تحليل مضمون لخطابي أوباما وخامنئي لمناسبة عيد النوروز

مصطفى اللباد

تتأرجح المفاوضات النووية الجارية بين إيران والدول الست الكبرى على حافتي الفشل والنجاح، بعدما بلغت محطة تفاوضية حاسمة. في هذا التوقيت الحرج والحساس للمفاوضات النووية، قام الرئيس الأميركي باراك أوباما بإلقاء كلمة متلفزة بمناسبة عيد رأس السنة الإيرانية «النوروز» – اعتمدنا فيها على البيان الرسمي الصادر من البيت الأبيض – فيما بدا وكأنه «لفتة» ثقافية وسياسية متميزة حيال إيران. بالمقابل، جاء رد مرشد الجمهورية الإيرانية عنيفاً على هذه «اللفتة» في خطاب ألقاه في مدينة مشهد – هنا اعتمدنا على ما نقلته قناة «العالم» الإخبارية – حيث تعالت فيه مجدداً هتافات «الموت لأميركا» بين الحاضرين. كيف يمكن قراءة الرسائل التي احتواها خطاب أوباما بمناسبة «النوروز»؟ ولماذا جاء الرد الإيراني على «لفتة» أوباما قاسياً إلى هذه الدرجة؟ تحاول السطور التالية الإجابة على هذين السؤالين.

تحليل مضمون لخطاب أوباما
من حيث الخلفية التاريخية: للمرة الثانية يتوجه أوباما إلى إيران بكلمة مخصوصة بمناسبة عيد «النوروز». كانت المرة الأولى العام 2009، أي في العام الأول لتوليه السلطة. ساعتها توجه أوباما بخطابه إلى الشعب الإيراني حصراً، بحيث حمل رسالة مزدوجة: انفتاح لافت على إيران، وفي الوقت ذاته، تجنب الاعتراف بشرعية نظامها. في الخطاب الأخير يتوجه أوباما بوضوح إلى شعب إيران وقادة إيران معاً، ويسمّي حتى البلاد باسمها الرسمي «جمهورية إيران الإسلامية»؛ في تطور يتواكب مع المفاوضات النووية بين إيران والغرب والتي وسعت فعلياً من شرعية النظام الإيراني.
من حيث الشكل: يُعدّ خطاب أوباما بمناسبة عيد «النوروز» محاولة أميركية لمغازلة شعور الإيرانيين المعروف بالتميز الثقافي. لم يفت أوباما التذكير بالاحتفال الذي رعته زوجته في البيت الأبيض بالمناسبة عينها، وبمائدة «النوروز» الإيرانية التقليدية الموضوعة في البيت الأبيض، كإشارة إلى تعلّقه شخصياً وعائلته بالثقافة الإيرانية. وحتى يخفف أوباما من انتقادات داخلية محتملة لخطابه، فقد برر بين السطور هذه الخطوة بوجود مهاجرين إيرانيين في أميركا، يسهمون كبقية المهاجرين إلى بلاده في تطور المجتمع الأميركي. على ذلك توسل أوباما في بداية كلمته عراقة الحضارة الإيرانية الممتدة لآلاف السنين، وبجغرافيتها المتميّزة معدداً جهاتها شمالاً وجنوباً ومدنها الكبرى ورقعتها المترامية الأطراف، كمدخل للنفاذ إلى الرسالة السياسية التي حملها خطابه. هنا بوضوح يظهر أن أوباما استعان بأميركيين من أصول إيرانية لصياغة خطابه، ويعزز ذلك الاستنتاج معرفة الخطاب الظاهرة بالجوانب الشعورية للشعب الإيراني وللشباب منه على وجه الخصوص، ذلك الذي يغازله أوباما مراراً وتكراراً في ثنايا خطابه، وأيضاً بسبب تأثره بالطريقة الإيرانية التقليدية في طرق الموضوعات الفعلية بعد مقدمة من حلو الكلام وفصاحة البيان ومنمق العبارات.
في المضمون: بعد مقدمة ثقافية – تاريخية دخل أوباما في صلب الموضوع، أي المفاوضات النووية الدائرة بين إيران والغرب. أقرّ بأن المفاوضات تحقق تقدماً وأنها وصلت إلى مرحلة حرجة وحساسة، مشيراً إلى التزام الأطراف بما اتفقت عليه في الاتفاق المبدئي (اتفاق جنيف 2013)، ومسلماً بوجود ثغرات.

