المحرقة اليهودية: ربما يحتاج الفلسطينيون إلى أصدقاء ألمان

محرقة اليهود
في الاسبوع المنصرم اُعيد فتح ملف المحرقة اليهودية، واستدعت المحكمة في ألمانيا الموظف السابق في معسكر اوشفتز اوسكار جروينينج بتهمة المشاركة في قتل 300 ألف شخص بشكل غير مباشر. عمَّ التفاؤل قلب الناجية اليهودية هيري برهم، «يجب ان يعرف من يرتكب الجرائم اليوم انهم سيحاسبون في المستقبل». ان رجاءها ليس دقيقاً بما يتعلق بأولئك النسوة الفلسطينيات اللواتي نزحن من داخل المخيم إلى ملعب المدينة الرياضية في بيروت. كان الاسرائيليون يقفون عند مشارف الملعب من اجل استقبالهن. وعلى ما أظن وحده استقبال كهذا كافي لطمس معالم المذبحة.

ثمة امور مزعجة حصلت في هذا العالم: الحرب العالمية الاولى والثانية، اجتياح اسرائيل للبنان عام 1982، اشتباك مقاتلين فلسطنيين ولبنانيين بين بعضهم وأيضاً محاولة «جماعة» من الانفصاليين شق قطعة أرض من أوكرانيا وضمها إلى روسيا. يُذكر أن امراً مزعجاً حصل في اليابان عام 2014، حيث أقدمت «جماعة مجهولة» على إتلاف مئة نسخة من كتاب «يوميات فتاة شابة» لـ«آن فرانك» اليهودية. أخشى الاستمرار على هذا النحو، إذ لم نعد نستخدم العنف فقط تجاه الاحياء، ونكتفي بسحق رؤوسهم بطلقات الرصاص، بل ندمر أيضاً مذكرات مكتوب منذ عقود. إنه فعلاً شيء مقرف.

بدأت العمل بصفة مساعدة باحث، واستمتع بالعمل تحت قيادة رجل عبقري باللغة العربية، ومن أفضل النقاشات لديه، تلك التي تعيد طرح الاسئلة بأسلوب مختلف عن السابق. «لماذا احرق النازيون اليهود؟»، يمكن فهم قصده.«إذ لماذا إختار النازيون «جماعة» اليهود من بين كل الجماعات التي كانت موجودة في أوروبا؟»، هذا ما قد يقوله، مصراً على لفظ «جماعة»، وهذا ليس بالأمر السيء.

ومن حسن طالعي، اؤمن تماماً ان العام 2015 يعد الافضل بالنسبة إلي. تمكنت منذ بدايته بالتعرف على صديقة ألمانيا وأظن بأنها الألمانية الوحيدة التي تكلمت معها. ابنة السادس والعشرين عاماً، تفهم تماماً كيف تعبر عن رأيها عبر الكلمات المناهضة لـ«اللاسامية» وكيف تضع الاحداث داخل إطار زمني معين، وكيف تصف رجل متوحش كأدولف هتلر، وتكتفي بالصمت حيال 1939 وغرف الغاز في أوشفتز. تقول: «عانيت لفترة طويلة من صعوبة في حفظ نشيد وطني وكان صعباً تقبل حقائق مشينة. للآسف، كان أدولف هتلر قائد ألمانيا النازية».

لقد علمونا أن التاريخ يكذب احياناً، وان خيانة المؤرخيين للأحداث الحقيقية خطوة سهلة لكنها بحاجة إلى أشخاص مولعين بالسرد التاريخي، وفي الوقت عينه أذكياء. علينا الكتابة بإنسانية اكثر حين يتعلق الأمر بمحرقة اليهود، وعلى العرب التحلي بهذه الصفة من دون التعرض للماضي، وللمرحلة التي دخل الاسرائيليون بها إلى فلسطين معتبرينها أرضهم التاريخية. تلقيت الاسبوع الفائت وابلا من الشتائم. اتهمني صديقي بالموافقة على قيام دولة اسرائيل والبحث عن تبرير لها. قال لي إم الفرنسيين كانو قد اقدموا على شيء شبيه للذي حصل لليهود في ألمانيا وبولندا إلا اننا لم نسمع به. قصد «فالديروم ديفار»، وذكرني أن «اليهود يشغلهم تدمير العرب». حقاً!. من يريد تدمير العرب؟.

محرقة اليهودوعلى حد سواء، إن جنرالات النازية لا تقل فظاعة جرائمها عما فعله آرييل شارون لوحده مع الفلسطينيين واللبنانيين. جَمَّع ضحاياه داخل مخيم صبرا وشاتيلا، وقد كان عددهم مخيفاً، إذ وُجدت الجثث متراكمة كالجبال خلف السيارات.

صرحت اللجنة القضائية الاسرائيلية انه لم يفعل ما يكفي لمنع المذبحة، لكن الجندي الاسرائيلي “ش” الذي شهد على المجزرة وتولت لاحقاً صحيفة «هآرتس» نشر شهادته، اكتشف أن ما كان يحصل داخل المخيم هو شأن داخلي، ووفق شهادته: «صرخ صديقي بوجهي، إنهم يقتلون الجميع في الداخل، ماذا سنفعل؟»، اجابه: «علينا الجلوس هنا حتى نتسلم الأوامر».

ارين نمروفسكي ماتت داخل اوشفتز وقد علق النازيون على صدرها شارة صفراء. أيام الرعب اجتاحت السنوات الممتدة من الـ1942 إلى الـ1945. كل اليهود كانو عرضة للاستهداف ومعهم اقوام صغيرة اخرى وهذا فعلاً ما حصل. 16 ألف من أقوام روما و15 ألف من السجناء السوفيات. اتساءل ما هو المعنى من هذا كله؟. اعلن عن بعضهم انهم أموات وتبين لاحقاً انهم نجوا من وطأة مخيم الموت “اوشفتز” الذي اتخذ سنوات طوال من اجل تشغيله ومن سوء الحظ أسهم عمال يهود بإنجازه أيضاً.

في الاسبوع المنصرم اُعيد فتح ملف المحرقة، واستدعت المحكمة في ألمانيا الموظف السابق في معسكر اوشفتز اوسكار جروينينج بتهمة المشاركة في قتل 300 ألف شخص بشكل غير مباشر. عمَّ التفاؤل قلب الناجية اليهودية هيري برهم، «يجب ان يعرف من يرتكب الجرائم اليوم انهم سيحاسبون في المستقبل». ان رجاءها ليس دقيقاً بما يتعلق بأولئك النسوة الفلسطينيات اللواتي نزحن من داخل المخيم إلى ملعب المدينة الرياضية في بيروت. كان الاسرائيليون يقفون عند مشارف الملعب من اجل استقبالهن. وعلى ما أظن وحده استقبال كهذا كافي لطمس معالم المذبحة.

ماذا يحتاج العالم كي يصير مزعجاً اكثر: مجموعة من الأصدقاء الألمان ووثائق.

السابق
الضاهر يرد على المشنوق: ولو يا معالي الوزير
التالي
حسين يوسف: المفاوضات بشأن اطلاق العسكريين تسير في منحى ايجابي