادة والمغفرة، ولكن يبدو أن الخلط بين الدين والدنيا، وبين العبادة والعمل الحزبي، كان له أثره السلبي على المؤمنين في جنوب لبنان، وإلى أن تنجلي غبرة ما يحدث في بلادنا عامة من تطورات جعلت من انتشار السلاح هو العنوان الأبرز لهذه المرحلة الدموية التي نعيشها، فان جرائم على هذا النحو سوف تبقى دائمة التوقّع والحدوث.
فالرجل اللبناني كما يبدو من معظم الاحداث التي نسمع عنها في لبنان بشكل عام انه بات عصبيا متوترا بعد سلسلة حوادث عامة. فمن أين نشأت هذه المتغيرات؟ وكيف بدأت؟ وهل هذه الجرائم تشكل علامات على تغييرات تسري بشكل خفيّ غير ملحوظ كليّا من قبل علماء الاجتماع في بلدنا؟
أسئلة تحّير بعض الباحثين في إيجاد الإجابة عليها، فجاءت الردود لتعبّرعن وجود أزمة إقتصادية أنتجت كل هذه العلاقات الإجرامية علما أن المتعارف عليه في المجتمع الجنوبي انه أهدأ من أبناء المناطق الأخرى.
ويبقى السؤال معلقا بإنتظار من يراقب ويحلل ويعد الدراسات حول هذه الظاهرة الغريبة!

السابق
لماذا يخاف حزب الله من «استفتاء عون» الرئاسي؟‎‏
التالي
مناورة اسرائيلية بالذخيرة الحية في مزارع شبعا