حزب الله منتحراَ

كان لنا ان نصف كلام الامين العام لحزب الله حسن نصرالله بانه شمشون الكلام يختم به حياته السياسية ويقطع اخر رابط بين مكونات الشعب اللبناني، ولكن شمشون فعل ما فعله بهد الهيكل بارادة حرة، لم يكن هناك من يملي عليه مصالحه ويحركه بالاتجاه الذي يرغب، كمان ان شمشون كان يعتمد على القوة التي منحها له الله بحسب الاسطورة، ليدافع بقوته الذاتية عن شعبه، ولا يقف خلف شعبه ويحرضه للدفاع عن مصالح لا تعنيه.
ليس شمشون، ولكنه ينتحر بمن يقول له ان المعركة وجودية، وان التهرب من الحرب هذه او التراجع في المعنويات سيؤدي الى الذل والهيام في دول العالم والانتقال من نكبة الى اخرى، والسبي والذبح. وان الوجود هو ما بات على المحك.
لمن وجه الامين العام لحزب الله كلامه؟ من هو الجمهور المستهدف خلف الجرحى وكوادر الحزب الذين حضروا الخطاب المتلفز؟
اعتمد الحزب في نشر كلام الامين العام على صحيفتين، “السفير” و”الأخبار”، ليؤكد ان التسريب مقصود، وموجه الى الاخصام (وبرأيه لم يعد هناك خصومة بل عداء كامل) قبل ان يكون موجها الى جمهوره.
ما يريد الامين العام للحزب قوله واضح، لم يعد هناك سياسة، نهاية السياسة تعني بداية الحرب الشاملة، لن يكون هناك صمت على كل من عمل بفعالية ضد الحزب ورأيه السياسي، كل من عمل او يعمل ضد هذه الارادة هو خائن او عميل.

مذهبية المعركة

انتهى كل الكلام عن المعركة من اجل حماية لبنان، ومن اجل النظام، ومواجهة المؤامرة على المقاومة والممانعة، لقد دخلنا مرحلة جديدة تماما، لقد اضحت المعركة او التعبئة للمعركة اليوم هي مسألة طائفية، (استحضار معركة صفين بين علي بن ابي طالب ومعاوية بن ابي سفيان) حيث يقول الامين العام لحزب الله :” ويجب أن نكمل الى صفين ومن يثبت في صفين يكون قد وصل».
ويتابع نصرالله ايضا لمزيد من مذهبة المعركة ورفع مستوى التأثير في جمهوره وحشد للذهاب الى القتال: “ولن نسكت بعد اليوم ولن نداري أحداً. هي معركة وجود، وكذلك معركة عرض ومعركة دين، ولا دين لنا مع هولاء التكفيريين».
ويستعدي الامين العام الكل، ما عدا من يلحق به، ومع التركيز على مذهبية المعركة، فهو يلوح بالويل والثبور للبقية.
ويعود هو نفسه بالتاريخ الى حقبة قريبة من تلك التي يعتمدها “التكفيريون” لبناء ايديولوجيتهم عليها، مستحضرا خلافا عمره ١٤٠٠ سنة، تماما كما يستحضر “التكفيريون” حقبة “السلف الصالح” وليبنوا عليها احكامهم، الا ان نصرالله هنا يبدأ متأخرا في قسمة العالم الى قسمين، بعد ان سبقه اسامة بن لادن، فهو يرى الى قسم ذهب مع معاوية وقسم ثبت فوصل بحسب تعبيره، او بالتعبير السياسي الحديث والكلام ايضا من الامين العام، قسم هو الـ “نحن” واخر هو “كل من عدانا” وهم الخونة والعملاء (دون ان يحدد خونة ماذا وعملاء لمن هذه المرة).

