ليس دفاعاً عن إليسّا

اليسا

أفكّر في أن الذهول الذي رافق لفظ المغنّية إليسا عبارة موطني بـ”ط” مخففة كادت أن تكون “تاءً”، أثناء إعادة إنشادها إرجوزة “موطني موطني”، غير مرتبط فقط باعتقاد أن اليسا لا تصلح لأناشيدنا الكبرى، وأن لسانها الذي لا يقوى على عباراتنا، ثقيلة الظل تلك التي تنطوي عليها وجداناتنا المتصدعة، إنما أصاب عبر النيل من طائنا، شيئاً من كرامة البدوي فينا.

يا لهول ما فعلته إليسا. لقد جعلت الـ”ط”، “تاء”. ليس هذا من قبيل الانحياز لإليسا، ولا إدانة لاستهوال ما أقدمت عليه، إنما سعياً للبحث بما تُضمره الـ”ط” في لساننا. أعني الـ”ط” المُفخمة والمجودة، وليس “ط” اليسا المُبددْة.

نعم أخطأت اليسا في لفظها عبارة موطني. هذه واحدة من أخطائنا اليومية غير المُضرة، لكنها بفعلتها هذه دفعت بالعبارة وبالحرف المترنّح تحت لسانها، إلى قعرٍ نفسي جماعي متألم ومُنتهك.

فالـ”ط” تكاد تكون “طاءنا” الجمعية، تلك التي نستعين بها في صولاتنا الأهلية. وهنا أكاد أهذي في أنه، أي حرف الـ”ط”، من الرموز التي اصطحبها معه “حزب الله” أثناء توجهه إلى القتال في سوريا، وهو من الأحرف الأساسية التي يستعين بها زعيم “جبهة النصرة” في مخاطبته “أهل السنّة والجماعة”.

فلنتخيل أن قائداً جماهيرياً من وزن أبو بكر البغدادي مثلاً تخرج الـ”ط” من لسانه مخففة! كان هذا كفيلاً بالقضاء على كاريزماه. لا يصح هذا على الأحرف الأخرى. حرف الراء لا يُثير لدغنا إياه ما أثاره انتهاك اليسا الـ”ط”.

ليس هذا دفاعاً عن خطأ اليسا، إنما حيرة في تحوّل خطأ يومي من بين ملايين الأخطاء اليومية إلى جرح في وجدان الأمة. كما أنه ليس سوى هذيان نفس بما ألمّ بها جراء ضعف أصاب حرفاً من بين 28 حرفاً أجهد يومياً في أن يلفظها ابني صحيحة… وأفشل.

وإذا ما أردت أن أوغل في هذياني حول ذلك الحرف، قبل ان يطأه لسان اليسا، سيلوح لي أشخاص من وزن خالد الضاهر في حين ستُمثل أحرف أخرى انتهكتها ألسن كثيرة، من دون أن تثير سخطنا، وجوهاً أكثر رشاقة وخفة.

وأزعم أن حرف الـ”ط” ليس من الأحرف العربية الجميلة، وهو وإن كان إنشادياً، لكنه لحظة غير موسيقية في الإنشاد. وبما أنني هنا لا استدرج منطقاً في زعمي، فإنني أشعر بأنه من أحرف الحروب، وهذا تحديداً ما أفضى إلى جرحنا النرجسي جراء انتهاك اليسا له.

أحياناً يلوح لي ذلك الحرف اللعين بصفته حرفاً ذكورياً لا يليق بألسن النساء، وهنا ألتمس العذر سلفاً في أن أقول، مخطئاً على الأرجح، أن ذكورية ما وراء ربما هالتها فعلة اليسا.

ثم أنني فكرت في أن جماعة لبنانية بأكملها تلفظ الـ”ط” “تاءً”، من دون أن يثير ذلك جرحاً وان كان استدرج طرفة. إنهم أهل الجنوب، أي أنا وأمي، والنائب محمد رعد قبل أن يتفصحَن، فلماذا لم نُواجه بما وُوجهت به اليسا؟ فبينما أدانتنا الطرفة على ذلك بصفتنا الريفية والطرفية، وصفت فعلة أليسا بأنها تغريبة متعثرة.

إذاً يتعرض حرف الـ”ط” لهجمات من يمينه ومن يساره، وربما علينا أن نفكر في أنه حرف زائل ولن يصمد كثيراً.

(Now)

السابق
سوريا: هكذا ضرب حزب الله المعارضة المعتدلة لصالح داعش
التالي
السعودية تفكر في وقف للنار لـــ5 أيام في اليمن