طالب أوباما الإيرانيين والشباب منهم خصوصاً برفع الصوت لمستقبل أفضل، ملمحاً بوجود دوائر تعارض الحل في أميركا وإيران. بمعنى آخر، حث أوباما الشباب الإيراني على الضغط باتجاه التوصل إلى حل سلمي، وذلك لا يتأتى ـ وفقاً لمنطق الخطاب – إلا بالضغط على المفاوض الإيراني والدوائر المتشددة التي تقف خلفه. ويظهر الضغط الأوبامي في توصيف المشهد التفاوضي الحالي بأنه خيار بين طريقين: الطريق الذي توجد فيه إيران حالياً (العزلة الدولية والعقوبات الاقتصادية) أو طريق الفرص والاستثمارات وأماكن العمل والسفر للخارج بغرض الدراسة. يلوح أوباما بوضوح بجزرة الغرب وعصاه للشباب الإيراني، مراهناً على الفجوة العمرية بين أجيال الثورة الإيرانية والشباب من جيل الثورة الثالث؛ وهو اعتقاد يلقى انتشاراً واسعاً في الولايات المتحدة الأميركية ومراكز أبحاثها. في هذا السياق، لا تفوت ملاحظة أن أوباما وضع في أماكن كثيرة من خطابه المجتمع الدولي وأميركا بضمنه في كفة وإيران في الكفة المقابلة، بما يعني محاولته تذكير الإيرانيين بعزلتهم الدولية. ويقول أوباما بوضوح في خطابه: «الاتفاق النووي الآن يستطيع المساعدة في فتح الباب إلى مستقبل مزدهر لك أيها الشعب الإيراني، الذي يملك أن يعطي الكثير للعالم كوريث لحضارة عظيمة. هذا هو الرهان اليوم. وهذه اللحظة يمكن ألا تأتي قريباً مرة أخرى». وحتى يخفف أوباما من تهديده الضمني الوارد في الجملة الأخيرة، يعود مباشرة إلى اقتباس بيت شعر للشاعر الإيراني الكبير حافظ حول الربيع والمستقبل في «لفتة» مجاملة ثقافية جديدة.

الاستنتاجات:

يقدم خطاب أوباما وتحليل مضمونه فرصة للخروج بمجموعة من الاستنتاجات السياسية الفائقة الأهمية. أولاً: يبدو أن المفاوضات النووية تتعثر بسبب ضغط أميركي على إيران للقبول بتنازلات لم تحسم في جولات التفاوض السابقة، ما يعرقل التوصل إلى حل شامل في الفترة القليلة المقبلة وفقاً للشروط الأميركية. ثانياً: يعتقد أوباما أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران هي التي ضغطت عليها للذهاب إلى المفاوضات أصلاً، وان استمرارها أثناء التفاوض وعدم رفعها كلية حتى بعد إبرام اتفاق شامل يشكل أقوى ورقة ضغط لديه. ثالثاً: إن عامل الوقت يلعب لمصلحة أوباما ما يعزز رغبته في مضاعفة الضغوط، عبر تأليب الشعب الإيراني والشباب منه خصوصاً على النظام لتليين مواقف المفاوضين الإيرانيين.

