المستقبل: وصف بشار بـ«المستشرق السخيف» جنبلاط يروي للمحكمة السيرة الإجرامية لآل الأسد

كتبت صحيفة “المستقبل” تقول : صفات امتزجت بوليد جنبلاط، وهو يقدم إفادته أمام غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الخاصة بلبنان، في سياق تحديد الدافع السياسي الذي جرت في ظله “العملية العسكرية” التي استهدفت الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
هذا التمازج أنتج شهادة استثنائية من شاهد استثنائي، حيث روى جنبلاط سيرة جرائم آل الأسد من كمال جنبلاط إلى رفيق الحريري.
فالشاهد وليد جنبلاط قدم معطيات جنائية غالية للادعاء العام، ليس بما رواه في يومه الأول فحسب، بل بما أثبت مصداقية كوكبة من الشهود الذين استدعاهم الادعاء العام، بحيث ثبت جنبلاط، بما لا يقبل الجدل، عداء رئيس النظام السوري بشار الأسد لرفيق الحريري، ليس عشية الجريمة فحسب بل أيضاً قبل أن يرث والده حافظ الأسد.
والابن وليد جنبلاط استفاض بالحديث التفصيلي عن اغتيال النظام السوري لوالده الشهيد كمال جنبلاط في العام 1977 ، مقدماً للمحكمة الأسماء في جهاز المخابرات الجوية الذي كان مكلفاً في حينه بالاغتيالات، وتفاصيل التحقيق اللبناني الذي أشرف عليه القاضي حسن القواس، وتأكيدات “غالية” – تثبيتاً لضرورة المحكمة الخاصة- بأن القضاء اللبناني لم يكن يملك القدرة على محاكمة القتلة الذين كانوا قد بدأوا سيطرتهم على لبنان.
والابن في وقفة وجدانية أمام محكمة تاريخية قال: “مرت علي كؤوس مرة كثيرة في حياتي السياسية وكأسي الأول كانت عندما صافحت من اغتال والدي. لم أكن أظن أن ذلك سيستمر 27 سنة”.
وكانت المقارنة بارزة عند الصديق وليد جنبلاط بين الأب الشهيد والصديق الشهيد، فكمال جنبلاط رفض الدخول السوري إلى لبنان وقال لحافظ الأسد “لن أدخل في السجن العربي الكبير”، ورفيق الحريري رفض استمرار الاحتلال السوري للبنان وأعلن أن لبنان الذي لا يمكن أن يُحكم بالعداء لدمشق يستحيل أن يُحكم من دمشق.
وبفعل هذه المقارنة تراجع وليد جنبلاط في السياسة لمصلحة محاولة حماية صديقه رفيق الحريري، فنصحه بعد تلقيه تهديد الأسد بالموافقة على التمديد للحود.
والزعيم الذي تعرف على بشار الأسد قبل وصوله إلى رأس النظام السوري اكتشفه بسرعة، من خلال مقارباته ونوعية أسئلته، فوجده “مستشرقاً سخيفاً”.
وتوصيف جنبلاط لبشار الأسد ذكّر المتابعين للمحاكمة هنا في قاعة انطونيو كاسيزي بما نقله الشاهد باسم السبع عن الرئيس رفيق الحريري عندما قابل بشار الأسد قبل وصوله إلى مركز والده، فقال فيه: “هذا ولد. الله يعين الشعب السوري عليه.”
وكشف جنبلاط في هذا السياق، وتأسيساً على لقاءاته مع عدد كبير من المسؤولين السوريين ولا سيما “صاحب الولائم المسمومة محمد ناصيف”، أن البعد المذهبي يلعب دوراً كبيراً في النظام السوري الذي كان أركانه يخافون من رفيق الحريري لأنه شخصية سنية كبيرة في لبنان والمحيط العربي والعالم.
الصديق تحدث بوجدانية عميقة عن رفيق الحريري “الذي لم أعرف إنساناً مثله يتحمل الملاحظات، وهو كان عندما أدخل عليه غاضباً يسارع إلى تهدئتي باستقباله الودود”.
وفي الجلسة الأولى من الجلسات المخصصة للاستماع إلى جنبلاط أماط الادعاء العام اللثام عن الشريط الثالث الذي سبق أن سلمه اللواء الشهيد وسام الحسن للجنة التحقيق الدولية، وهو يسجل لقاء الرئيس الحريري باللواء السوري المقتول رستم غزالي، خلال زيارة غزالي لقريطم، عشية انتقال الحريري إلى دمشق حيث تلقى التهديد من بشار الأسد إن لم يمدد لإميل لحود.
وفي هذا الشريط يظهر واضحاً أن الحريري كان يريد أن يناقش بشار الأسد في الخيارات الرئاسية فرفض الإفصاح عن موقفه لغزالي كما أبلغه أن التمديد يحتاج إلى عملية معقدة. غزالي كان يتحرى في اللقاء عن عودة السفير الفرنسي إلى لبنان وعن موقف البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير من التمديد، فكان رد معبر من الحريري بأن غزالي اطلع على موقف صفير لأن صحافياً التقى الأخير وأبلغ غزالي بما قاله له.