خيارات نصرالله

ولانها معركة مذهبية، او يريد خوضها تحت الشعار المذهبي الصافي هذه المرة، فانه يخاطب الشيعة عبر الجرحى الذين التقاهم، ويقول ان الخيارات محدودة: «خياراتنا ثلاثة: ١) أن نقاتل أكثر من السنوات الأربع الماضية. ٢) أن نستسلم للذبح والنساء والبنات للسبي. ٣) أن نهيم على وجوهنا في بلدان العالم ذليلين من نكبة إلى نكبة». وبحسب رواية جريدة “السفير” هناك خيار رابع هو مبايعة “التكفيريين”.
وكون المعركة مذهبية ايضا، فلن يكون هناك رحمة تجاه الطرف الاخر، وسيفرض نصرالله عليه نفس الخيارات، اي انه يتوجه بالقول الى جمهوره “نقاتل اكثر حتى نذبحهم ونسبيهم، او يهيمون على وجوههم في بلدان العالم ذليلين من نكبة الى اخرى” منطق هذا الصراع هو تناحر، اي ان طرف يجب ان ينهي طرف اخر بنصر واضح ونهائي. وهو يتوعد كل من ليس من صفه او وجهة نظره بمصير يتخيله او يوحي به لرجاله (الذبح والسبي والتوهان في بلاد العالم). على الرغم من ان التاريخ قلما شهد انتصارات نهائية ومحسومة، ونهاية واضحة للتعبئة المستندة الى المنطق التناحري.

نقاتل في كل مكان

«سنقاتل في كل مكان، بلا وجل ولا مستحى من أحد، سنقاتل بعيون مفتوحة، ومن لا يعجبه خيارنا فليفعل ما يراه مناسباً له».
«إذا استنهضنا الهمم، وكنا على قدر المسؤولية فسنحطم عظامهم. وكل من يثبط أو يتكلم غير هذا الكلام هو غبي وأعمى وخائن. شيعة السفارة الأميركية خونة وعملاء وأغبياء، ولن يستطيع أحد أن يغير قناعاتنا ولن نسكت بعد اليوم ولن نداري أحداً”.
اتجاه واضح بناء على ما تقدم الى التعامل مع الخونة بصفتهم كذلك، لم يعد الامر مجرد اتهام للتهويل، بل هو تهديد بتنفيذ الاعدام او حكم الخائن والعميل على هؤلاء المتهمين، ومن دون خجل او ومستحى من احد. وكذلك اتباع مسار الامام الفقيه الى حيث يقود الحزب ورجاله، ومحاولة توريط كل الشيعة في هذا الخطاب المذهبي لدفعهم الى القتال “دفاعا عن انفسهم بعد ان وضعهم في الزاوية وورطهم بسوريا وغير سوريا ثم بدأت المصائب تتوالى عليه وعلى حزبه والنظام السوري وايران.
«لو لم نقاتل في حلب وحمص ودمشق، كنا سنقاتل في بعلبك والهرمل والغازية وغيرها» (حلب حمص دمشق هي مدن سنية الطابع، وبعلبك الهرمل الغازية مدن لبنانية ذات طبيعة شيعية)
معنى كلامه الافتراضي انه ذهب الى قتالهم وغزوهم في عقر دارهم، ايضا على مستوى الخطاب المذهبي هذا يمكنه ان ينجح، ولكن على مستوى الشعارات التي كان يرفعها وحماية لبنان والدفاع عن النظام بوجه المؤامرة الاميركية، فهناك احد الخطابين كذب، اما المؤامرة والدفاع عن الشعب اللبناني واما قتالهم في مدن السنة بدل انتظارهم للوصول الى مدن الشيعة.
ثم ان الافتراض يمكن ان يواجه افتراض اخر اكثر جدارة ومنطقية، انت ذهبت الى هناك وانهزمت، وحولت المعركة الى معركة طائفية بعد ان كانت ثورة ضد نظام ظالم، اليوم لا شيء سيمنع هؤلاء من اللحاق بك الى (بعلبك الهرمل والغازية) الا حل سياسي بعد انتصار الثورة، والمزيد من القتال سيؤدي الى ان يتم طحنك انت والشيعة بفعل النسب العددية.

