سياسات «على القطعة»

فيما تقترب أزمة الفراغ الرئاسي من طي سنتها “الاولى” في ٢٥ أيار المقبل تبدو السلوكيات السياسية المسيحية كأنها أصيبت بالسكتة الدماغية بما يخشى معه أن يكون اي اختراق داخلي للأزمة بمثابة سراب. لا جديد طبعاً في هذا “الاكتشاف” ولا نسوقه من منطلق التعويل العقيم على تغيير هذه السلوكيات، خصوصا مع الاحتدام العنيف الذي عاد يضرب بقوة على الخاصرة السنية – الشيعية اللبنانية على خلفية إقحام لبنان في الصراع الخليجي – الايراني حول اليمن حديثا.

فالمقصود هنا أبسط بكثير من تحمّل عبء التداعيات الاقليمية على الواقع اللبناني، وهو ما يتصل بمضي القوى والمراجع المسيحية في استعادة سلوكيات فردية “على القطعة” دونما اي قدرة على مواجهة جماعية بالحد الادنى لاستحقاقات المرحلة الانتقالية الطويلة، بما ينذر باتساع الخسائر المسيحية سياسياً ومعنوياً.

أحدث النماذج على هذه السلوكيات المشكوك جدا في جدواها ان البطريرك الماروني بات لا يجد سبيلاً لمحاولة تحريك جمود الازمة الرئاسية الا في تحفيز سفراء الدول الكبرى على الاضطلاع بأدوار مؤثرة وضاغطة لانتخاب رئيس للجمهورية.

اغلب الظن ان تكرار هذه المناشدة البطريركية للدول الكبرى بات اقرب الى إشهار اليأس الكامل من اي بديل، بدليل ذلك الانقطاع واليباس الذي اصاب كل مبادرات بكركي مع الزعماء الموارنة. ولكن الأسوأ قد يكون في ان يراكم سيد بكركي يأسا إضافياً من السفراء انفسهم حين يكتشف ان لا مكان للبنان الآن في أجندات دولهم.

ومن هذه النماذج أيضاً ان “الحنو” الطالع من الحوار العوني – القواتي قد استهلك مدة مبالغاً فيها ولا زلنا نسمع عن “اعلان النيات” كأنه الوصفة العجائبية المنتظرة، فيما لا أثر واقعياً حقيقيا بعد لهذا الحوار على الأزمة الأم ولا تغيير إطلاقا في ادبيات فريقي الحوار حيالها.
وفي هذه النماذج أيضاً ان فريق التيار العوني بدأ ضرب طبول المعركة في ملف التمديد للقيادات الامنية والعسكرية، منذراً بالذهاب بعيداً الى حدود هز الحكومة وإفقادها طابعها التوافقي على الاقل ان لم يستجب رفضه للتمديد.

ومن دون إغراق في تفصيل هذا او ذاك من هذه النماذج لا يخفى على احد انها تجسد معظم “منظومة” الاستحقاقات المسيحية في السلطة والحكم والحكومة منذ نشوء الفراغ الرئاسي، بما يعني ان مواجهتها تفترض تفاهم الضرورة المسيحي وتجنب التفرد في اي منها، والاهم الإقلاع عن اثارة معارك خاسرة سلفاً تعوزها حكمة الحسابات والتخلي عن نزعات الشخصنة.وإذا كان الافرقاء المسيحيون سيعجزون عن استراتيجية ملزمة تحمي آخر مواقعهم في السلطة بعد الرئاسة الفارغة من التساقط فمن سيضمن ان يكون ٢٥ ايار ذكرى الفراغ “الأولى” فقط!

(النهار)

السابق
شهادات مفجعة لايزيديات اغتصبهن «داعش»
التالي
«داعش» في القابون.. و«حرب الأمراء» مستمرة