تحليل مضمون خطاب خامنئي
في المقابل، قرأت إيران ما بين سطور خطاب أوباما واستخلصت الرسائل المضمرة فيه، فسياسيوها بارعون تقليدياً في التنميق واللفتات وتسلسل السياقات، لذلك جاء الرد من رأس النظام الإيراني مباشرة ومن دون مقدمات بلاغية كثيرة.
في الشكل: في حين جاءت كلمة أوباما متلفزة على خلفية ثابتة في البيت الأبيض، فقد جاء الرد الإيراني على لسان مرشد الثورة علي خامنئي من مدينة مشهد في حضور جماهيري. وتوخى خامنئي في اختيار المكان توجيه رسالة أساسية مفادها أن ارتباط النظام الإيراني بالإسلام الشيعي يتجاوز في أهميته عيد «النوروز» الفارسي. أولاً تُعدّ مدينة مشهد، والتي ألقى فيها خامنئي خطابه ذات رمزية خاصة في إيران الإسلامية لكونها تضم رفات الإمام موسى الرضا – ثامن الأئمة عند المسلمين الشيعة. ثانياً خلت المنصة التي أطلق منها خامنئي خطابه من مائدة «النوروز» التقليدية، في تأكيد إضافي على هذه الحقيقة. ثالثاً تكرر هتاف الحاضرين «الموت لأميركا» أثناء إلقاء المرشد كلمته، وفي مرّة رددها المرشد ذاته، في تناغم مدروس أتاحه وجود حاضرين في الخطاب، على العكس من خطاب أوباما المسجل. ويلاحظ أن هذا الهتاف التقليدي غاب خلال السنتين الأخيرتين عن خطب المرشد الجماهيرية، في رغبة منه بفتح صفحة جديدة بالتزامن مع افتتاح المفاوضات النووية.
في المضمون: نفذ السيد خامنئي إلى مضمون خطاب أوباما مباشرة ومن دون لفتات أو مقدمات بلاغية، فالمثل الشعبي الإيراني يقول: «لا توزع الحلوى في المشاجرات». قال المرشد: «أحد أهداف الضغط الاقتصادي من قبل الأعداء هو وضع الشعب مقابل الحكومة»، مشيراً إلى أن «أميركا تقف بشكل أساس وراء هذه الضغوط وتستهدف اقتصادنا لكي يكون هناك اعتراض من الشعب على النظام الإسلامي». وأضاف خامنئي: «كنت أدعم كل الحكومات وأعطي الملاحظات ولا أوقع شيكاً على بياض لأحد»، مطالباً برفع العقوبات على إيران بالتزامن مع الحل الشامل وليس لاحقاً كما يُصرّ المفاوضون الغربيون الآن. هنا يذكر خامنئي أوباما بالتزامه (اتفاق جنيف 2013) رفع كل العقوبات عن إيران عند التوصل إلى حل شامل، وهو التزام لا يستطيع أوباما تنفيذه في الواقع بسبب معارضة الكونغرس. باختصار، أعاد خامنئي الكرة إلى ملعب أوباما من جديد، لعلمه بأن الحل العسكري أمر غير مرغوب فيه من أوباما لاعتبارات كثيرة. لذلك انتهت خطبة السيد خامنئي من دون أن ينسى تذكير أوباما بأن «التهديدات غير فاعلة والتلويح بمزيد من الحظر والعمل العسكري لا يخيف الشعب الإيراني؛ فهو صامد في هذا المضمار».
توسّل أوباما بخطابه النوروزي مناسبة الاحتفال التقليدي الإيراني لدق إسفين بين الشعب الإيراني ونظامه عبر إظهار الاحترام للشعب الإيراني وثقافته ورغبته في «جلب الفوائد للإيرانيين، تلك التي يتسبب النظام الإيراني بسلوكه التفاوضي في منعها عن شعبه». بكلمات أخرى، حاول أوباما أن «يبيع المياه في حارة السقايين»، جرياً على المثل الشعبي المصري الشهير، ولكنه يبدو أنه لم يفلح كثيراً!

(السفير)

السابق
موظفو مستشفى صيدا الحكومي أقفلوا قسم الطوارىء احتجاجا
التالي
محاولة لإدانة «حزب الله» في «مجلس حقوق الإنسان»