هل الدروز أمام منعطف تاريخي؟

كُتب الكثير عن الموحدين الدروز وسيُكتب الكثير أيضاً. البعض كتب عن شجاعتهم وتوحدهم في أيام الشدائد، والبعض الآخر سلط الضوء على إنقسامهم في فترات السلم. البعض إستغرب الضوضاء التي صدرت بعد حادثة إدلب لا سيما مع السقوط اليومي لمئات القتلى من مختلف المناطق السورية دون أن يحرك أحد ساكنا وكأن مشهد القتل أصبح معتاداً وأن مروره في نشرات الأخبار إنما هو أمر طبيعي لا يميزه سوى بعض الحالات الاستثنائية عندما يمارس القاتل ساديته بطريقة وحشية وبربرية، وكأن القتل بالصواريخ والقصف وبراميل البارود أصبح شأناً عادياً، أما قطع الرؤوس والأعناق وإشعال النار في الأحياء فهو فقط الأمر المدان!

مهما يكن من أمر، فإن ما وقع في قرية قلب لوزة هو حادث مستنكر وأليم سقط بنتيجته عدد من الشهداء ودماء هؤلاء الشهداء، كدماء كل السوريين، هي دماء غالية وعزيزة. لقد تكشفت رويداً رويداً وقائع تلك الحادثة التي أثارت الأخبار الأولية عقب حصولها بلبلة وتوتراً لا سيما عندما تمت الإشارة إلى الذبح وتم تضخيم أعداد الشهداء وهو ما تبين عدم صحته لاحقاً. طبعاً أسارع الى القول مجدداً هنا أن عدم حصول القتل عن طريق الذبح لا يلغي واقعة الاستشهاد ولكن الاشاعات التي بثتها بعض الأوساط الإعلامية المغرضة كانت كفيلة بتوتير الأجواء.

ومع توالي ردود الأفعال السياسية في لبنان وسوريا وفلسطين حيال تلك الحادثة، تكشفت الحقائق والثوابت التالية:

أ- إن تفاوت الآراء الدرزية حيال الأزمة السورية ليس وليد هذه الحادثة وعمره من عمر الثورة السورية مع إصرار أطراف درزية على الالتصاق بالنظام السوري رغم كل ما قام ويقوم به في مقابل الموقف الواضح والصريح الذي اعلنه رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط مؤكداً الانحياز إلى جانب الشعب السوري في ثورته المحقة ومطالبه المشروعة في الحرية والكرامة.

ولكن مع تطور الأحداث، يبقى أن الأبرز هو عدم السماح بأن يؤدي هذا التنوع الدرزي في أي شكل من الاشكال لتوريط الدروز في حروب تفوق طاقتهم، وسفك دمائهم مجاناً نتيجة مواقف متهورة ومتسرعة ومعاكسة لمنطق العقل والتاريخ.
ب- إن خروج البعض للإستنجاد برأس النظام السوري بشار الأسد وإستجدائه لتسليح الدروز في سوريا، إنما يؤكد وجهة النظر التي عبر عنها الحزب التقدمي الإشتراكي منذ إندلاع الثورة السورية والتي تؤكد أن النظام السوري لا يكترث سوى لبقائه وإستمراريته حتى ولو كانت على أشلاء السوريين من دروز وسنة ومسيحيين وحتى علويين (أي طائفته المفترضة) التي سقط منها ما يزيد على نحو 70 ألف قتيل حتى الآن. فهل من المتوقع أن يهتم لأمر الدروز؟ ولو كان فعلاً مهتماً لأمرهم، هل كان تركهم في العراء كما فعل في هذه اللحظة الحرجة حيث سحب أسلحته وآلياته الثقيلة من السويداء؟
إن الهم الوحيد للنظام السوري هو البحث في سبل إطالة ديمومته دون الإكتراث الجدي لأي من الطوائف أو المذاهب التي، على العكس، سعى مراراً وتكراراً لتأليبها على بعضها بعضاً وإشعال نار الفتنة في ما بينها للحفاظ على سطوته وسيطرته التي تحولت إلى سيطرة ضعيفة لا يدعمها سوى الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني وبعض الميليشيات العراقية التابعة لطهران وما تبقى من الجيش السوري الذي أنهك على مدى السنوات القليلة الماضية.
ج ـ دلت الحادثة التي وقعت في إدلب كذلك على أن المعارضة السورية، رغم إختلاف مكوناتها وتبعثرها وعدم قدرتها حتى اللحظة على بناء رؤية مشتركة وتوحيد صفوفها لمواجهة المرحلة المقبلة، إنما تتمتع بروح عالية من المسؤولية ولقد ظهر ذلك من خلال المواقف والبيانات التي صدرت بُعيد الحادثة وأكدت على الوحدة الوطنية ورفض التعرض لطائفة الموحدين الدروز. فمواقف الجبهة الجنوبية صبَّت في هذا الإطار وأكدت على التعايش المشترك، وحتى جبهة النصرة ذاتها أكدت أن المسؤولين عن الحادثة سوف يُحالون إلى المحكمة وأن ما حصل لم يكن منسقاً مع القيادة، وهذا البيان له دلالاته. كما أن الإئتلاف الوطني السوري عكس مواقف عالية المسؤولية كذلك الأمر.
د ـ أخيراً، يبقى الموقف الإسرائيلي الإنتهازي الذي دخل على الخط مقدماً نفسه كمظلة حامية للدروز، وهو موقف مرفوض. رُفض تاريخياً وسيرفض حاضراً ومستقبلاً. فالموحدون الدروز ليسوا بحاجة لحماية من إسرائيل وهم الذين فاخروا ويفاخرون بهويتهم العربية والقومية وبنضالاتهم ضد الإحتلال الإسرائيلي كما سابقاً ضد الإنتداب الفرنسي. وهذه المواقف الإسرائيلية مردودة شكلاً ومضموناً.
لقد بذل النائب وليد جنبلاط على مدى السنوات الماضية جهوداً إستثنائية للتأكيد مع دروز فلسطين على رفض الخدمة العسكرية الإلزامية وللتشبث بالهوية العربية والقومية ونجح في ذلك، واليوم من غير المقبول مجرد التفكير بالحماية الإسرائيلية التي تتقاطع في مكان مع النظام السوري وسياساته في التدمير المنهجي لسوريا.

ختاماً، الدروز في سوريا لا يعيشون في جزيرة معزولة. المأساة التي تعيشها كل مكونات الشعب السوري هي مأساتهم والعكس صحيح. لذلك، لا مفر من المصالحة مع المحيط، مع درعا وحوران، وبناء تفاهمات تكون كفيلة بتمرير هذه المرحلة الصعبة التي تشهد فيها الأزمة السورية منعطفات غير مسبوقة. وان غداً لناظره قريب!

(المستقبل)

السابق
لبنان ليس متروكاً…
التالي
الأسد.. رأس الهرم المقلوب