«داعش» في القابون.. و«حرب الأمراء» مستمرة

صورة وزعها "داعش" أمس لمعسكر تدريب في القابون

ظهر مسلحو تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» في محيط مدينة دمشق مجدداً، وهذه المرة في ضواحيها الشمالية الشرقية، أي في الجهة المقابلة لمخيم اليرموك الواقع في جنوب المدينة، حيث يستمر هؤلاء في السيطرة على أجزاء واسعة منه وسط اشتباكات عنيفة مع فصائل أخرى.
وجاء الكشف المقصود من قبل «داعش» عن انتشار مسلحيه بين بساتين برزة والقابون، في لحظة حاسمة تمر بها مناطق عديدة من ريف دمشق، لا سيما الغوطة الشرقية، التي يكاد زعيم «جيش الإسلام» زهران علوش يحكم سيطرته عليها. وربما هذا ما دفع «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» إلى تكرار موقف «الحياد» الذي اتخذاه في مخيم اليرموك، وساعد «داعش» على التوغل فيه.

ومن شأن التحركات المستجدة لـ «الدولة الإسلامية» في ريف دمشق أن تخلط الأوراق، وتجبر العديد من الأطراف على مراجعة حساباتها، بعد أن بات الخطر يهددها بالقرب من معاقلها.
وما يزيد من خطورة هذه التحركات أن القاسم المشترك بينها هو استهـدافها لمناطـق سبـق أن انضمت إلى اتفاقـات مصـالحة مع الجيش السـوري. إذ من المعـروف أن القـابون وبـرزة تعيـشان في كـنف المصالحة منذ حوالي العام، وهو ما يعزز أن أحد أهم أهداف «داعش» قد يكون ضرب هذه المصالحات وإعادة مناطقها إلى دائرة الفوضى.

وتكمن أهمية حي القابون، حيث بات «داعش» يحوز على معسكرات للتدريب، في أنه لا يبعد عن العاصمة سوى أربعة كيلومترات، ويقع في منطقة مهمة بين الغوطة شرقاً (بلدتا عربين وحرستا) والمدينة غرباً (أراضي الصالحية). ويجاور أحياء برزة من الشمال وجوبر من الجنوب. ويخترقه الاوتستراد الدولي السريع (طريق دمشق – حمص) وعقدة مواصلات مهمة (عقدة القابون).

وإذا كان الهجوم المباغت على مخيم اليرموك مطلع نيسان الحالي أعطى دليلاً دامغاً على أن مقاتلي «داعش» في جنوب دمشق قد استردوا جزءاً كبيراً من قوتهم، وباتوا يملكون زمام المبادرة عسكرياً، فإن تعمّد «المكتب الإعلامي لولاية دمشق»، قبل أيام، نشر صور تُظهر للمرة الأولى معسكرات التدريب الخاصة بمقاتلي التنظيم في منطقة القابون، يعتبر رسالة واضحة بأن استرداد القوة ليس فقط في الجنوب وإنما أيضاً على مشارف مدينة عربين في الغوطة الشرقية التي تعتبر معقلاً رئيسياً لخصومه.

وما يزيد من دلالة الرسالة، أن عربين شهدت قبل أيام اشتباكات مسلحة بين «أحرار الشام» و «فيلق الرحمن» انتهت إلى صدور قرار من «القضاء الموحد»، الذي يهيمن عليه زهران علوش، يقضي بضرورة حلّ «أحرار الشام» وتجريد أفرادها من سلاحهم، بأنواعه كافة، وهي القضية التي لا تزال تشهد سجالات كبيرة بين قيادات الفصائل، ومن المتوقع أن تترتب عليها تداعيات تشمل كامل الغوطة، نظراً لأنها المرة الأولى التي يصدر فيها مثل هذا القرار، وكأن «داعش» أراد استغلال لحظة الذروة في الخلافات بين الفصائل لإيصال رسالة مفادها أنه يتربص بها، وينتظر الفرصة المناسبة للانقضاض عليها.
وقد التقط «جيش الإسلام»، الذي يطمح أن تكون الغوطة «إمارة» خاصة به، مضمون الرسالة الموجهة إليه بشكل خاص. وسارع أمس، بالاشتراك مع «اللواء الأول»، إلى إطلاق معركة كبيرة تستهدف، حسب بيان صادر عنه، «تطهير منطقة القابون وبرزة وحرستا» من أي تواجد لمن أسماهم «الخوارج»، مهدداً «بقطع قرنهم أينما وجدوا». واستمرت الاشتباكات بين الطرفين طوال يوم أمس، وسقط خلالها عشرات القتلى والجرحى من الطرفين، وسط تضارب في الأنباء عن نتيجة هذه المعارك. ففي حين قالت مصادر «جيش الإسلام» إنها سيطرت على نصف معاقل «داعش» في المنطقة، كانت مصادر الأخير تؤكد أنها صدت الهجوم، وكبدت المهاجمين خسائر كبيرة. ومن أبرز قتلى «جيش الإسلام» أبو أسامة الزبير والحاج أبو عبدو حبشية.
وكان اللافت في هذه الاشتباكات أنها شهدت تكراراً لسيناريو مخيم اليرموك، لجهة وقوف كل من «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» على «الحياد»، وامتناعهما عن الاشتراك في قتال مسلحي «داعش». وهو ما يرجح أن ما حدث في مخيم اليرموك لم يكن أمراً عرضياً فرضته بعض الظروف والتطورات الخاصة بالمخيم أو بجنوب دمشق فقط، وإنما أكثر من ذلك هو تعبير واضح عن ولادة تحالف ثلاثي، يشمل غالبية مناطق الريف الدمشقي، والهدف الأساسي منه هو التصدي لمحاولات زهران علوش في الهيمنة، وتنصيب نفسه سيداً أوحد على الغوطة الشرقية.
وذكرت مصادر متقاطعة أن «أمير جبهة النصرة في برزة» الذي يعتقد أن اسمه أبو تراب الأردني، أعطى مسلحيه تعليمات واضحة بالانسحاب من مناطق الاشتباك وعدم المشاركة في القتال. وهو ما أثار انتقادات من طرف «جيش الإسلام»، الذي أكدت مصادره أن «جبهة النصرة» سلمت إلى «داعش» مواقع كانت تتمركز فيها. وكان سبق لأبي تراب أن اصطدم مع «جيش الإسلام» قبل أشهر، عندما أغلق نفقاً كان يربط بين برزة وحرستا، ويعتبر خط إمداد مهما، كما اعتقل المشرف عليه وهو قيادي في «جيش الإسلام».
وتشير المعلومات المتوافرة إلى أن «الدولة الإسلامية» اعتمد في استعادة تواجده في القابون وبرزة على «مبايعات» حصل عليها من مسلحين سابقين كانوا يقاتلون مع «الجيش الحر»، ثم انقطعت بهم السبل بعد تفكك كتائبهم، ما اضطرهم إلى اللجوء للتنظيم الاكثر ثراء.
ولكن أبرز بيعة حصل عليها «داعش» وأحدثت له نقلة نوعية في المنطقة، هي البيعة الصادرة عن كتيبة «السلف الصالح» التي انضمت إلى «داعش» بكل أفرادها البالغ عددهم حوالي 300 مسلح وبأسلحتها كافة. كما سلمت إليه معسكراتها التدريبية، وهي على الغالب المعسكرات التي عمدت «ولاية دمشق» إلى نشر صورها مؤخراً.

(السفير)

السابق
سياسات «على القطعة»
التالي
الجيش: ضبط أسلحة ومتفجرات خلال دهم مخبأ للأسلحة في سوق الخضر، باب التبانة