بري: آسف لعدم لبننة الاستحقاق الرئاسي

نبيه بري

لا يزال رئيس مجلس النواب نبيه بري ممتعضاً مما سيق في وسائل الإعلام عن لقائه الأخير بالرئيس سعد الحريري في عين التينة. واستفاد من سؤال ساقه اليه رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع عبد الهادي محفوظ لدى الاجتماع به ووفد المجلس في مكتبه، عن الوضع الإعلامي، حتى يعرج على تعليقات أعقبت لقاءه والحريري. فأقر بأن الإعلام هو «القوة الأولى في العالم اليوم» ولا سيما بتطور وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت، إلا أنه رفض أن «يمتطيها أناس مجردون من أي مسؤولية». وبعدما أشار الى أن الإعلام في لبنان بات «يا قاتلاً يا مقتولاً«، ساق مثالاً عن الفبركة الإعلامية التي طالته والحريري. وذكر بما كان رواه للنواب في إطار «لقاء الأربعاء» النيابي قبل يومين، قائلاً إنه لم يحكِ عن رئيس تكتل «التغيير والإصلاح« النائب ميشال عون بالنسبة الى الموضوع الرئاسي، «بل حكينا عن آلية عمل الحكومة، وعند العشاء رحنا نتبادل أطراف الحديث عن كيفية الوصول الى اتمام الاستحقاق الرئاسي». لذا، طلب بري، «بالعقل والمنطق أن يطرح السؤال الآتي: هل يمكن لأحد أن يحكي بحكومة ورئاسة حكومة في وقت يصب الكلام كله على رئاسة الجمهورية؟». لذا، استنتج بري أن الغاية مما سيق في الإعلام هي «ضرب الحوار«.

وخصص بري وقتاً للحديث عن هذا الحوار، الى أعضاء المجلس. فذكر بما قاله في الجلسة الأولى التي جمعت «تيار المستقبل» و»حزب الله» على الطاولة في عين التينة عندما عبّر لهم عن يقينه بأنهم «سيمنعون تدهور الأوضاع في لبنان لأن العاصفة إذا وصلت الينا فإن اللبنانيين كلهم سيدفعون ثمنها». من هنا، إن هذا الحوار «هو أكثر من وطني وإن كانت صبغته مذهبية»، مذكراً أيضاً بكلام له عندما كان ناطقاً باسم «أمل» وفيه أنه «إذا استعملت الطائفية في سبيل الوطن فإنها تكون وطنية، وإلا تكون طائفية». وفسر كيف وضع جدول أعمال هذا الحوار: «كان الهم الأساس هو وقف الحساسية السنية – الشيعية وترطيب الأجواء بين الأفرقاء كلهم عبر إزالة الحساسيات بينهم، ومن ثم الانتقال الى بند رئاسة الجمهورية فإجراء الانتخابات». وأعرب عن تفاجئه «والحمد لله بمدى الاندماج بين الفريقين»، مؤكداً أنه «لن يحصل دم بين اللبنانيين مهما كان». ونقل بري الى وفد «الوطني للإعلام» إحساسه بـ»اللحمة بين الناس»، لافتاً الى أنه «أزال الكولستيرول من الجبنة». وكان واضحاً في مقاربته هذه المسألة: «لم أقم بهذه المحاولة إلا في الأطر التي أحس أنني قدّها»، واستثنى من ذلك بندي «السلاح والمحكمة. فهذان أمران غير مقدور عليهما». وتفاجأ بري أيضاً، عند بدء جولات الحوار، بـ»الاندماج، والغيرة بين المتحاورين والحرص على الخلاص والخوف عند الجميع في آن«.

وفي السياق نفسه، تحدث عن ايجابيات هذا الحوار الذي لولاه «هل كانت ستتم قصة سجن روميه؟»، سأل رئيس المجلس. وهنا، لفت الى أنه فاتح الرئيس ميشال سليمان والرئيس نجيب ميقاتي في عهد الأخير بضرورة وضع آلة تشويش على الاتصالات الهاتفية كالتي يستخدمها في مجلس النواب وثمنها لا يتعدى الـ 300 ألف ليرة لبنانية: «فعلمت يومها، أي منذ ثلاث سنوات، أن الآلة المذكورة اشتروها بـ700 ألف دولار، واستعملت مرة لدقيقة واحدة قبل أن توضع جانباً بعدما وصلهم تهديد معين». لذا، أضاف رئيس المجلس، «كان في سجن روميه مركز قيادي لداعش والنصرة ونحن حراسه«.

ومن ايجابيات الحوار أيضاً، عند بري، أن الأحداث الأمنية لم تعد قائمة في الشمال: «حصل تفجيران في جبل محسن حصدا الأبرياء. على أثرهما توجه أركان المستقبل لتقديم واجب العزاء في المنطقة حيث استقبلوا استقبال الأبطال». والأمر نفسه، قال بري، ينسحب على اغتيال شقيق النائب السابق علي عيد.

