غضب الإنتصاريين الايرانيين

خونة، حمقى، جهلة، سكارى، كسالى، مسنّون، عجزة، فاسدون، أقزام…! تلك هي الصفات التي خرجت من أفواه وأقلام جماعة المحور الإيراني بحق القادة السعوديين والخليجيين، فرديا أحيانا، ومع تسميات، وجماعياً، بالجملة، في غالبية الأحيان، الأكثر تسرّعاً. وكلها تحت وطأة مباغتة صادمة، لم تكن في بال من أصابتهم حملة “عاصفة الحزم” العسكرية، ولا في أسوأ كوابيسهم. ردة الفعل هذه، وقد بدا أصحابها مثل من فقد توازنه وحكمته وضبطه للسانه، فراح يهجو يميناً ويساراً بما تيسّر له من طرق وعبارات؛ يخوِّن، طبعا… ثم يهين ويشتم، ويحقّر، ويقذع… لم يغضب أصحاب هذا المحور يوما كما غضبوا، مثلا، من جرائم “داعش”، أو اسرائيل؛ إذ كانت أعمال الإثنين تؤكد على صحة نظريتهم، من انهم أصحاب القول والفعل الصحيحَين، المنتصرَين، في هذه الارض العربية السائبة.
لماذا كل هذا السخط المفاجىء؟ لأن الرد العربي الرسمي على التغلغل الإيراني في اليمن، وبالتالي في بلدان عربية أخرى، يضرب واحدة من ركائز نظريتهم، القائلة بـ”تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية”؛ تصديرها إلى أين؟ ليس إلى واحدة من جمهوريات آسيا الإسلامية، ولا الى الهند… لا، ليس إلى هذه البلدان الممسوكة، البعيدة، المحرومة من قضية مقدسة، المحرومة أيضا من الإنقسام المذهبي، ومن روايات تاريخية تغذّيها… لا! ليست هذه البلدان التي تطعم “تصدير الثورة” بوقودها، إنما الى العرب أنفسهم: أولئك المتمتعون بتلك الصفات المطلوبة الثمينة، أولئك الذين لم يستطيعوا، لا تحرير فلسطين ولا التخلّص من التبعية للإمبريالية، ولا إقامة دول بقوانين ومؤسسات. فكانت الأرض العربية خير أرض، تسكنها الخيرة من الشعوب المستعدة دائما للجري خلف من يعدها بالجنة.
نظرية “تصدير الثورة الإسلامية” إلى ديارنا قامت على أساس وجودنا كساحة ملائمة لإستيرادها، بسبب نومنا العميق فوق براكين العجز والسيَبان والإستبداد. هكذا سلكت إيران طريقها نحونا؛ فكان ما كان مما نعرفه عن الطليعة، “حزب الله” اللبناني الناجح بكافة المقاييس، المحظوظ بالجغرافيا والسياسة والإجتماع؛ وذلك على امتداد ثلاثة عقود، حلّت من بعدها مختبرات التصدير في قلب الأنظمة السياسية، من العراق وسوريا، اللذين تهاويا على وقع التسلل الإيراني العسكري والسياسي والديبلوماسي. وكان آخر العنقود في السلسلة هذه، أضعفهم بنية، جماعة الحوثيين التي تمكنت نظرية تصدير الثورة من إلباسهم بلبوسها، والتشبّه بالجماعة التي سبقتهم (عبد الملك الحوثي يتكلم بالضبط كما يتكلم حسن نصر الله، مع فرق اللهجة اليمنية).
عند هذا الحدّ بالذات، وكانت هذه الساحات العربية قد أُشبعت هيمنة إيرانية على دول وميليشيات، خرجت إلى السطح الانتصارية الإيرانية بكل ثقلها. عام 2006، بعد الإنتصار “التاريخي والإلهي…” على اسرائيل، قال بعض القادة الإيرانيين بفكرة “الذراع الإيرانية الممتدة الى جنوب لبنان”. لكنها لم تعمر، وقتها، تلك الانتصارية؛ بدت وكأنها عادت إلى تقيتها. ولكن في السنتين الأخيرتين، اتسع تمدّد إيران في العالم العربي؛ ما أيقظ انتصاريتها، وأخذ القادة الإيرانيون يقزفون يمينا ويسارا بكلمات النشوة… من انهم يملكون العواصم والمفاتيح والحلول… العربية. وفي هذه الأثناء، كانوا يتقاربون مع الولايات المتحدة، وأوباما يتغزل بهم في عيد النوروز، ويقول شعرا في حضارتهم وعراقتهم وتاريخيتهم وفنونهم… معتقدا هو الآخر بأن الغزل سوف يثني تلك الإنتصارية عن جموحها الذري التوسعي… ثم جاءت المبادرة العسكرية العربية، لترمي كل هذا في المياه، لا لتخلط الاوراق وحسب، إنما لتضرب عادة أصبحت قديمة في التفكير، ترتكز عليها نظرية “تصدير الثورة”، والقائمة على تفاهة العرب عموما، والخليجيين خصوصاً. وعندما تصبح هذه النظرية على حافة هكذا مراجعة، سوف تفقد عقلها بالتأكيد، وسوف يتحول كتبتها، لا بل عقلائها، الى هجائين شتّامين.

(المدن)

السابق
مقتل 5 جنود على الأقل وإصابة 11 في هجومين على حاجزين في سيناء
التالي
البطريرك الراعي يترأس رتبة الغسل في سجن روميه