العلاج بالموت..

علي الخامنئي

لفت انتباهي في اليومين الماضيين، الاهتمام الكبير الذي ابدته بعض الاوساط القريبة من القوى الوطنية اللبنانية، خاصة قوى الرابع عشر من آذار، بالخبر الذي سربته بعض وسائل الاعلام الروسية والاسرائيلية مفاده ان المرشد الاعلى للنظام الايراني آية الله السيد علي خامنئي قد توفاه الله نتيجة لمرض عضال يعاني منه منذ سنوات، وقد وصل الامر في تبني هذا الخبر من قبل بعض هؤلاء انه راح ينسج سيناريوهات لهذا الموت المفاجئ- المفترض وأسبابه. فيما رفض البعض منهم مجرد التشكيك في صحة الخبر، معتمدا على المصداقية العالية التي تتمتع بها صحيفة “اديعوت احرنوت” الاسرائيلية.

وعلى زعم احد الاصدقاء، بان رحيل خامنئي ان صح، فقد جاء قبيل التوقيع على الاتفاق التاريخي النووي بين ايران والولايات المتحدة الاميركية، وانه حرم خامنئي من الاستمتاع بثمار ونتائج مسار طويل وشاق وسنوات عديدة من المفاوضات المعقدة والمركبة، اي انه رحل قبل ان تكتحل عيناه بتحول حلم الامبراطورية “الفارسية” الى حقيقة وهذه المرة بلباس ديني.

الهروب الى التصديق بموت خامنئي المفاجئ، كشف لي عمق الفراغ السياسي وعقم هذه الجماعات على ايجاد الوسائل والادوات السياسية التي تمكنهم من مواجهة المشروع الايراني في المنطقة، وهو ما طالب به العديد من الشخصيات المعارضة لهذا النفوذ منذ سنوات والحوا عليه.

وقبل ان اذهب بعيدا، استدرك لاتوقف عند حقيقة مرة، وهي انه في مقابل تقدم المشروع الايراني في المنطقة، مرة في السياسية واخرى بالعسكر والدم، وثالثة بالكشف عن مسارات شكلت صدمة للمراهنين على استبعادها وصعوبتها، كانت الاطراف المتخاصمة او حتى المعادية لهذه التمدد الايراني، تؤكد مرة تلو الاخرى عجزها عن امتلاك مشروع واضح ومحدد في التصدي لهذه النفوذ واقتراب طهران من تحقيق حلمها باستعادة ما فقدته تاريخيا من سيطرة على المنطقة وعاصمتها التاريخية الساسانية في المدائن العراقية حسب ما اوحى به كلام “علي يونسي” مستشار الرئيس حسن روحاني لشؤون الاقليات القومية والدينية ووزير الامن الاسبق في عهد الرئيس محمد خاتمي.

وهذا العجز لا يقف عند حدود المواجهة مع المشروع الايراني، بل ينسحب ايضا على مواجهة الذراع اللبنانية للنفوذ الايراني المتمثلة في حزب الله وقوى الثامن من آذار اللاجئة الى حضنه السياسي والعسكري والامني والمالي.

تبني رواية موت خامنئي، يكشف مدى التراجع والاحباط الذي يضرب اطنابه في ثنايا هذه القوى السياسية ويكشف عقمها في امتلاك خيارات تضعها او تعيد وضعها على خارطة التأثير في مجريات الاحداث والتطورات والمتغيرات، ان لم يكن على صعيد الحدث الداخلي اللبناني، او فيما يجري على مستوى الاقليم. ولم يتبق امامها سوى اللجوء الى الغيب وتعليق الامال عليه، لعله يحقق لها ما تعجز هي عم مقاربته في الحقيقة.

الحلم باعادة ترتيب المعطيات المحلية والاقليمية اعتماد على سلاح الموت الذي حددت له وظيفة واضحة تستهدف ازاحة رأس “محور الممانعة” في طهران، يشبه الى حد كبير الحلم الذي راود هذه القوى بالتخلص من الغريم الاول لهم في لبنان والمنطقة، اي الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع لحرس الثورة الايرانية، والذي ارتفع منسوبه ( اي التخلص منه) مع وصول الشيخ حسن روحاني الى سدة الرئاسة عام 2013.

خبر رحيل خامنئي، كلف احد الاصدقاء عناء الاتصال بي في الساعات الاولى من الصباح عله يحصل على مؤشر يؤكد له ما نشرته الصحيفة الاسرائيلية، وهو ما ذكرني بموقف مشابه حدث مع وصول روحاني الى الرئاسة، وسيل الاسئلة التي واجهتها عن امكانية ان يعمد روحاني الى اقصاء سليماني عن منصبه في قيادة العلميات الخارجية، او في اضعف الايمان احالته على التقاعد، ما قد ينعكس ارتياحا على الساحة اللبنانية وامكانية ان تتنفس القوى المعارضة للمهيمنين الايرانية والحزب اللهية الصعداء نتيجة لابتعاد الحليف الاساس للحزب عن دائرة القرار الايراني في الداخل والاقليم، وبالتالي سيوفر لحظة امل في الازمة السورية قد تجبر حزب الله على الانسحاب من جهة، وقد تدفع الايراني على اعادة حساباته والدخول في مفاوضات تتعلق بمصير النظام السوري ورئيسه من جهة اخرى.

هذا الافلاس السياسي لدى القوى اللبنانية المعارضة للهيمنة والتوسع “الفارسي” في المنطقة، خصوصا لبنان، اربك الكثيرين الذين عقدوا الامل على تغيير واستبعاد سليماني بداية، ثم الرهان على رحيل خامنئي وموته لاحقا، ويبدو انهم غافلون عن حقيقة قد تكون الادارة الاميركية افضل من يدركها، على الرغم من افتقادها لكل انواع التواصل العميق مع التركيبة الايرانية الداخلية الى ما قبل سنوات قليلة ماضية، وهي تتعامل معها في رسم الاتفاق الثنائي الذي لا بد سينتهي الى تحالف ثنائي على مستوى الاقليم، وهي مسألة وجود ادارة ايرانية تمتلك رؤية استراتيجية – قد تختلف في بعض تفاصيلها عن الرؤية الاستراتيجية للنظام الملكي – ومشروعا سياسيا لا يقف عند حدود ايران، بل يشمل المنطقة برمتها، وان ادارة هذا المشروع ليست حكرا على طرف او شخص محدد في التركيبة الايرانية، وعلى الرغم من الخصوصية التي يتمتع بها خامنئي كولي للفقيه ومرشد للنظام وقائد اعلى للقوات المسلحة، الا انه في سياق القرار الاستراتيجي يحتل دور ” المايسترو” الذي يتولى مهمة ضبط ايقاع التحركات وحتى حدود التداخل بين الاطراف الداخلية وصراعاتها.

الوضع الذي تمر به القوى المناهضة للنفوذ الايراني على مستوى الساحة اللبناني، اعاد الى الذاكرة مطلع قصيدة للشاعر ابي الطيب المتنبي قد تكون خير تعبير عما سمعته في الايام القليلة الماضية، وقد تكون افضل ختام حيث يقول :
كفى بكَ داءً أنْ ترَى الموْتَ شافِيَا وَحَسْبُ المَنَايَا أنْ يكُنّ أمانِيَا
تَمَنّيْتَهَا لمّا تَمَنّيْتَ أنْ تَرَى صَديقاً فأعْيَا أوْ عَدُواً مُداجِيَا

(المدن)

السابق
ريفي طالب ايران بموقف واضح من كلام يونسي
التالي
ما الثمن المطلوب ايرانياً للافراج عن الرئاسة اللبنانية؟