فشل «داعش» ونجاح «النصرة»

الاجتياح الخاطف لشمال غرب العراق الذي قام به “داعش” أثار مشاعر متناقضة لدى العراقيين على ضفتي المشهد. الذين اصطفوا وراء رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أصيبوا بالذهول والإحباط بانهيار الجيش العراقي الذي أنفق المليارات على أسلحته، ليتركها غنيمة سهلة بين يدي “داعش”، وما كان أبو بكر البغدادي ولا رجاله ليحلموا أن يمتلكوا مثل تلك الأسلحة، كمية ونوعية، ما جعل تنظيم “داعش” بهذه الأسلحة جيشا مكتملا، خصوصا وقد أصبح يحكم مدنا كبرى في العراق.

على الضفة الأخرى من المشهد شعر المضطهدون من عرب السنة في العراق أنه حان الوقت لكي يتخلصوا من الاضطهاد الطائفي الذي تمارسه ميليشيات الحشد الشيعي في مناطق يعيش فيها عربٌ سنة بجانب الشيعة. كما تأملت المناطق التي فيها أكثرية سنية أن يتم دخولها المشهد السياسي الرسمي بتعديل ميزان الحكم، بحيث يشارك العرب السنة في حكم العراق.
نجح تنظيم “داعش” في لعبة الكر والفر التي مكنته من الاستيلاء على مساحات أخرى جديدة لم تدخل في نطاق حكمه عند استيلائه على الموصل وما جاورها. هذه المقدرة العسكرية تعود بالدرجة الأولى إلى انضمام ضباط من الجيش العراقي ممن حارب في عهد صدام حسين.
النجاح العسكري لـ”داعش” لم تقابله سياسة راشدة يوم اجتاح أرض المسيحيين واليزيديين وما رافقها من اضطهاد لهم وقد عاشوا مع العرب منذ الفتح الإسلامي وحتى أيامنا، ما جعل العراقيين يرفعون حواجبهم تعجبا واستنكارا متسائلين: ما الفائدة التي يجنيها تنظيم “داعش” من هذه السياسة الخرقاء، ولم تكن هذه الأقليات يوما شوكة في حلق أحد؟
إن السياسة الخاطئة التي اتبعها “داعش” مع السكان السنة والمسيحيين والقسوة التي اتبعها معهم، بل والقتل الذي كان يمارسه عليهم، جعلت السكان في محافظة الرقة وفي شمال العراق يهجرون ديارهم. قد تكون هناك مبالغة في أعداد من قتلهم “داعش”، لكن إعلان هذا القتل على صفحات اليوتيوب جعل صفة القتل والذبح تلتصق به. بل إن اللباس البرتقالي الذي كانوا يُلْبسونه لمن يذبحونهم والذي يشبه اللباس الذي ألبسه الأميركيون معتقلي غوانتنامو جعل البعض يتساءل عن حقيقة العلاقة بين تنظيم الدولة وواشنطن؟
اليوم تجري عمليات استئصال لتنظيم “داعش” في محافظة صلاح الدين في العراق. ومن يتابع الفضائيات التي تنشر أخبار القتال هناك، يلحظ أن المواطن العربي السني يشعر بارتياح عندما يوقعون القتلى في صفوف الحشد الشعبي والجيش العراقي الذي يحوي عددا قليلا من السنة، مع أن هذا المواطن كان يمتعض من ممارسات “داعش” واستهانته بحياة من يحكم عليهم بالإعدام لذنوب هامشية، ومن الطريقة التي يتم بها الإعدام.
بمقارنة بسيطة بين “داعش” و”جبهة النصرة” التي وضعتها واشنطن على لائحة الإرهاب فإن هذه تحظى بتعاطف كبير من الأهالي في المناطق التي تسيطر عليها في سوريا. فلم ترتكب الجبهة مجازر كما فعل “داعش”. وعندما قامت النصرة بإنهاء وجود جبهة ثوار سوريا التي يقودها جمال معروف من محافظة إدلب قوبل ذلك بارتياح شعبي. هذا الأمر تم مع حركة “حزم”، التي أخرجتها النصرة من الساحة، والفصيلان ممن ترضى عنهما واشنطن. لذلك لم يجدا من يتعاطف معهما من المواطنين السوريين. دعك مما يقوله محللو الأخبار.

(النهار)

السابق
مصدر أميركي: لم يتبدل موقفنا من «حزب الله»
التالي
مازالت تربي الأمل