وفي حضور زوجته نورا وابنه البكر تيمور والوزير وائل أبو فاعور و”الذاكرة” النائب غازي العريضي، سجل جنبلاط في اليوم الأول من شهادته المعطيات الآتية:
أولاً: عقدت تسوية بعد ذكرى الأربعين لوالدي مع الذين اغتالوه مع خيرة من المثقفين والسياسيين، بسبب الظروف المحلية والإقليمية التي كانت تعصف بلبنان، لكنني لم أكن أتصوّر أن الظروف التي فرضت هذه التسوية ستدوم كل تلك السنوات.
ثانياً: على اللائحة التي كان عليها اسم كمال جنبلاط كان يوجد أيضاً اسم العميد ريمون اده. كمال جنبلاط بعدما تبلغ تحذير الرئيس المصري الراحل أنور السادات قرر العودة “لأموت بين أهلي”. ريمون اده ترك لبنان على إثر التحذير نفسه.
ثالثاً: التمديد للرئيس الراحل الياس الهراوي كان بهدف تأخير وصول قائد الجيش في حينه إميل لحود إلى رئاسة الجمهورية لأن ولاءه كان مطلقاً للنظام السوري، فرئيسا الجمهورية والحكومة لم يكونا قادرين في تلك الآونة، بسبب اميل لحود وارتباطه المطلق بالنظام السوري، أن يأمرا الجيش.
رابعاً: نحن سبق وأطلقنا تسمية مغلوطة على الواقع السوري في لبنان، فهو لم يكن وصاية بل احتلالاً (…) ونحن لم نكن فقط نواجه نظاماً إرهابياً بل عقيدة سياسية يمثلها حزب “البعث” الذي لا يرى لبنان إلا محافظة سورية.
خامساً: الأوامر التي كانت تصدر من سوريا إلى لبنان كانت “أوامر إلهية”، لأن من يطلقها لا يموت، بل هو “الأسد إلى الأبد”.
خامساً: التحول التدريجي ضد الاحتلال السوري للبنان بدأ عند جنبلاط مع صدور الأوامر في 1998 بانتخاب اميل لحود رئيساً للجمهورية وتطور في العام 2000بملاقاة نداء المطارنة الموارنة في منتصف الطريق ليعود فيصبح في قمته بعد فرض التمديد للحود بالتهديد، فيما التحول بدأ عند الرئيس الحريري بعد اجتماعه عند الأسد بحضور كل من غازي كنعان ورستم غزالي ومحمد خلوف، في كانون أول 2003.
سادساً: ردا على سؤال للقاضي وليد عاكوم عن تفسيره، قال جنبلاط إن قتل أو إجبار شخصيات على الانتحار مثل غازي كنعان وآصف شوكت وجامع جامع ورستم غزالي، كان للحيلولة دون تقديمهم معلومات ثمينة للمحكمة مذكراً بأن آصف شوكت جرت ترقيته إلى رتبة لواء وتسليمه المخابرات السياسية السورية في الساعة نفسها لإعلان اغتيال الرئيس رفيق الحريري وقال: “برأيي لو قُدر واستدعي رستم غزالي إلى لاهاي لكان قدم أدلة للمحكمة حول اغتيال الحريري.”
سابعاً: استعملوا موضوع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي هي لبنانية وكانت تحت السيادة السورية، من أجل إبقاء السلاح غير الشرعي بحجة التحرير، ولكننا بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب قررنا أن ننطلق في تحرير لبنان من الاحتلال السوري، فبدأنا المصالحات التي توجت بزيارة البطريرك صفير للمختارة، ولكن زلزال 11 أيلول 2001 جعل قضيتنا ثانوية واستعدنا زخمها مع فرض التمديد فرضاً (…) ولولا التمديد لما كان القرار 1559، فأنا والحريري تمسكنا بتطبيق اتفاق الطائف.
ثامناً: عندما تجسد النظام السوري ترى أنه مبني على التجسس، فالمواطن فيه لا يثق حتى بزوجته، فهو مركب على الإرهاب والخوف.
تاسعاً: الرئيس رفيق الحريري روى لجنبلاط أن الأسد عندما طلب منه أن يمدد للبنان قال له الآتي: إذا حسب جاك شيراك أنه سيخرجني من لبنان فسوف أكسر لبنان، وكما يوجد دروز عند وليد جنبلاط يوجد دروز لدي.
اليوم يتابع جنبلاط إفادته، وتتمحور حول المرحلة الأخيرة من حياة الحريري.

السابق
الديار: معركة القلمون تشتعل وفشل هجوم التكفيريين.. استعدادات حزب الله بلغت ذروتها
التالي
اللواء: المستقبل لـ«حزب الله» في الجلسة: حرب القلمون تهدّد إنجازات الحوار