وفي ايجابيات الحوار أيضاً إزالة الأعلام ليس من بيروت الإدارية فحسب، إنما من الشمال، والجنوب والبقاع. وهنا، قال بري: «بعدما تلمست الثقة المتبادلة بين طرفي الحوار والاندفاع السريع بينهما، طلبت الى (وزير المال العضو في الحوار) علي حسن خليل أن يقترح إزالة الأعلام واللافتات من طريق المطار لأنها واجهة بيروت. فسئلت حينها: لماذا لا تُزال تلك الأعلام من صيدا؟ وكان سؤال آخر: لماذا لا تنزع من الشارع العريض في صيدا؟ وسؤال آخر: لماذا تستثنى حارة صيدا؟ فسألت: لماذا لا تنزع تلك اللافتات من طرابلس أيضاً؟». وهنا، علق: «عندما بدأ الحوار، كانت أقصى آمالي أن يصلوا الى طريق المطار فقط». وأشار هنا الى أن الخطة الأمنية في البقاع كانت مطلبه أساساً، لافتاً الى «أننا كنا أعددنا هذه الخطة، بسرية، للإطباق على الزعران في أهم المناطق التي قدمت الشهداء. فخصصنا ألف عنصر من الجيش اللبناني و500 آخرين من الأمن العام و500 عنصر من الأمن الداخلي أيضاً لتطبيق هذه الخطة. إلا أن الإعلان عنها أدى الى فرار المطلوبين«.

وبعدما قدم هذه الصورة الايجابية لطاولة الحوار، أوضح أن المناقشات بين طرفيها باتت في البند الثاني أي رئاسة الجمهورية، من دون أن يقدم أي معلومات إضافية في هذا الشأن. فبرأيه أن التكتم عن المداولات «هو أحسن شيء نفعله، مع العلم بأن البيانات المقتضبة التي تصدر عن الاجتماعات تكون صائبة ودقيقة«.

وانتقل رئيس المجلس الى الضفة الأخرى حيث الحوار بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية». وأشار الى أن المتحاورين هناك انتهوا الى وضع ورقة سترفع الى قيادتيهما على أن ينتقلوا قريباً الى الكلام على الرئاسة.

وكلل بري عرضه بالسؤال الآتي: «ما هو هذا الحوار الذي عولت عليه؟». وأجاب: «اذا صارت شبه حلحلة على الخط النووي أو الخط السعودي- الإيراني، من يمكن أن يكون أحق بالحل؟ العراقي؟ أم السوري؟ أم اليمني؟ أم البحريني؟ من؟». وأوضح: «سيكون لبنان هو المستفيد من هذه الحلحلة إذا كانت حضرت الأرضية اللازمة لذلك بفعل الحوار القائم. فنكون حفرنا الأرض التي فيها سيكون اللقاح المناسب لينبت الربيع». ورأى أن «أي تحول ايجابي في المنطقة سيكون لبنان أول المستفيدين منه»، مذكراً بالأجواء التي سبقت انتخاب سليمان رئيساً للجمهورية: «كان طرح اسمه غير مرة من دون التمكن من التصويت له رئيساً للجمهورية. فحصلت الأحداث في بيروت (7 أيار) وتلتها الدوحة التي أدت بنا الى الخروج بفتوى معينة لانتخابه والإتيان بالحل«.

لذا، حصر بري المشكلة التي ترافق الانتخابات الرئاسية وعدم إتمام هذا الاستحقاق بالموارنة: «فهي ليست مشكلة مسيحية – مسيحية ولا مسلمة – مسيحية إنما مارونية – مارونية. فلماذا اتهم الآخرين بعدم إنجاز هذا الاستحقاق؟». ونقل عن مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية جان- فرنسوا جيرو عندما التقاه أخيراً أن «على المسيحيين أن يقرروا مصير هذا الاستحقاق، والمشكلة متأتية من عدم الاتفاق بين الموارنة». وقال إنه سمع من إيران والسعودية اللتين زارهما تأييداً لإتمام الاستحقاق الرئاسي في لبنان على أن يتفق الموارنة عليه، وأنه زار الفاتيكان التي قالت له دوائره بوضوح: «لا نريد التدخل في هذا الأمر». وهنا، أسف بري لـ»عدم التمكن من لبننة الاستحقاق الرئاسي اللبناني. إذ كانت هناك فرصة للبنانيين لأن ينتجوا رئيساً لبنانياً بصناعة لبنانية«.

لا ينسى بري أن يؤكد أمام وفد «الوطني للإعلام» أن التعطيل لم يصب الرئاسة الأولى إنما ينسحب الى الرئاستين الثانية والثالثة على السواء، معرباً عن أسفه لعدم تمكنه من إصدار أكثر من 20 قانوناً في السنة في وقت كان المجلس ينتج أكثر من 250 قانوناً سنوياً. وأعلن أنه سيحيل اقتراحي تعديل قانوني الإعلام والمطبوعات على الهيئة العامة للمجلس فور انتهاء اللجان النيابية المشتركة من درسهما، وأنه «يجب» أن تكون لـ»الوطني للإعلام» صلاحيات إنما من دون أن يعني ذلك الانقضاض عليه. وختم: «لم أحرك دعوى في حياتي إلا بالأمس في النفايات النووية«.

(المستقبل)

السابق
يوم الراحل الكبير العلامة هاني في انطلياس
التالي
قتلى بغارات لطائرات النظام و13 ألفاً عدد ضحايا التعذيب في معتقلاته