التضحية بنصف او ثلاثة ارباع

لانها عرضة لطحن بسبب تفوق عددي فهو يحضر اتباعه لمعركة بمتطلبات اكبر من طاقتهم، يقول «هذه الحرب لو استشهد فيها نصفنا وبقي النصف الآخر ليعيش بكرامة وعزة وشرف سيكون هذا الخيار الأفضل. بل في هذه المعركة، لو استشهد ثلاثة أرباعنا وبقي ربع بشرف وكرامة سيكون هذا أفضل”. وبالتالي فهو يدرك انه يتجه بجمهوره نحو مجزرة طائفية مذهبية ويطلب منهم التجهيز لها.

سنحطم عظامهم

لم يحدد نصرالله من هم هؤلاء الذين سيحطم عظامهم، ولكن واضح انهم الاخر من لا يوافقه على رأيه السياسي، ولم يعد يهتم بالدفاع عن النظام، بات الخطاب مرتكزا على الطائفية وال”نحن” مقابل ال”هم”. ويستحضر اي عدو بحسب المناسبة، هم التكفيريون، هم الدول التي اتفقت مؤخرا من تركيا وقطر والسعودية، هم اتباع معاوية في صفين. كلهم سيحطم عظامهم. النظام السوري او الشعب اللبناني او المستضعين كان مجرد ديكور تمت ازالته اليوم. حاجات المعركة المقبلة الناتجة عن هزيمته تتطلب تعبئة مذهبية عارية.
سيعمد نصرالله الى التعرض لكوادر لبنانيين لضمان ظهره وتصفية الخطاب السياسي وحصره بحزب الله، وليس الى القيادات من الطرف الاخر، فواضح من كلامه ان الدور اصبح على شيعة السفارة، وهو تعبير، وسيكون التوجه في الاغتيال والمضايقات نحو الكوادر الاكثر فاعلية لدى “هم” بغض النظر ان كانوا سلفيين او علمانيين.
لو لم تبدأ منظومة دول الممانعة والمقاومة بالانهيار في العراق وسوريا واليمن، لو لم يخسر حسن نصرالله في سوريا ولو ربح كل القلمون، لما سمعنا هذه اللهجة، وهذه الدعوات الى عدم ترك الاحباط يتسلل الى نفوس جمهوره، ولا سمعنا هذا الخطاب عالي النبرة، ولا التهديدات، انها الهزيمة تطرق باب من وعد جمهوره ولا يزال بانتصارات، لم يعد قادرا على انتاجها.
اليوم يمكن ان يربح الامين العام للحزب كل القلمون، وايضا يمكنه ان يورط الجيش اللبناني في معركة داخل عرسال او على اطرافها، ولكن خياره باحياء النظام السوري من القبر، سواء في سوريا واحدة او جزء من سوريا يبدو متلاشيا وسرابا كما لم يبد من قبل، بات التلويح باوراق القوة يعني المزيد من العنف والقتل، وانتفاء السياسة والقدرة على اجتراح تسويات، بات توريط المزيد من اللبنانيين في حروب وقتال (بغض النظر عن انتمائهم الطائفي) هو الخيار الوحيد المتاح، بات ارسال المزيد من المقاتلين الى اي مكان في الدنيا هو المهرب الوحيد المشرع امام الفشل.
لم يعد لدى نصرالله من القوة ما يكفي لخوض المزيد من الحروب، لذلك بدأ يطلب ممن لا يزال يصدقه ان يستخدموا ولو السنتهم لاستنهاض الهمم، والتعبئة والتحريض والقتال، حتى يكتمل مشهد انتحاره السياسي بقتل اتباعه.
المصدر:(صحافة غير منضبطة)

السابق
ثلاثة خيارات امام المشنوق في مديرية قوى الامن: التعيين او تأجيل التسريح او الضابط الاعلى رتبـة
التالي
عون: نحن نعيّن رئيس الجمهورية وقائد الجيش!