لبنان الرسالة.. تمسكوا به

على الرغم من ظروف العيش الصعبة، تبقى البيئة اللبنانية الأقرب الى عاداتنا وتقاليدنا التي تخولنا الحفاظ على ابنائنا.

خلال عودتي من العمل كل يوم ظهرًا أمر بالقرب من مدرسة ثانوية يتراوح أعمار طلابها بين ال١٣ وال١٨ أو ما يسمى بسن المراهقة، أرى ما لا يتمنى رؤيته أي أبّ أو أمّ سواء يعيش هنا في عمق أوروبا أو في آخر قرية في أعالي الجبال المخفية وراء السحاب.

جميع أنواع الدخان بمتناول جميع الأعمار من الجنسَين بالإضافة إلى الكثير من المناظر الشاذة لأطفال في هذا العمر. لماذا لفتني هذا المشهد؟ ولماذا أُحدثكم به اليوم؟

إنه لبنان الرسالة الذي أحبه، هناك لا تجد هذه المشاهد المؤسفة لأطفال في سنِّ صغير جدًا قيد النمو، ولو أننا قد نجدها في بعض الحالات الشاذة والمخفية ولكنها تبقى قليلة وقليلة جدًا.

هذا ما سينقلني إلى المرحلة الثانية من هذا الموضوع (ثقافتنا الواحدة). ثقافتنا الواحدة ورؤيتنا المجتمعية الموحدة التي سمتها الأساسية هي رسالة الأديان السماوية التي تجمعنا جميعنا تحت سماء لبنان، وربنا الواحد الذي أراد لنا كل شيء جيِّد ولكننا رفضنا ذلك وقررنا الإقتتال تحت رايات البدع والتخلف والجهل، هذه العوامل بالإضافة إلى ما تبقى لدينا من مكاسب تقليدية حميدة نستطيع الحفاظ عليها ستساهم بالحفاظ على مجتمعنا وعدم تفتته وضياعه، فكيف نحافظ عليها؟

إنَّ الحفاظ على مجتمعنا هو بمثابة الأب الساعي لجمع أولاده تحت سقف منزله بعدما خرج بعضهم عن طريق تربيته وزُرِعَ في عقولهم ما لا يرضاه الأب لأي واحد منهم، وعند عودتهم إلى المنزل تقاتلوا في ما بينهم فتباعدوا وتشتتوا وأصبحوا يلتقون مجبرين تحت سقف والدهم، مُكرِهِين أنفسهم على البقاء متشبثين بالأرض وبالتاريخ والجذور طمعًا بالسقف الذي يظللهم ويُسكنهم ويجمعهم. اليوم كَبُرَ أولاد هذا الأب الصالح وأصبح لديهم عائلات ترثهم وما زالوا ينتمون لأبيهم الأول وتحت سقفه وبين ذراعيه ليحميهم. الأب هذا هو ميثاقنا الوطني الذي لا بُدَّ وأن نعترف بروحيته التي تجمعنا وتوحدنا، والبيت الذي نجتمع تحت سقفه هو لبنان الكبير الذي يظللنا ويأوينا، أما الأولاد الشاردة هم كل شخص خرج عن الميثاق وبحث بين وسخ البدع المذهبية أو عن مرتعٍ يحتمي به ويرفع من شعبيته على أنقاض بعض المنتفعين أو بعض مغسولي الدماغ والمؤمنين بالترهات الطائفية. لقد حافظ هذا الأب وتحت سقفه على رسالتنا المجتمعية، لقد حمى أطفالنا من جميع العائلات الروحية بالحفاظ على عمق رسالة أديانهم السماوية، لقد حفظ وجودنا وأرشدنا على خريطة الطريق الأولية، إنه لبنان الرسالة فتمسكوا بها، حافظوا عليها وعودوا إلى حضن أبيها وتحت سقفه. تجنبوا التقسيم وحافظوا على وحدتنا مع طروحات لتطوير نظامنا ليصبح أكثر ديمقراطية ومدنية وتنمية، فالعالم يتقدم نحو الأمام ولا يعود إلى العصور الحجرية.

السابق
ما هي الوقائع التي قفز عنها السيّد نصرالله؟
التالي
جنبلاط: التحية للثوار السوريين الذين حرروا بصرى الشام وإدلب من النظام الفاشي وعملائه