سارة الأمين والباقيات الصالحات…

لم يشفع لسارة الأمين أنّها أمّ لأربعة من أبنائه، فقد أقدم زوجها علي الزين على إمطارها بـ17 طلقة وأرداها صريعة، وجريمتها أنّها رفعت عليه دعوى طلاق بعد أن تمادى في إيذائها، بادية فحص تكتب بهذه المناسبة راثية المرأة المقهورة في بلادنا، وما سارة إلا نموذجا فاقعا يعبّر عن هذا القهر العتيق.

حسنا فعلت يا سارة، أثبت أنك إنسانة متصالحة مع نفسها، حين كبرت عقلك وعدت إلى بيتك، وحين سامحت زوجك كما ينبغي لامرأة صالحة أن تفعل. ولو لم تتراجعي وتتخلي عن عنادكِ لخربت بيتك وخسرت زوجك وشردت أولادك، مثلما فعلت كثيرات منا، صغرن عقولهن، وغالطن قدراتهن.

أتعرفين أنك محسودة على موتك؟ أجل، بعض النساء في بلادنا يحسدن بعضهن الآخر على الموت لا الحياة، لأنه منقذهن من جور الدنيا والدين، لأن جوار الخالق أفضل من مجاورة هذا المجتمع الجائر.

هبي أنك أردت الطلاق، أتظنين أنه سهل المنال؟ أنت امرأة، يعني أنت ناقصة عقل وحظ ودين، الناقص لا يحق له أن يرفض الكامل، والرجل في شرعنا هو الكمال كله وعينه، هو فقط من يحق له أن يكره ويحب، ويؤدب وينكح، ويساكن ويهجر، ويطلق ويتزوج واحدة ثم مثنى ثم ثلاث ثم رباع، وأنت في كل هذا يجب أن تكوني راضية، صابرة، مطيعة، حافظة لبيتك وفرجك، وإلا يسمونك ناشزا.

الخير في ما اخترته يا سارة، عدت لأنك أدركت أن لا حياة للمرأة خارج سلطة الرجل، أي رجل، أن عالمها قائم على ثنائيات متناقضة، لا ثالث بينها: الزواج ستر والطلاق فضيحة، الرضوخ حكمة والاعتراض تهور، السكوت كرامة والشكوى مذلة.

افرضي أنك حصلت على الطلاق، ليس بشطارتك طبعا، بل إذا كرهك أو أي شيء آخر تافه حتى، هو يحق له أن يطلقك لأنه كرهك، أما أنت فلا. يجب أن تبحثي عن علة أخرى، غير عاطفية بالطبع، كالقتل مثلا، لأنه عار على المرأة أن تخرب بيتها لأسباب عاطفية. من يضمن لك أن تحصلي على حضانة أطفالك؟ وإذا تنازل لك عن حضانتهم، من يضمن لهم نفقة محترمة؟ نفقة لا شفقة؟ أما إذا لم يعاقبك بالحرمان الأبدي من رؤيتهم، سيتكرم عليك بحق الرؤية الشرعية الذي لا يتعدى أربعا وعشرين ساعة من العذاب في الأسبوع.

دعينا من طليقك، أنت المطلقة كيف ستعيشين في مجتمع أنت في شرعه عورة وفي عرفه عار، وصورتك فيه هي انعكاس لنوعك الجندري، كما أنه بحسب طائفتك يحق لك أن تستمتعي “من المتعة”، يعني ينبغي عليك أن تهبي جسدك للباحثين عن مغامرة مجانية خارج التزاماتهم، للهاربين من رتابة علاقاتهم الزوجية، وستنهال عليك مكالمات آخر الليل، والعواطف المبتذلة، مقرونة بالغمز والهمس واللمز، وعروض الزواج الموقت كالقنابل الموقوتة، وستصبح سمعتك عبئا عليك وعلى عائلتك وأولادك ونساء أخريات.

أنت أكثرنا جرأة يا سارة، مشيت إلى حتفك بقلب واثق وقدمين حرتين، كما يمشي الأبطال إلى نهاياتهم، كنت تعرفين أن الطريق إلى بيتك ستوصلك إلى المقبرة، لكنك لم تترددي، الحبل المعلق فوق النار شبع ترنحا، نزولا وصعودا، يمينا وشمالا، فقطعته، وجدت أن موتا واحدا علنيا أرحم بكثير من موت يومي وبصمت.

راجعي من حيث تنظرين إلينا، كم الفتاوى والتشريعات والمفاهيم التي تتحدث عن حقوق المرأة في الدين والقانون، لن تجدي غير أن واقعها يطعن في المزيد من السواد، لن تجدي غير أن مجتمعاتنا، شرعنا، قوانينا، تنحدر عميقا نحو التخلف والتعصب والعنف، ووسط هذا السواد والانحدار، لن تري غير المرأة من يدفع الأثمان، مرة في الخراب ومرة أخرى في إعادة البناء. أليس رحم المرأة الذي لم يكف منذ بدء البشرية عن الإنجاب هو مصنع الحياة؟ وبهذا التجويف الصغير غير المرئي حافظت على استمرار العرق البشري، في وجه الرجل الذي أعمل يديه وطوع جسده وعقله لإفنائه؟

أنظري إلينا من حيث أنت الآن يا سارة، كل واحدة منا تناجي ملك الموت كما لو أن التفاتة منه إليها هي غاية حياتها، ولا تندمي لأنك مت، لا تأسفي على عمر لم يفتك منه إلا المزيد من الأسى. فمنا من قضت نحبها ومنا من تنتظر، ولن يتبدل شيء حتماً…ابداً.

السابق
اسرائيل: حزب الله يعزز يوميا أمن إسرائيل بخسارة عناصره في سوريا
التالي
حزب الله إيران: نحتاج لـ50 ألف جندي لمنع سقوط الأسد